-A +A
وليد عرب هاشم
أمامنا خياران: أما الخيار الاول فأن نترك الريال يتعامل به من يشاء ويتركه من يشاء, وهكذا تصبح قوة العرض والطلب هي التي تحدد سعر الريال في الاسواق, وفي هذا مخاطر لأن هذا سيؤدي الى ارتفاع او انخفاض سعر الريال يوميا, وسيفتح الباب امام المضاربة والتوقعات, وبالتالي يصبح سعر الريال كمثل سعر الأسهم في التعرض للمضاربة, وهذا بلاشك يضر بالاستثمارات الخارجة والداخلة, كما يضر بالتجارة الصادرة والواردة, ويعرض الريال لمخاطر وغموض ومضاربات لا داعي لها, وذات تكلفة على اقتصادنا. بالتالي فإن خيار ترك سعر الريال يتذبذب حسب قوة العرض والطلب في السوق, او خيار (التعويم) هو ليس خياراً سليماً بالنسبة للاقتصاد السعودي. وهكذا يتبقى لنا الخيار الثاني وهو خيار ربط الريال وتحديد سعر ثابت له. وهنا ايضا أمامنا خياران فإما ان نربط الريال بعملة واحدة, او نربط الريال بسلة من العملات, (وللعلم فان ربط الريال بالذهب, او ربط أي عملة بالذهب هو تاريخ مضى وغير موجود حاليا, ولا اعتقد انه سوف يعود) وهكذا أمامنا خياران فقط, ولنبدأ بالثاني وهو ربط الريال بسلة من العملات, وهنا سنجد ان اهم عملة في هذه السلة سوف تكون الدولار, وبالتالي سيظل للدولار التأثير الأكبر على الريال.. صحيح ان هناك عملات اخرى في السلة ولكن يجب ان نحدد ما هو حجم ونسبة كل عملة في السلة, وهل ستكون هذه النسب ثابتة أم تتغير وكيف يتم تغييرها وهذا كله يؤدي الى بعض الغموض في تحديد سعر الريال كما يؤدي إلى تذبذب هذا السعر, وقد يكون من الأوضح والأصلح ان يتم ربط الريال مباشرة بالدولار, والذي كما ذكرنا سيكون أهم عملة في سلة العملات.
وبالاضافة لذلك فإن معظم صادراتنا يتم تسعيرها بالدولار الامريكي, وكذلك بالنسبة للكثير من وارداتنا. كما ان الاقتصاد الامريكي يظل أكبر وأهم اقتصاد, ولديه قدرة على استيعاب الاستثمارات والمدخرات بشكل لا يقارن مع أي اقتصاد آخر, وهناك علاقات اقتصادية قوية ما بين الاقتصاد السعودي والاقتصاد الامريكي, وبالاضافة لذلك فإن ارتباط معظم العملات الخليجية بالدولار يعني انها فعلا مرتبطة ببعضها البعض, مما يساعد على توحيد العملة الخليجية, وبالتالي فإنني من مؤيدي ربط الريال السعودي بالدولار الامريكي. ولكن في نفس الوقت فإني أرى أن هذا الربط لا يمكن ان يصبح ربطاً مقدساً ويظل ثابتاً بدون أي تغير او دراسة واعادة تقييم, فبالرغم من كل العلاقات ما بين الاقتصاد السعودي والاقتصاد الامريكي الا أنهما يظلان اقتصادين مختلفين ومستقلين, وقد تكون لهما مصالح مختلفة.

وبالتالي عندما يتعرض الاقتصاد الامريكي لعدة أزمات مستمرة ويفقد الدولار بقصد او بدون قصد اكثر من 40% من سعره امام عملات اخرى كاليورو, أو الاسترليني, فإنه ليس من المفترض ان نعرض الريال السعودي والاقتصاد السعودي لنفس الانخفاض ونفس الضعف الذي أصاب الدولار الامريكي.
