الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل، من الشعراء: الحطيئة أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي شاعر مخضرم، قيل إنه شبَّ دعِيّاً محروماً مظلوماً، لا يجد مدداً من أهله، ولا سنداً من قومه، فاضطر إلى الشعر يجلب به قوته وقوت أطفاله، وينتقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، وقيل إن هذا هو سبب اشتداده في هجاء الناس ، ولم يكن يسلم أحدٌ من هجائه فقد هجا أمّه وأباه وهجا نفسه.
هجا الزبرقان بن بدر وكان من سادة العرب ببيته الشهير:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لِبُغيَتِها
واقعد فإنّكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي
فشكاه إلى عمر بن الخطاب في وقت خلافته، فسجن عمر الحطيئة، فلبث في السجن فاستعطفه بأبياتٍ يذكر فيها أطفاله وجوعهم من بعده، فبكى عمر واشترى منه أعراض الناس بثلاثة آلاف درهم وأخذ عليه عهداً ألا يعود للهجاء، فعاهده، وقيل إنه نكث بعد مقتل عمر، يقول الحطيئة:
أَلا طَرَقَت هِندُ الهنود وَصُحبَتي
بِحَورانَ حَورانِ الجُنودِ هُجودُ
فَلَم تَرَ إِلّا فِتيَةً وَرِحالَهُم
وَجُرداً عَلى أَثباجِهِنَّ لُبودُ
وَكَم دونَ هندٍ مِن عَدُوٍّ وَبَلدَةٍ
بِها لِلعِتاقِ الناجِياتِ بَريدُ
وَخَرقٍ يُجِرُّ القَومَ أَن يَنطِقوا بِهِ
وَتَمشي بِهِ الوَجناءُ وَهِيَ لَهيدُ
كَأَن لَم تُقِم أَظعانُ هِندٍ بِمُلتَقىً
وَلَم تَرعَ في الحَيِّ الحِلالِ تَرودُ
وَلَم تَحتَلِل جَنبي أَثالَ إِلى المِلا
وَلَم تَرعَ قَوّاً حِذيَمٌ وَأَسيدُ
بِها العينُ يَحفِرنَ الرُخامى كَأَنَّها
نَصارى عَلى حينِ الصَلاةِ سُجودُ
إِذا حُدِّثَت أَنَّ الَّذي بِيَ قاتِلي
مِنَ الحُبِّ قالَت ثابِتٌ وَيَزيدُ
إِذا ما نَأَت كانَت لِقَلبِي عَلاقَةٌ
وَفي الحَيِّ عَنها هِجرَةٌ وَصُدودُ
سَخونُ الشِتاءِ يُدفِئُ القُرَّ مَسُّها
وَفي الصَيفِ جَمّاءُ العِظامِ بَرودُ
عَبيرٌ وَمِسكٌ آخِرَ اللَيلِ نَشرُها
بِهِ بَعدَ عَلّاتِ البَخيلِ تَجودُ
تَذَكَّرتُ هِنداً فَالفُؤادُ عَميدُ
وَشَطَّت نَواها فَالمَزارُ بَعيدُ
تَذَكَّرتُها فَاِرفَضَّ دَمعي كَأَنَّهُ
نَثيرُ جُمانٍ بَينَهُنَّ فَريدُ
غَفولٌ فَلا تُخشى غَوائِلُ شَرِّها
عَنِ الزادِ ميسانُ العَشِيِّ رَقودُ
هجا الزبرقان بن بدر وكان من سادة العرب ببيته الشهير:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لِبُغيَتِها
واقعد فإنّكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي
فشكاه إلى عمر بن الخطاب في وقت خلافته، فسجن عمر الحطيئة، فلبث في السجن فاستعطفه بأبياتٍ يذكر فيها أطفاله وجوعهم من بعده، فبكى عمر واشترى منه أعراض الناس بثلاثة آلاف درهم وأخذ عليه عهداً ألا يعود للهجاء، فعاهده، وقيل إنه نكث بعد مقتل عمر، يقول الحطيئة:
أَلا طَرَقَت هِندُ الهنود وَصُحبَتي
بِحَورانَ حَورانِ الجُنودِ هُجودُ
فَلَم تَرَ إِلّا فِتيَةً وَرِحالَهُم
وَجُرداً عَلى أَثباجِهِنَّ لُبودُ
وَكَم دونَ هندٍ مِن عَدُوٍّ وَبَلدَةٍ
بِها لِلعِتاقِ الناجِياتِ بَريدُ
وَخَرقٍ يُجِرُّ القَومَ أَن يَنطِقوا بِهِ
وَتَمشي بِهِ الوَجناءُ وَهِيَ لَهيدُ
كَأَن لَم تُقِم أَظعانُ هِندٍ بِمُلتَقىً
وَلَم تَرعَ في الحَيِّ الحِلالِ تَرودُ
وَلَم تَحتَلِل جَنبي أَثالَ إِلى المِلا
وَلَم تَرعَ قَوّاً حِذيَمٌ وَأَسيدُ
بِها العينُ يَحفِرنَ الرُخامى كَأَنَّها
نَصارى عَلى حينِ الصَلاةِ سُجودُ
إِذا حُدِّثَت أَنَّ الَّذي بِيَ قاتِلي
مِنَ الحُبِّ قالَت ثابِتٌ وَيَزيدُ
إِذا ما نَأَت كانَت لِقَلبِي عَلاقَةٌ
وَفي الحَيِّ عَنها هِجرَةٌ وَصُدودُ
سَخونُ الشِتاءِ يُدفِئُ القُرَّ مَسُّها
وَفي الصَيفِ جَمّاءُ العِظامِ بَرودُ
عَبيرٌ وَمِسكٌ آخِرَ اللَيلِ نَشرُها
بِهِ بَعدَ عَلّاتِ البَخيلِ تَجودُ
تَذَكَّرتُ هِنداً فَالفُؤادُ عَميدُ
وَشَطَّت نَواها فَالمَزارُ بَعيدُ
تَذَكَّرتُها فَاِرفَضَّ دَمعي كَأَنَّهُ
نَثيرُ جُمانٍ بَينَهُنَّ فَريدُ
غَفولٌ فَلا تُخشى غَوائِلُ شَرِّها
عَنِ الزادِ ميسانُ العَشِيِّ رَقودُ