حقنة ريمسيديفير: هل تغير قواعد اللعبة حقاً؟
حقنة ريمسيديفير: هل تغير قواعد اللعبة حقاً؟




لقاح جامعة أكسفورد جاهز.. هل يطول انتظاره؟
لقاح جامعة أكسفورد جاهز.. هل يطول انتظاره؟
-A +A
كتب: معاوية يس
بعد نحو شهرين من «الإغلاق»، لا يزال وباء كوفيد-19 يحصد آلاف الأرواح، ويصيب ملايين الأشخاص في أرجاء العالم. وعلى رغم أن الرفع التدريجي لـ «الإغلاق»، خصوصاً في أوروبا الغربية، أثار شعوراً كاذباً بأن محنة الوباء أخذت تنحسر؛ فإن النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بدأ يصبح البؤرة الجديدة لفايروس كورونا الجديد، بمعدلات إصابات ووفيات متسارعة في البرازيل، والمكسيك، وكولومبيا. ومع ذلك كله فإن العلماء في حقول الطب، والفايروسات، والأمراض المُعدية لا يزالون عاجزين عن توفير الإجابات الشافية التي يريدها العامة في بلدان العالم قاطبة. وهو ما دفع لإثارة تساؤل مهم: هل كشف الوباء العجز العلمي للإنسانية؟ فقد رأينا كيف تباينت نصائح العلماء في شأن «الكمامة»، وهل هي واقية من الوباء حقاً؟ ورأينا كيف قللت منظمة الصحة العالمية من شأن تأثير «الكمامة». وشيئاً فشيئاً، على وقع آلاف الوفيات والإصابات يومياً، استقر غالبية الأطباء على أن استخدام الكمامة أمر لا بأس منه.

وكان «الإغلاق» نفسه مثار جدل «عقيم» في بداية الجائحة. حتى أن بريطانيا- مثلاً- خاضت نقاشاً بيزنطياً استمر أسابيع، وهي ترى شبح الموت يزحف نحوها من إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا؛ وهي «ضجة» ربما كلفت بريطانيا أكثر من 37 ألف وفاة كان تجنبها ممكناً لو تم إغلاق الأسواق، والمحلات العمومية مبكراً.


وحتى بعد أن هبط عدد الوفيات، وتناقص عدد الإصابات، اندلع جدل جديد بين خبراء الصحة العامة والأطباء بشأن ما إذا كان فايروس كورونا الجديد فقد قدرته على القتل والتدمير، أم أنه ربما لا يزال مميتاً كما هي حاله منذ ظهوره في نهاية 2019. وأعاد التاريخ نفسه إلى ما حدث عقب الأزمة المالية العالمية في 2008. فقد كان الناس يختصمون في ما بينهم على ما إذا كان ضرورياً إنقاذ جميع البنوك، أم ترك بعضها لينهار؟ وعادت أوروبا الغربية القهقرى إلى عام 2008، لتثير تساؤلات حول ما إذا كان الأصوب انتهاج سياسات تقشف للخروج من محنة وباء كورونا، أم أنه يتعين غض البصر عن العجز الضخم في ميزانيات الدول التي اضطرت لإعانة مواطنيها لتجاوز محنة الوباء.