فالاقتصاد السعودي والحمد لله لم يتعرض لأزمات مثل تلك التي تعرض لها الاقتصاد الامريكي, بالعكس فإن اقتصادنا والحمد لله في مرحلة من الانتعاش والنمو المرتفع, ويحظى بمستويات عالية من السيولة والانفاق, وهذا احد اسباب التضخم الذي نعاني منه حاليا, وبالتالي ليس من المنطق ان نأتي في فترة الانتعاش والانفاق الكبير والسيولة العالية, ثم ندع الريال السعودي يتدهور مع الدولار الامريكي أمام كافة عملات دول العالم, فانخفاض قيمة الريال لا يتماشى مع وضع الاقتصاد السعودي, كما ان هذا الانخفاض في قيمة الريال يؤدي الى زيادة حدة التضخم لأنه يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع التي نستوردها بعملات غير الدولار. وكمثال فلقد فقد الدولار الامريكي اكثر من 70% من سعره أمام اليورو الاوروبي منذ عام 2002م ولأن الريال السعودي مرتبط بالدولار فلقد فقد الريال ايضا نفس النسبة وخلال نفس السنوات الست الماضية, وهذا يعني ان أي سلعة نستوردها من اوروبا من الزبدة والحليب المجفف الى السيارات ومعدات البناء ارتفعت اسعارها بالريال بعدة اضعاف خلال ست سنوات, ولا أعلم لماذا تم تعريض الريال لمثل هذا الانخفاض في سعره وتعريضنا لآثار ذلك على الاقتصاد وعلى المجتمع وعلى المواطنين. صحيح ان هناك من يدافع عن استمرار سعر الصرف كما هو على أساس ان ارتفاع سعر صرف الريال سوف يضر بصادراتنا, كما انه سوف يخفض من ايرادات هذه الصادرات ويخفض من قيمة استثماراتنا في الخارج. وأنا أود ان أوضح التالي:
اولاً: بالنسبة لصادراتنا فإن معظم صادراتنا يتم تسعيرها بالدولار اساسا ويتم بيعها بالدولار, وبالتالي فإن معظم صادراتنا سيظل سعرها كما هو ولن تتأثر سواء كان الدولار يوازي ريالاً واحداً او يوازي عشرة ريالات.
ثانيا: صحيح ان ايراداتنا من الصادرات سوف تقل, وصحيح ان استثماراتنا في الخارج سوف تنخفض عندما نسعرها بالريالات, ولكن هنا اود ان نلاحظ الفرق ما بين السعر او عدد الريالات التي نحصل عليها وما بين قدرة هذه الريالات على الشراء, (أو الفرق ما بين القيمة الاسمية وما بين القيمة الحقيقية, أو القدرة على الشراء), وهذا الاهم فالقيمة الحقيقية لاستثماراتنا وثرواتنا في الخارج لن تزيد أو تقل لو غيرنا سعر الصرف, الذي يتغير هو السعر فقط. أما استثماراتنا فتظل هي ذات الاستثمارات. وكذلك بالنسبة لايراداتنا فصحيح ان عدد الريالات ستقل لو رفعنا سعر صرف الريال, لكن الأهم من عدد الريالات هو قدرتها الشرائية وهذه ستزيد.. أخيرا فإنه ايضا من المهم ان نلاحظ ان ثروة البلد هي في داخل البلد, وليس في خارجه. وبالتالي حتى لو افترضنا جدلا ان قيمة صادراتنا واستثماراتنا في الخارج سوف تقل فإن هذه الاستثمارات والصادرات هما جزءان من الاقتصاد ولا يمثلان الاقتصاد ككل. أما اقتصادنا ككل فهو قائم على التعامل بالريال ويشمل ذلك جميع استثماراتنا من اسهم او عقارات او تجارة او مدخرات او حسابات بنكية او رواتب او معاشات داخل الوطن. هذا كله بالتأكيد أكبر وأهم مما لدينا من صادرات او استثمارات في الخارج, وهذا كله بالريال بالتالي فإن دعم الريال لن يساعد على كبح جماح التضخم فحسب وانما يؤدي الى زيادة القوة الشرائية, وهذه هي الثروة الحقيقية لاقتصادنا ومواطنينا. أنا أرى اننا نحتاج لقرار واضح لرفع سعر صرف الريال. فهذه أداة هامة من أدوات السياسة النقدية وعلينا استخدامها كلما كان ذلك في صالح الاقتصاد والوطن. ولا أن يظل الارتباط مع الدولار هو نفسه لأكثر من 20 سنة دون أي اعادة تقييم, فالاقتصاد السعودي لا يمر دائما بنفس ظروف الاقتصاد الامريكي. كما انني أرى أنه لو اقتنعنا بصحة هذا القرار فإن الوقت ملائم الآن لاتخاذه, فالاقتصاد السعودي يتمتع حاليا بفوائض تسمح له بأن يتخذ القرارات السليمة, ويتحمل تكاليف التغيرات ان وجدت, وهذا الوضع المناسب قد لا يستمر للأبد, بالتالي فإن الوقت الآن مناسب لاجراء التعديل إن كنا مقنعين به.
E-mail:wahnm@hotmail.com
* عضو مجلس الشورى
استاذ الاقتصاد المشارك