هاتفته قبيل سفره إلى أمريكا لإجراء عملية لزراعة الرئة قبل عدة أشهر، لأستفسر عن صحته، قال لي بصوته الهادئ الحميمي «ادع لي يا أبو روان».. صوته كان يشعرني دائما أنني أمام أخ كبير وشخص يهمه أمري، طوال فترة عمله في «عكاظ»، حتى بعد مغادرتها.. إنه الدكتور عبدالعزيز النهاري، الذي وافاه الأجل المحتوم أمس الأول (الأحد)، وانتقل إلى الرفيق الأعلى صابراً محتسباً الأجر عند رب العباد، بعد 40 عاماً من العطاء في بلاط صاحبة الجلالة، وصراع مرير مع المرض، قاوم تحديات الحياة بجلد وأمانة واحتساب، لكنه لم يستطع مقاومة المرض.
لم يكن أبو محمد، رحمه الله، طامعا، بل كان مطموعا فيه لأخلاقه العالية وزهده في الحياة، رغم أنه كان لديه طموحات في الحياة حققها.
«أبوروان.. الحمد لله.. حققت كل ما أريد في حياتي، وبناتي وأبنائي هم رصيدي في حياتي وبعد مماتي».. هذا ما قاله لي في آخر مكالمة، وهو يحاول أن يستجمع أنفاسه، إذ كان يشعر بضيق في التنفس بسبب تليف الرئة.
سألته «كيف صحتك يا دكتورنا الفاضل وهل تستطيعون تحمل الرحلة الطويلة إلى أمريكا بالطائرة».. رد علي وهو يكُح «معي ربي سبحانه وأسطوانة أوكسجين، والله هو رفيقي في سفري وهو الشافي والمعافي».. لم أرغب أن أرهقه أكثر، استودعته الله وكان ذلك آخر حوار معه.
تزاملت مع الفقيد النهاري ردحاً من الزمن، منذ تعيينه نائباً لرئيس التحرير في عهد رئاسة الدكتورهاشم عبده هاشم، حتى أصبح رئيسا للتحرير بالتكليف، لم أشعر يوماً أنني أمام رئيس، بل أمام شخص لديه حس إنساني عالٍ تجاه الآخرين.
كنت أول من أبلغني بقرار إعفائه من رئاسة التحرير، عندما قال لي «أعفيت يا أبا روان من منصبي» والله المستعان..
سافرت مع الفقيد النهاري في رحلات خارجية، كان يسأل عني دوما «فين ساكن، أمورك طيبة، أي شيء تحتاجه كلمني على طول».. لم يسألني عن التقارير التي كتبتها عن الجولة، ولم يكلفني بأي مهام، تركني أعمل في أجواء بعيدة عن التوتر. أستذكر
فور اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بي نظير بوتو، تلقيت اتصالا هاتفيا منه، وكان يوم إجازتي، قال «تم اغتيال بي نظير.. هذا ملعبك يا الله يا أبوروان نبغى تفاصيل الاغتيال، وخصصنا صفحة كاملة للحدث»، قلت له «أبشر أنا في الطريق إلى المكتب». كان دقيقا في مواعيده، وأكثر حرصا على أداء الصلوات في مواعيدها، وأتذكره وكأنه أمامي الآن في المركز الرئيسي، كلما يتوجه إلى الوضوء يمر في الطريق ويقول «يا الله يا شباب الصلاة».
القصبي: عزائي لأسرته.. والفقيد من أبرز الإعلاميين
عبر وزير التجارة، وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي عن تعازيه القلبية ومواساته الخالصة لأسرة الفقيد الدكتور عبدالعزيز النهاري، الذي انتقل إلى رحمة الله أمس الأول (الأحد) بعد صراع مع المرض.
وقال وزير الإعلام المكلف، في تغريدة على حسابه في تويتر: «فقدت الساحة الصحفية والإعلامية واحداً من أبرز إعلامييها هو الدكتور عبدالعزيز النهاري، الأكاديمي ورئيس تحرير صحيفتي البلاد وعكاظ سابقاً».
وأضاف: «أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى أهله وذويه وقرائه ومحبيه، سائلاً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وسابغ مرضاته، وأن يسكنه فسيح جناته».