وباء وحرب باردة

يقال إن المصائب لا تأتي فرادى. وبجانب النتائج الكارثية للوباء، التي تتبدى أمام الأعين في كل بقعة في العالم، اقتصادياً، وصحياً، وأمنياً، فإن وباء كوفيد-19 أفرز حرباً «باردة» جديدة، بين الولايات المتحدة والصين. هل تتطور لتصبح حرباً «ساخنة»؟ لا أحد يملك إجابة قاطعة. لكن ما نراه في العالم اليوم يجعل من الصعب استبعاد احتمال «السيناريو الأسوأ». تتهم الولايات المتحدة، خصوصاً الرئيس دونالد ترمب، الصين بالتسبب في جائحة كورونا، وبالتكتم على البيانات الوبائية قبل تفشي الفايروس. وهو ما تنكره الصين. وبالطبع فإن بريطانيا، بقيادة زعيم المحافظين بوريس جونسون تؤازر واشنطن، في الضغوط الدولية التي تمارسها على الصين. غير أن المشاحنات الراهنة تحولت إلى تنافس محموم بين البلدين الكبيرين لتحقيق الفوز في كل شيء، من الوصول إلى الفضاء الأعلى، إلى السبق لاكتشاف لقاح لمرض كوفيد-19. ومع أن التباغض بين العملاقين يثير المخاوف من حرب تبدأ بالتجارة، وتنتهي بالصواريخ والقنابل الذرية، إلا أنه يوسع -في آن معاً- الآمال في نفوس البشر بحل سريع للجائحة، قبل أن تتصاعد أعداد الضحايا إلى عشرات الملايين. وقررت حكومة الرئيس تشي جيبنغ إلقاء ثقل الدولة كله وراء الشركات الصينية التي قررت تكثيف البحث عن لقاح. وهو ما دفع ترمب إلى إعلان مشروع «عملية سرعة الانحراف»، للتعجيل بابتكار لقاح. وتقوم خمس شركات صينية بإنتاج لقاحات، تم اختبارها جميعاً على البشر. وذكرت مجلة «لانسيت» الطبية المرموقة، في دراسة نشرت نهاية الأسبوع، أن لقاحاً أنتجته شركة كانسينو بيولوجيكس الصينية أظهر مأمونية عالية، وأدى إلى توليد أجسام مضادة قادرة على صد الفايروس. غير أن النتائج النهائية لا يزال أمامها وقت طويل.

ويقوم معهد ووهان للفايروسات- المتهم الأول بـ «تسريب» فايروس كوفيد-19- بتجارب سريرية في المرحلتين الأولى والثانية لإنتاج لقاح، بالتعاون مع مجموعة بيوتيك الوطنية الصينية. وتلك هي أيضاً حال مشروع لقاح تنتجه المجموعة نفسها بالتعاون مع معهد بكين للمنتجات البيولوجية. إلى جانب جهود في المرحلة الثانية من التجارب السريرية تبذلها شركة ساينوفاك بيوتيك. وجهود مماثلة يقوم بها معهد الطب البيولوجي، بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية. ولا بد للمتابع أن يأخذ في الحسبان أن الصين، على رغم أنها قوة صناعية عملاقة، لم تخترع حتى الآن دواء ناجعاً لأي مرض، ولا لقاحاً. ويبدو أنها قررت التعجيل بدخول نادي الدول المخترعة للأدوية رداً على تلطيخها بالاتهامات بالتسبب في الجائحة الراهنة. وما ينبغي أن يقال هو أن إنتاج لقاح لأي مرض أمرٌ ليس سهلاً. ولا يمكن أن يكون جاهزاً للاستخدام البشري بعد أشهر فحسب من ابتكاره، لأن تأكيد فعاليته في إنتاج الأجسام المضادة يحتاج إلى درس مكثف. كما أن تحديد مدى مأمونيته هو الآخر أمر يستغرق طويلاً. فلا معنى لأي لقاح يمكن أن يجنبك شر كوفيد-19، لكنه سيصيبك- لا سمح الله- بالسرطان، أو الموت المفاجئ.

جهود.. ومخاوف أمريكية

أما الولايات المتحدة، التي تضررت أكثر مما عداها من الأمم من الجائحة، فهي تبذل قصارى جهدها للتعجيل بابتكار لقاح. وقد يبدو ذلك منطقياً، لأن كل شخص يتمنى ذلك اللقاح لوقف مسلسل الوفيات والإصابات المُقعِدة. غير أن كثيرين يخشون أن يتم ذلك حرصاً على عودة عجلة الاقتصاد للدوران، أكثر منه حرصاً على الحفاظ على الأرواح.

تبرز في الساحة الأمريكية مساعي شركة ميرك وشركاه، التي تعمل منذ 130 عاماً في مجال إنتاج الأدوية واللقاحات. وقال رئيسها التنفيذي المحامي كينيث فريزييه لبلومبيرغ هذا الأسبوع إن الشركة تعمل على ابتكار لقاح تتوافر فيه ثلاث خاصيات: أن يكون ممكناً توزيعه في العالم كله، وأن يكون قادراً على تحصين الفرد بجرعة وحيدة، وأن يكون معتمداً على تكنولوجيا تؤكد مأمونيته وفعاليته. ولتجاوز معضلة الدول التي يتعين إعطاؤها الأولوية في الحصول على اللقاح، رأى فريزييه أن الأولوية ستكون للفئات الأكثر تعرضاً للمخاطر، كالكوادر الصحية، وليس للدول. وأشار إلى أن شركته التي اخترعت لقاح فايروس حمى الإيبولا (ريمديسيفير) تعمل على أن يكون لقاح كوفيد-19 في هيئة قرص للبلع بالفم، ليسهل استخدامه حول العالم. شهد العالم خلال الشهرين الماضيين جدلاً حامياً بشأن الأدوية واللقاحات الموجودة أصلاً، بحيث تمكن إعادة توجيهها لتكون علاجاً أو لقاحاً للوقاية من وباء فايروس كورونا الجديد. وبرز بوجه الخصوص عقار هايدروكسيكلوركين، الموجود منذ عقود لمعالجة حمى الملاريا. وحمي الجدل بهذا الشأن إثر تصريحات ترمب الداعية لتكثيف استخدام هذا الدواء ضد كوفيد-19. وفي أتون الجائحة، بدأت تخرج دراسات ونتائج تجارب سريرية انتهت حتى الأسبوع الماضي إلى وقف استخدام الهايدروكسيكلوركين مؤقتاً، بسبب مضاعفات جانبية أدت إلى الوفاة في بلدان عدة. وتصدرت منظمة الصحة العالمية هذا المشهد بإعلانها، الإثنين الماضي، تعليق التجارب على هذا العقار، بسبب مخاوف من مأمونيته. واضطرت جامعة أكسفورد، التي حصلت على ضوء أخضر من هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية لتجربة هايدروكسيكلوركين على أكثر من 10500 مريض في مشافي الخدمة الصحية الوطنية البريطانية، إلى وقف تجاربها السريرية، بعدما حذرت دراسة محكمة نشرتها مجلة «لانسيت» الطبية من أن نحو 96 ألف مريض أخضعوا للتداوي بهذا العقار في بريطانيا زادت لديهم مخاطر الموت، وعدم انتظام ضربات القلب.

تم اختراع هايدروكسيكلوركين في أربعينات القرن العشرين، لمعالجة حمى الملاريا. كما يوصف هذا العقار لمرضى التهاب المفاصل، والمصابين بالذئبة الجلدية. وعلى رغم أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية سمحت، بموجب إجراءات الطوارئ، بتجربته على المصابين بمرض كوفيد-198؛ إلا أنها حذرت الأطباء من مغبة إعطائه للمرضى خارج المستشفيات، خشية مضاعفاته الجانبية المعروفة. وجاءت النتائج الأولية للتجارب السريرية التي أجريت على المصابين في مستشفيات قدامى المحاربين الأمريكيين لتفيد بأنه لم تكن له فائدة تذكر عليهم. وإثر ذلك عمد المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى سحب الإرشادات التي وضعها على موقعه الإلكتروني الرسمي للأطباء بشأن كيفية وصف الهايدروكسيكلوركين للمرضى. ولا تزال فصول حكاية هايدروكسيكلوركين تتبدّى.

دواء الإيبولا.. فرصة جديدة

اعتبر وزير الصحة البريطاني ماثيو (مات) هانكوك هذا الأسبوع أن دواء «ريمديسيفير» لعلاج حمى الإيبولا أظهر ما سماه «نتائج واعدة جداً». ووصفه بأنه «الخطوة الكبرى للأمام»، في تلمس سبل معالجة وباء كوفيد-19. وأعلن علماء الحكومة البريطانية إثر ذلك أن البالغين والشباب المصابين بكوفيد-19 سيوصف لهم هذا العقار، وفقاً لشروط معينة يحددها الأطباء المعالجون. ويأتي هذا التفاؤل بعدما دلت دراسات إلى أن دواء ريمسيديفير يمكن يعجل بتعافي المصاب بمعدل لا يقل عن أربعة أيام من أي دواء آخر. وجاءت الخطوة البريطانية متأخرة عن القرار الأمريكي الذي سمح بوصف هذا العقار للمصابين في أول مايو 2020. وأعقبته اليابان باعتماده في 8 مايو. وتمسك وزير الابتكارات البريطاني لورد جيمس بيثيل بأن ريمسيديفير هو أقرب شيء ممكن لدواء ناجع لكوفيد-19. واعتبر ذلك «تقدماً مذهلاً ورائعاً».

لكن الحقيقة تبقى. وهي أنه لم يظهر حتى اليوم دواء معتمد لوباء فايروس كورونا الجديد. ولا تعدو الضجة حول هايدروكسيكلوركين وريمسيديفير أن تكون مجرد محاولات مستميتة لوقف تفشي الوباء. وما يجعل ريمسيديفير يبدو واعداً أكثر من غيره الحقيقة المتمثلة في أن يقوم بشل حركة الإنزيم الذي يحتاج إليه فايروس كورونا الجديد ليعيد استنساخ نفسه ليتفشى في خلايا المصاب. ويرى أستاذ الطب بجامعة ليدز البريطانية البروفيسور ستيفن غريفين أن هذا العقار هو الأكثر بشرى ضمن الأدوية المضادة للفايروسات في العالم. لكنه يحذر من مغبة الاعتقاد بأن ريمسيديفير سيكون الدواء السحري للوباء. ويضيف أن أقصى ما يراودنا من أمل هو أن يتيح ريمسيديفير زيادة معدلات التعافي، وتقليص معدلات الوفيات بين المصابين.

... في بيتنا «روبوت»!

يكاد الإنسان الآلي (الروبوت) أن يصبح واحداً منا. دعك من المكاتب، والمولات. فقد نضطر إلى شرائه ووضعه في منازلنا. إنها إحدى تجليات نازلة وباء فايروس كورونا الجديد. فبعدما أضحى ارتداء قناع الوجه، والعمل عن بعد، ووضع الفواصل البلاستيكية بين الموظفين والجمهور، وبين المدرسين وطلابهم، أضحى ميسوراً اقتناء الروبوت للخدمة المنزلية. فهو مستعد للقيام بمهمات التنظيف، والتطهير، والتعقيم، وتقديم المشورة. لكن الخبراء يحذرون من أن طباع المتعايشين مع الروبوتات ستصبح أشد عدوانية؛ بل إن منهم من يرى أن الروبوت المنزلي قد يقوم بتطهيرنا من مشاعرنا تجاه الآخرين! وتساءلت المحاضرة في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا الدكتورة كايت دارلينغ: هل سنكثر توجيه الإهانات اللفظية للروبوتات؟ هل سنتعدى عليها جسدياً؟ وتملك دارلينغ عدداً من تلك الأجهزة التي تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في منزلها. وتشير الأبحاث إلى أن الناس سيميلون للتعامل مع الروبوت بطريقة عدائية أحياناً، في حين لا يعبأون بما يرونه على شاشات أجهزتهم الإلكترونية. كما أن الروبوت، بحكم أنه مبرمج على القيام بمهمات محددة، سيواصل التذكير، وتقديم النصح باتباع النصائح، والتنبيه إلى المخاطر، غير عابئ بالحالة المزاجية للإنسان الطبيعي الذي يتعامل معه. وبسبب المخاوف من زيادة معدلات التفشي الوبائي، لجأ عدد من الفنادق في اليابان، والصين، وأوروبا إلى الروبوت، خصوصاً للقيام بنقل الوجبات إلى المصابين المعزولين في غرفهم، والقيام بتطهير أماكن الفندق، واستقبال النزلاء عند نزولهم أمام الفندق، وتنظيف الردهات والممرات. ويخشى خبراء آخرون أن يكثر إنتاج الروبوتات لتتولى وظائف عدد كبير من البشر، خصوصاً في الدول المتقدمة.

