فشل مفاوضات الفرصة الأخيرة في جنيف التي تمت في إطار منظمة التجارة العالمية وكانت استكمالاً لجولة الدوحة التي بدأت عام 2000 دليل على عدم رضا الدول النامية عن قوانين اللعبة الاقتصادية العالمية, ومؤشر على رغبتها في تغيير ذلك بما يحقق جزءًا من مصالحها الاقتصادية, حيث إن أغلب هذه الدول تعاني من الفقر والبطالة والتخلف, في وقت تنعم الدول الصناعية بظروف معيشية جيدة, ولا تتحمل مسؤوليتها الانسانية والدولية تجاه الشرائح الكبيرة المعدمة في الدول النامية. فنسبة الفقراء تشكل حوالى ثلث عدد سكان المعمورة البالغ عددهم نحو 6.4 مليارات نسمة, وأغلبهم يعيشون في الدول النامية, ورغم أن مسؤولية تصحيح أوضاع الفقراء في العالم لا تقع على عاتق الدول الصناعية وحدها, فحكومات الدول النامية معنية بشؤونها الداخلية, إلا أن طبيعة النظام الاقتصادي العالمي القائم على الاستغلال والجشع ساهمت في تردي هذه الأوضاع.
النظام الاقتصادي العالمي تم إنشاؤه بعيد الحرب العالمية الثانية وفق ترتيبات معينة بين القوى الكبرى المنتصرة وكان لأمريكا وبريطانيا الدور الأكبر في وضع قوانين وقواعد اللعبة الاقتصادية في العالم وفق أسس اقتصاديات السوق. وتم خلق الآليات والمؤسسات اللازمة لضمان استمراريته؛ حيث تم إنشاء صندوق النقد الدولي للمحافظة على استقرار النظام النقدي العالمي, بينما كان إنشاء البنك الدولي لإعمار أوروبا التي عانت من دمار اقتصادي عظيم حيث كانت مسرحاً للعمليات الحربية. وكانت الركيزة الثالثة في هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية (الجات) التي عنيت بتنظيم التجارة الدولية وفق أسس ليبرالية قائمة على حرية التجارة بين الدول, والتي تحولت إلى منظمة التجارة العالمية عام 1995 بعد التوصل إلى اتفاق حول تجارة الخدمات والحقوق الفكرية, يكمل اتفاقات التجارة السابقة. لكن حتى منظمة التجارة العالمية ظلت عاجزة عن تحقيق التواؤم الاقتصادي بين دول العالم, فهناك من رأى بأنها استمرار لهيمنة الدول الصناعية الغربية على العالم تحت مسمى جديد هو العولمة الاقتصادية, وان الهدف من إنشائها هو فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الكبرى لاستغلال مقدرات هذه الدول وغزو أسواقها.
إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أن الدول النامية أدركت أهمية تحسين مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي وحصلت على الكثير من التنازلات فيما يتعلق بحماية صناعاتها الوليدة أمام منافسة الصناعات الغربية المتقدمة, في نفس الوقت الذي عمدت فيه إلى التأثير على عملية صنع القرار في المنظمة التجارية العالمية الجديدة للتقليل من سيطرة الدول الغنية عليها. وهذا ما تحقق بالفعل, ففي وقت تسيطر فيه مجموعة قليلة من الدول الصناعية على عملية صنع القرار في صندوق النقد والبنك الدوليين- حيث التصويت يكون متناسباً مع مساهمة أو حصة كل دولة- لا تعمل منظمة التجارة العالمية وفقاً لهذه القاعدة.
وتقود الهند والبرازيل وكذلك الصين معسكر الدول النامية لتحسين مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي والحصول على التنازلات المطلوبة من الدول الصناعية. ولهذا السبب استمرت المفاوضات لأكثر من سبع سنوات ولم تصل الدول المتفاوضة إلى حل شاف فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية وتخفيض الرسوم الجمركية الأخرى. فالدول النامية لا تزال تربط فتح أسواقها بشكل أكبر أمام الصادرات الغربية بتخفيض الحكومات الغربية للدعم الذي تقدمه هذه الحكومات للمزارعين المحليين وتخفيض الرسوم التي تفرض على بعض المنتجات القادمة من الدول النامية, خاصةً أن الأخيرة لا تملك صناعات جبارة بقدر تميزها في المنتجات الزراعية.