خوجة ومدني لـ عكاظ: «النهاري» مهنية متوقدة وإنسانية متقدة
طالب بن محفوظ (جدة) talibym_mahfooz@
وزيرا الثقافة والإعلام السابقين؛ الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة، وإياد أمين مدني، عاشرا الراحل الدكتور عبدالعزيز النهاري عن قرب، فتحدثا لعكاظ عن مآثر الراحل النهاري، إذ قال الدكتور خوجة: «منذ أن عرفت الدكتور عبدالعزيز النهاري، فإنه رجل كله دماثة وإنسانية، مثال للشخص المثقف المطلع الهادئ الرزين الإعلامي، صاحب الرؤية الواسعة والأفق الفسيح».
وأضاف: «شخصية الدكتور عبدالعزيز النهاري ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: بلى، قال: أحسنكم خُلقاً)».
وأوضح أن شخصية النهاري هي «الخلق الحسن والإنسانية الطيبة التي تمشي على الأرض، ترك لنا آثاراً طيبة وتاريخاً عريقاً جداً؛ سواء في عمله الأكاديمي بجامعة الملك عبدالعزيز، أو في الصحافة الورقية بصحيفتي البلاد وعكاظ، أو في تجربته الإعلامية مع تلفزيون وراديو العرب (ART) إذ كانت كل تجاربه كفاحاً ونضالاً حمل معها رسالة إنسانية آمن بها وعمل لها». مضيفاً «أقدم عزائي لأبنائه وذويه وأحبائه ولكل الإعلاميين السعوديين الذين عملوا معه أو عاشروه أو تعلموا من مهنيته، وأعزي صديقه القديم وأخاه الدكتور هاشم عبده هاشم الذي عاش معه سنوات طويلة».
من جانبه، قال إياد مدني: «عملنا سوية في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، وكان واحداً من الكفاءات البارزة التي اجتذبها الأخ الدكتور هاشم عبده هاشم، رئيس تحرير عكاظ آنذاك، مثل الإخوة سباعي عثمان وحامد عباس رحمهم الله، وعلي مدهش وقينان الغامدي وسعيد السريحي، وغيرهم، وبقيادته وبهم دخلت عكاظ مرحلة نجاح وبروز وتفوق جديدة».
وأضاف مدني الذي كان يشغل مديراً عاما لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر: «كان الدكتور عبدالعزيز النهاري، رحمه الله، مراسلاً للعمل اليومي للصحيفة بدأبه وجلده ومهنيته ومنهجيته اكتسبها من درجاته الأكاديمية، وكسب ثقة العاملين معه بهدوئه وفهمه لأطر العمل الصحفي ومحدداته.. كان عالمه وخبزه وحياته وطموحه الإعلام.. رحمه الله وأسبغ عليه من رحمته».
زملاؤه في عكاظ يعزون
ردود الفعل على وفاة النهاري عمت الوسط الإعلامي برمته. وعبر جميع الزملاء في صحيفة «عكاظ» عن حزنهم العميق لوفاة النهاري.
ونعى النهاري إعلاميون عبر تغريدات بتويتر، حملت في طياتها الحزن على رحيله، مستذكرين صفاته وسجاياه الحميدة.
لقد فقدت الساحة الإعلامية أحد رموزها الأوفياء.. احترم الكلمة والحرف فاحترمه المجتمع وذهب إلى ربه راضياً مَرْضياً بإذن الله.
عبدالعزيز النهاري.. أكاديمي كشف حجاب الصحافة
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
بصمته الفصيح وقامته الشاهقة وشفته الباسمة، خرج من أطلال الأكاديمية وذاكرة الجامعة ليدخل فضاء الإعلام وذكرى مسيرة مهنية حافلة.. وحين كشف حجاب الصحافة، طارت عصافير اللغة ومالت أشجار السدر.. أكاديمي وإعلامي لم يمت ولم يعش ليكتب سيرته، ولكن سطوره سطعت فيها شمس الإنسانية إلى أن مال للمغيب.. ذلك الدكتور عبدالعزيز النهاري.
بين الأكاديمية والإعلام قدم وجهه المتوهج في ذاكرة الناس.. وبين أروقة علوم المكتبات واختراق عوالم الكلمة، إرادة متحفز وإدارة أمين فكان أحد أركانهما الرئيسية.. وبين تلك الصفة وتلك المهمة جسر تقلب به في ردهات التجارب بين قاعات الدرس وساحات الكتابة.. فأثرى المكتبة بدراسات ثرة وثرية ومؤلفات الإعلام المجتمعي.