واقع جديد في المتاجر والأسواق.. كورونا يتيح «أوكازيون القرن» بعد الإغلاق

في أتون الجائحة.. وعصر ما بعدها


أثارت قرارات تخفيف التدابير الاحترازية، خصوصاً «الإغلاق الكامل»، ومنع التجول في دول العالم هواجس بشأن «عصر ما بعد جائحة كورونا». وهو ما سماه خبراء «الواقع الجديد»، في الأسواق، والمجمعات التجارية (المولات)، والمدارس. كيف سيتأقلم الناس على ذلك الواقع الجديد؟ هل سينشأ أيضاً متمردون ينادون بالحذر، والإغلاق، على غرار ما فعل المتمردون المناوئون لتلك التدابير في الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا؟ وهل هناك ما يكفي من الإرشادات الحكومية التي تجعل تصوّر ذلك الواقع الجديد سهلاً؟

كان مجرد تخيل ذلك الواقع خلال شهري مارس وأبريل الماضيين أمراً مستحيلاً. غير أن قرارات تخفيف الإجراءات الاحترازية، التي شملت في بلدان أوروبية وعربية إعادة فتح المجمعات التجارية، والسماح بعودة تدريجية منظمة للقوى العاملة إلى أماكن عملها، وفتح بعض الأنشطة التجارية، كوكالات بيع السيارات؛ جعلت ذلك ممكناً. وبات في حكم المؤكد أن التسوق والتبضع لن يعود بشكله الذي عرفناه طوال العقود الماضية. فستطبق معظم سلاسل السوبرماركت والمتاجر الشاملة نظام «السير في اتجاه واحد» داخل المحل. وستطلب بعض المتاجر من زبائنها خلع أحذيتهم قبل دخول المحل. وسيكون «الكاشيرات» مدججين بأزياء الحماية الشخصية، وتفصلهم طبقة من حاجز بلاستيكي شفاف لمنع التواصل المباشر مع الزبائن. ولن تكون هناك غرف لتجربة الثياب قبل شرائها. كما لن تكون دورات المياه في هذه المتاجر مفتوحة. ولن توفر المتاجر كراسي أو أرائك لجلوس العملاء. كما أنها ستكون جميعاً ملزمة بإدخال عدد محدد من الزبائن في كل وقت. أما خارجها فستوضع علامات على الأرض لتطبيق «التباعد الجسدي»، الذي يبدو أنه سيبقى بضع سنوات، حتى بعد انتهاء الجائحة. وتقول جمعية تجار التجزئة البريطانية، في إرشادات تم تعميمها على سلاسل السوبرماركت، إن على تلك المتاجر أن تشجع مرتاديها على التسوق بمفردهم، من دون رفقة.

في بريطانيا، على وجه الخصوص، ستكون إعادة فتح المتاجر العمومية الكبرى اعتباراً من 15 يونيو 2020 فرصة «تخفيضات القرن»، إذ إن تلك المحلات أغلقت أبوابها في مارس الماضي، بعد أيام فحسب من تعبئة رفوفها بملابس موضة الربيع والصيف، التي يقدر حجمها بـ 15 مليار جنيه إسترليني. واضطرت تلك المتاجر إلى تخزين بضائعها في حاويات تقف على الخطوط الجانبية للسكك الحديدية، بعدما امتلأت مستودعاتها بنسبة 90%. ولذلك يتوقع أن تعلن أكبر تخفيضات في تاريخ التجارة العالمية.

إشارات لمرور البشر!

استنت سلسلة متاجر ألدي سُنّة نصبِ نظامٍ للإشارات الضوئية عند مداخل متاجرها، يسمح بدخول عدد محدد من المتسوقين عندما تضيء الإشارة الخضراء، ومعها تفتح الأبواب آلياً. وتنسد تلك الأبواب عند إضاءة اللون الأحمر. وهو نظام طبقته الشركة، التي تدير أكثر من 10 آلاف فرع في 20 بلداً، في عشرة من متاجرها في بريطانيا. وتبلغ أرباح هذه الشركة الألمانية من تلك السلسلة نحو 50 مليار يورو سنوياً.

ويتوقع في «سوبرماركت ما بعد كورونا» أن تكون عند مدخله محطة للتطهير، والتعقيم، تتوافر فيها مطهرات الأيدي، ومسحات معقمة لتطهير مقابض عربات التبضع (تروللي)، والتعقيم الدائم للقضبان التي قد يمسها المتبضعون أثناء تجوالهم داخل المحل. ويتوقع أن تطبق المتاجر بوجه عام سياسة خزن البضائع المعادة لمدة 72 ساعة، وتعقيمها قبل إعادتها للمحل. وفي محلات الأثاثات، ستلزم تلك المتاجر بتغليف البضائع التي قد يلمسها الجمهور، كالسرائر وغرف الجلوس. وقال مدير مراكز التسوق التابعة لمتاجر ويستفيلد في بريطانيا سكوت بارسونز، لإذاعة بي بي سي، إن الشركة لديها أجهزة تتبع رقمية، كالتي تستخدم في ملاعب كرة القدم، بحيث ستكون قادرة على إدارة الحشود التي ستتوجه إلى متاجرها.

والواقع أن معظم تلك الإرشادات والالتزامات هي متبعة أيضاً في الغرب، واليابان، وكوريا الشمالية. وأعلنت شركة صيدليات بوتس البريطانية أنها ستوفر أزياء حماية شخصية محدّثة لموظفيها، وسيكون «الكاشير» محمياً بحاجز بلاستيكي شفاف من التواصل المباشر مع الجمهور. وأضافت أنها أطلقت «خدمة الجَمال الافتراضية»، بعدما تم منع المقابلات وجهاً لوجه بين الصيادلة والزبائن، وإزالة عينات العطور التي يسمح للمتسوقين عادة بتجربتها.

وسيكون من أبرز ملامح «متاجر عصر كورونا» سماع النداءات الداخلية المتكررة لتذكير المتسوقين باتباع الإرشادات، والتقيد بالتباعد. وقررت متاجر أخرى، منها سلسلة إيكيا، توظيف حراس للقيام بدوريات داخل متاجرها، والقيام بخفض عدد المتسوقين. وذكرت شركة مكتبات ووترستون أنها ستضع أي كتاب يمسك به الزبون ولا يشتريه في الحجز لمدة 72 ساعة، قبل إعادته لرفّه. وسيطلب موظفو المكتبات من الزبائن وضع أي كتاب يقلبونه في عربة تسوق ليتم حجز هذه الكتب خارج المكتبة لمدة ثلاثة أيام، على سبيل التحوط.

في ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا قررت الحكومات اعتبار ارتداء قناع الوجه في المتاجر إلزامياً للموظفين والمتبضعين. لكن بريطانيا ودولاً أوروبية أخرى تركت ذلك للفرد والمتجر. وشوهدت في محلات السوبرماركت في ألمانيا حواجز من الزجاج المرن تفصل «الكاشيرات» عن العملاء. ويقوم كثير من المتاجر العمومية بالكشف على درجة حرارة المتسوق قبل دخوله المحل. وفي هولندا شملت إلزامية ارتداء «الكمامة» عروساً ذهبت لمحل الخياط لتجربة ثوب زواجها.

المشكلة أن الرعب الذي عاشه الناس ويعيشونه منذ اندلاع الجائحة يجعل كثيرين محجمين عن استئناف عمليات التسوق المعتادة سابقاً. كما أن توقف السياح في عدد من الدول جعل رفع الإغلاق مثل ذر الرماد على العيون، لأن المتاجر فتحت أبوابها ولم يأت مشترون. وفي إيطاليا، مثلاً، طالبت منظمات تجار التجزئة بتدخل الحكومة الإيطالية لدعمهم بوجه هذا الكساد. وعلى رغم أن أوامر تخفيف التدابير في إيطاليا سمحت بإعادة فتح صوالين الحلاقة، والمكتبات، ومحلات ملابس الأطفال؛ إلا أن أصحاب كثير منها فضلوا استمرار الإغلاق، لأن معظم زبائنهم فضلوا الاستمرار في أعمالهم من منازلهم.

وأعلنت الحكومة الإيطالية في 4 مايو إلزامية ارتداء قناع الوجه، خصوصاً في الأماكن المغلقة التي يصل إليها الجمهور، كالمتاجر الصغيرة. كما نصحت روما المواطنين بارتداء القفازات لممارسة شراء الغذاء والعصير. وأضحى مشهد عمال المتاجر وهم يرتدون أزياء الحماية الشخصية وأقنعة الوجه مرأى معتاداً في إيطاليا منذ الشهر الماضي. ولخص مدير متجر الأزياء النسائية «سبازيوسبانسو»، في قلب العاصمة روما، الأمر في قوله إنه سيكون من الصعب على المتاجر نفسها أن تتأقلم مع «الروتين» المستجد، وتحديد المساحات، وتطبيق التعليمات. وأضاف: «التحدي كبير جداً. كبير إلى درجة أن من الصعب حصر الأشياء المطلوبة. وفي الغالب الأعم هناك غموض. الإحساس بعدم الوضوح يهيمن على كل شيء». وبالنسبة لصوالين الحلاقة في روما، فقد تم إلزامها بأن يرتدي الحلاق وزبونه قناع الوجه، وبذلة واقية شفافة، على أن يرتدي الحلاق زياً واقياً يشمل كاشفاً زجاجياً على العيون. وفي ألمانيا، ألزمت الحكومة المتاجر بألا يكون هناك أكثر من متسوق واحد في مساحة بحدود 20 متراً مربعاً داخل المحل. كما ألزمتها بإزالة أي«حوافز» من شأنها إغراء المتسوق بالبقاء وقتاً أطول داخل المحل، كالمقاعد والأرائك. وتقضي التعليمات بأن لا يزيد عدد المتسوقين في أماكن الانتظار لمحاسبة «الكاشيرات» على 10 أشخاص في أي وقت. وعقوبة مخالفة تلك الضوابط الغرامة 2500 يورو على المتجر العادي، و10 آلاف يورو على المجمعات التجارية. وذهبت مقاطعة شمال الراين-ويستفاليا، وهي أكبر مقاطعات ألمانيا من حيث عدد السكان، إلى أن المساحة المخصصة للمتسوق يجب ألا تزيد على 10 أمتار مربعة. وطلبت الحكومة الألمانية من سلاسل المتاجر في مختلف أرجاء البلاد بوضع قواعدها الخاصة بها لمنع ظهور«طوابير» داخل محلاتها.

وذكرت دراسة أجراها اتحاد أصحاب العمل الألماني في مايو أنه على رغم أن رفع تدابير الإغلاق أدى لتحسن ملموس في ثقة المستهلكين، قياساً بأبريل الماضي، إلا أنها لا تزال دون المعدل المأمول.