الفشل في التوصل إلى اتفاق في الاجتماع الذي تم في جنيف وأستمر لمدة تسعة أيام هو خلاف على قوانين اللعبة الاقتصادية في العالم, وقد يفضي إلى تعزيز السياسات الحمائية والتكتلات بين الدول بشكل ثنائي أو جماعي, وهذا لايخدم الترابط الاقتصادي العالمي.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
النظام الاقتصادي العالمي تم إنشاؤه بعيد الحرب العالمية الثانية وفق ترتيبات معينة بين القوى الكبرى المنتصرة وكان لأمريكا وبريطانيا الدور الأكبر في وضع قوانين وقواعد اللعبة الاقتصادية في العالم وفق أسس اقتصاديات السوق. وتم خلق الآليات والمؤسسات اللازمة لضمان استمراريته؛ حيث تم إنشاء صندوق النقد الدولي للمحافظة على استقرار النظام النقدي العالمي, بينما كان إنشاء البنك الدولي لإعمار أوروبا التي عانت من دمار اقتصادي عظيم حيث كانت مسرحاً للعمليات الحربية. وكانت الركيزة الثالثة في هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية (الجات) التي عنيت بتنظيم التجارة الدولية وفق أسس ليبرالية قائمة على حرية التجارة بين الدول, والتي تحولت إلى منظمة التجارة العالمية عام 1995 بعد التوصل إلى اتفاق حول تجارة الخدمات والحقوق الفكرية, يكمل اتفاقات التجارة السابقة. لكن حتى منظمة التجارة العالمية ظلت عاجزة عن تحقيق التواؤم الاقتصادي بين دول العالم, فهناك من رأى بأنها استمرار لهيمنة الدول الصناعية الغربية على العالم تحت مسمى جديد هو العولمة الاقتصادية, وان الهدف من إنشائها هو فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الكبرى لاستغلال مقدرات هذه الدول وغزو أسواقها.
إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أن الدول النامية أدركت أهمية تحسين مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي وحصلت على الكثير من التنازلات فيما يتعلق بحماية صناعاتها الوليدة أمام منافسة الصناعات الغربية المتقدمة, في نفس الوقت الذي عمدت فيه إلى التأثير على عملية صنع القرار في المنظمة التجارية العالمية الجديدة للتقليل من سيطرة الدول الغنية عليها. وهذا ما تحقق بالفعل, ففي وقت تسيطر فيه مجموعة قليلة من الدول الصناعية على عملية صنع القرار في صندوق النقد والبنك الدوليين- حيث التصويت يكون متناسباً مع مساهمة أو حصة كل دولة- لا تعمل منظمة التجارة العالمية وفقاً لهذه القاعدة.
وتقود الهند والبرازيل وكذلك الصين معسكر الدول النامية لتحسين مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي والحصول على التنازلات المطلوبة من الدول الصناعية. ولهذا السبب استمرت المفاوضات لأكثر من سبع سنوات ولم تصل الدول المتفاوضة إلى حل شاف فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية وتخفيض الرسوم الجمركية الأخرى. فالدول النامية لا تزال تربط فتح أسواقها بشكل أكبر أمام الصادرات الغربية بتخفيض الحكومات الغربية للدعم الذي تقدمه هذه الحكومات للمزارعين المحليين وتخفيض الرسوم التي تفرض على بعض المنتجات القادمة من الدول النامية, خاصةً أن الأخيرة لا تملك صناعات جبارة بقدر تميزها في المنتجات الزراعية.
الفشل في التوصل إلى اتفاق في الاجتماع الذي تم في جنيف وأستمر لمدة تسعة أيام هو خلاف على قوانين اللعبة الاقتصادية في العالم, وقد يفضي إلى تعزيز السياسات الحمائية والتكتلات بين الدول بشكل ثنائي أو جماعي, وهذا لايخدم الترابط الاقتصادي العالمي.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة