من أين تبدأُ (كاوست)؟
ثمة بحرٌ يهبّ من الغرب، وهذا البحر ذاته أيضاً يوزع ماءه وأسماكه وأصدافه وزرقته و(أشجار منغروفه) بين جنوب وشمال، بل إنه يجري من تحتها كالأنهار عندما يمر في وسطها. أما شرق كاوست فيطلّ على البهاء والنور والقداسة حيث جبال مكة التي تنشق عن خير وفير يعكس عمق الطهارة والنور الذي شع هناك قبل ١٤٠٠عاماً ليتمدد في كل بلدي أطرافاً ومركزاً.
وأنت في (كاوست)، لا يمكنك اختيار بداية أو نهاية لمحاولة رصد يوميات أو جولة ستقوم بها، فكلها بداية ولا نهائية أبداً مثل حوار أو جدل مفتوح يتطلع إلى حجة أخيرة.. ومع ذلك سيظل أمر البحث لا نهائياً وممدوداً دون خاتمة، تماماً مثل شغف المعرفة الذي لا يمكن له أن يصل إلى كلمته الأخيرة!.
إنني الآن في قلبها أو (سرّتها)، على الأدق، إذ أكتب هذه السطور من ساحة الديسكفري، مستنداً إلى لحظة ميلادها حيث يمكنني أن ألمس بوضوح كيف أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تؤسس نفسها وأدوارها وهويتها وتطلعاتها على تلك الحقبة المضيئة في تاريخنا الإسلامي المعرفي، لأن هذه هي رسالتها، بكل بساطة، سواء عبر أبحاثها المتواصلة أو وهي في موقعها بكل ما تحويه جغرافيتها من مراكز ومعامل وتقنيات وقاعات وعقول وجدت لتواصل مسيرة العلم والاكتشاف بهدف إلهام الجيل الجديد للنظر من خلال العيون القديمة والنظر في الترابط المختلف للاكتشاف والانضمام إلى المسيرة البشرية في تقدمها وابتكاراتها التي تضيء الطريق نحو غد أجمل.
كثيرون يعتقدون أن العمل توقف في كاوست، وأنه يجري عليها ما يجري على بعض المؤسسات حيث الكل في بيته وليس هناك من عمل سوى اجتماعات عبر (الزووووم) ومجرد كلام و(طق حنك)، لكنني سأحيلهم اليوم الأحد إلى الصفحة ١١ من هذه الصحيفة التي تنشر صفحة كاملة عن عمل كاوست على تطوير وسائل تشخيص سريعة للمرض/ الوباء/ الكارثة.. ليروا بأم أعينهم صورة فردتها عكاظ على ٧ أعمدة تبين أن الباحثين والعلماء في كاوست لم يهربوا من مسؤوليتهم بل إنهم يقضون وقتهم في المعامل والمختبرات على طريقة «وداوها بالتي كانت هي الداء»!.. ويكشف التحقيق الذي تنشره عكاظ كيف تواجه كاوست بأبحاثها الدقيقة جائحة كورونا (كوفيد - ١٩). فمنذ بداية البداية لهذا الوباء أصدر رئيس الجامعة توني تشان، بالتنسيق مع الدكتور دونال برادلي، نائب رئيس كاوست للأبحاث، والبروفيسور بيار ماجستريتي، عميد قسم العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية في كاوست، توجيهاً بتسخير قدرات باحثي وعلماء كاوست للمساعدة في مواجهة جائحة فيروس كورونا (Covid-19)، وتم حينها تشكيل مجموعة من أعضاء هيئة التعليم والطلبة في كاوست، تحت مسمى «فريق عمل كاوست للاستجابة البحثية السريعة» (Rapid Research Response Team (R3T))، للتعاون مع المعنيين بالرعاية الصحية في المملكة، ودعمهم للمساعدة في مكافحة انتشار فايروس كورونا (COVID-19)».
أعتقد أن هذا الكلام يؤكد أن كاوست تمتلك ناصية البحث العلمي الفصيح، تصدع به، الآن، علانية، وتترك للكارهين مهمة تسويق الكلمات ذات الرائحة الكريهة، غير مكترثة بالضغائن الكبيرة والصغيرة مانحة وقتها لأبحاثها ومعارفها وابتكاراتها دون (برباقندا مفتعلة)، وكأنما تقول بثقة: أبحاثنا مستمرة.. وما عدا ذلك كذبٌ و(نميمة)!.