-A +A
فهيم الحامد (الرياض) falhamid2@
لم يعد فايروس كورونا جائحة وبائية صحية فحسب، بل امتد لعصب الكون الاقتصادي والسياسي، وأعاد الوباء رسم المشهد الجيو-إستراتيجي العالمي الذي سيسهم بحسب ما أوضحه خبراء غربيون في إحداث تغييرات جوهرية على النظام الدولي كون الجائحة، كشفت هشاشة النظام العالمي وجحم الصراع الدولي، خصوصاً الأمريكي والصيني الجيواقتصادي والسياسي في ظل اتهامات واشنطن لبكين بالمسؤولية عن إهمال انتشار الفايروس خارج ووهان، وأن هذا الإجراء كان مقصوداً. بالمقابل، يرى خبراء آسيويون أن الصينيين لم يكونوا ليقبلوا بالاختلال في الميزان الاقتصادي لمصلحة الغرب، وعليه فإن انتشار كورونا عالمياً، وتحديداً في أوروبا وأمريكا كان هدفه إضعاف نمو اقتصاد الدول المنافسة لهم، وسياسياً إنهاء مرحلة سيادة القطب الأوحد وظهور عالم ما بعد كورونا متعدد الأقطاب بمعنى أن صيغة العالم الرأسمالي المسيطرة لن تكون هي المسيطرة، وستتصدر الصين الركب بعد تفكك عالم الرأسمالية إذ ستجد الدول الضعيفة والمتوسطة اقتصادياً وسياسياً نفسها خارج حسابات التوازن العالمي الجديد. هذه النظريات قد تكون مجرد تكهنات وأضغاث أحلام كونها تعطي انطباعا بانفراط نظام العلاقات الاقتصادية والسياسية العالمي لمصلحة ظهور عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي ستتصدر بموجبه دول العام اقتصادياً وسياسياً، وتضمحل فيه دول أخرى، وهذا ما خلصت اليه مجلة «فورين بوليسي» في أحدث تقرير صدرعنها، عندما أكدت أن عالم ما بعد جائحة كورونا غير ما قبلها، وهذا سينعكس على دول القارة الأوروبية التي تعتبر أكبر القارات المتأثرة من الجائحة التي ستضطر إنتاج نظامها الاقتصادي والسياسي وفق صيغة مختلفة عن مفهوم الاتحاد الأوروبي الحالي أمام ما يتردد من توقعات حول انفراط عقد التكتل الذي بدأت بريطانيا خطوته الأولى.

وهو ما خلص إليه وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في مقال له بصحيفة «وول ستريت جورنال»، عندما توقع أن تغير جائحة كورونا النظام العالمي للأبد؛ وأن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أطلقها قد تستمر لأجيال عدة.


خلاصة القول؛ إن العالم اليوم يشهد مخاضاً صحياً وسياسياً واقتصادياً لم تشهده البشرية من قبل، ومن المؤكد أن الجائحة ستفضي لتشكيل نظام عالمي جديد وهذا هو التحدي التاريخي، وما يواجه قادة العالم في الوقت الراهن هو إدارة الأزمة وبناء المستقبل في آن واحد، باعتبار أن الفشل في هذا التحدي قد يؤدي إلى إشعال العالم.