حين جسد طموحاته وآماله واقعاً، كان أحد أعمدة الإعلام في أربعة عقود حتى توارى بالرحيل.. وبين «مشوار» و«شيء من القلق»، هناك طموحات إعلامي بآمال مجتمعية واقعية واقتراب من أفكار الشباب.. وعندما لم يحتفظ بأفكاره وهواجسه لنفسه، طرح فيها قضايا الناس واحتضن هموم الوطن، بكتابات جريئة دون انفتاح عشوائي.
في كل صباح يفتح نوافذه على عالم أوسع من الأمل رغم معاناته مع المرض.. وفي إدراك أن الزمن لا يتوقف إن بقي على الماضي، أعطى مساحة أكبر من التفاؤل والتنوع.. وكي لا يبقى صفحة تطوى لم يدخل في مواجهات حامية إنما أوصل رسالته بسطور لم يُغضب بها أحداً.
عندما بدأ المهنة من الصفر، نجح في الوصول إلى القمة بمجهود ذاتي.. ولما اعتزل نمطية الصحافة؛ استهوته فكرة الاختلاف عن الآخرين.. وحين عادى سياسات الصوت العالي والصراخ والتجريح التي أدمنها بعض الإعلاميين، طرح قضاياه للنقاش بهدوء متوازن بين التأييد والنقد.
في انعكاس لسنوات طفولته العجاف ونشأته الأسرية الصارمة، بحث في شبابه عن الجدية والمهنية، فكان شجرة مثمرة لكل من حوله.. وعندما تحمَّل المسؤولية صغيراً، وظف نمط تربيته لقيادة سفينة حياته نحو مقاصده الأكاديمية والإعلامية الإنسانية.. ولما اكتسى وشاح القلب النابض، امتلك أريحية نفس وابتسامة روح وبساطة طبع ودماثة خُلُق.
أما تخصصه الأكاديمي في المكتبات والمعلومات، دندن في رسالة الدكتوراه لتأسيس مكتبة وطنية فتحقق حلمه بإنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية.. أعد بحثاً علمياً عن تاريخ المكتبات الوطنية ووظائفها وواقعها، وكتب باللغة الإنجليزية عن المكتبات في الدول النامية.. وفي مؤلَّفه «المدخل إلى البحث العلمي» أوجز الطرق الإحصائية في البحث.
في سنوات الاخضرار لمسيرته الإعلامية، سال قلمه الصحفي في وكالة الأنباء السعودية وصحف المدينة والجزيرة والبلاد ومسك ختامها «عكاظ».. وفي الإذاعة أضاء بصوته ببرنامجه «الميكروفون الصحفي».. وفي التلفزيون وضع بصمته على الفنانين والمبدعين السعوديين كنائب لرئيس شبكة قنوات راديو وتلفزيون العرب.
لم يكن أبو محمد، رحمه الله، طامعا، بل كان مطموعا فيه لأخلاقه العالية وزهده في الحياة، رغم أنه كان لديه طموحات في الحياة حققها.
«أبوروان.. الحمد لله.. حققت كل ما أريد في حياتي، وبناتي وأبنائي هم رصيدي في حياتي وبعد مماتي».. هذا ما قاله لي في آخر مكالمة، وهو يحاول أن يستجمع أنفاسه، إذ كان يشعر بضيق في التنفس بسبب تليف الرئة.
سألته «كيف صحتك يا دكتورنا الفاضل وهل تستطيعون تحمل الرحلة الطويلة إلى أمريكا بالطائرة».. رد علي وهو يكُح «معي ربي سبحانه وأسطوانة أوكسجين، والله هو رفيقي في سفري وهو الشافي والمعافي».. لم أرغب أن أرهقه أكثر، استودعته الله وكان ذلك آخر حوار معه.
تزاملت مع الفقيد النهاري ردحاً من الزمن، منذ تعيينه نائباً لرئيس التحرير في عهد رئاسة الدكتورهاشم عبده هاشم، حتى أصبح رئيسا للتحرير بالتكليف، لم أشعر يوماً أنني أمام رئيس، بل أمام شخص لديه حس إنساني عالٍ تجاه الآخرين.
كنت أول من أبلغني بقرار إعفائه من رئاسة التحرير، عندما قال لي «أعفيت يا أبا روان من منصبي» والله المستعان..
سافرت مع الفقيد النهاري في رحلات خارجية، كان يسأل عني دوما «فين ساكن، أمورك طيبة، أي شيء تحتاجه كلمني على طول».. لم يسألني عن التقارير التي كتبتها عن الجولة، ولم يكلفني بأي مهام، تركني أعمل في أجواء بعيدة عن التوتر. أستذكر
فور اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بي نظير بوتو، تلقيت اتصالا هاتفيا منه، وكان يوم إجازتي، قال «تم اغتيال بي نظير.. هذا ملعبك يا الله يا أبوروان نبغى تفاصيل الاغتيال، وخصصنا صفحة كاملة للحدث»، قلت له «أبشر أنا في الطريق إلى المكتب». كان دقيقا في مواعيده، وأكثر حرصا على أداء الصلوات في مواعيدها، وأتذكره وكأنه أمامي الآن في المركز الرئيسي، كلما يتوجه إلى الوضوء يمر في الطريق ويقول «يا الله يا شباب الصلاة».
القصبي: عزائي لأسرته.. والفقيد من أبرز الإعلاميين
عبر وزير التجارة، وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي عن تعازيه القلبية ومواساته الخالصة لأسرة الفقيد الدكتور عبدالعزيز النهاري، الذي انتقل إلى رحمة الله أمس الأول (الأحد) بعد صراع مع المرض.
وقال وزير الإعلام المكلف، في تغريدة على حسابه في تويتر: «فقدت الساحة الصحفية والإعلامية واحداً من أبرز إعلامييها هو الدكتور عبدالعزيز النهاري، الأكاديمي ورئيس تحرير صحيفتي البلاد وعكاظ سابقاً».
وأضاف: «أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى أهله وذويه وقرائه ومحبيه، سائلاً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وسابغ مرضاته، وأن يسكنه فسيح جناته».
خوجة ومدني لـ عكاظ: «النهاري» مهنية متوقدة وإنسانية متقدة
طالب بن محفوظ (جدة) talibym_mahfooz@
وزيرا الثقافة والإعلام السابقين؛ الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة، وإياد أمين مدني، عاشرا الراحل الدكتور عبدالعزيز النهاري عن قرب، فتحدثا لعكاظ عن مآثر الراحل النهاري، إذ قال الدكتور خوجة: «منذ أن عرفت الدكتور عبدالعزيز النهاري، فإنه رجل كله دماثة وإنسانية، مثال للشخص المثقف المطلع الهادئ الرزين الإعلامي، صاحب الرؤية الواسعة والأفق الفسيح».
وأضاف: «شخصية الدكتور عبدالعزيز النهاري ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: بلى، قال: أحسنكم خُلقاً)».
وأوضح أن شخصية النهاري هي «الخلق الحسن والإنسانية الطيبة التي تمشي على الأرض، ترك لنا آثاراً طيبة وتاريخاً عريقاً جداً؛ سواء في عمله الأكاديمي بجامعة الملك عبدالعزيز، أو في الصحافة الورقية بصحيفتي البلاد وعكاظ، أو في تجربته الإعلامية مع تلفزيون وراديو العرب (ART) إذ كانت كل تجاربه كفاحاً ونضالاً حمل معها رسالة إنسانية آمن بها وعمل لها». مضيفاً «أقدم عزائي لأبنائه وذويه وأحبائه ولكل الإعلاميين السعوديين الذين عملوا معه أو عاشروه أو تعلموا من مهنيته، وأعزي صديقه القديم وأخاه الدكتور هاشم عبده هاشم الذي عاش معه سنوات طويلة».
من جانبه، قال إياد مدني: «عملنا سوية في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، وكان واحداً من الكفاءات البارزة التي اجتذبها الأخ الدكتور هاشم عبده هاشم، رئيس تحرير عكاظ آنذاك، مثل الإخوة سباعي عثمان وحامد عباس رحمهم الله، وعلي مدهش وقينان الغامدي وسعيد السريحي، وغيرهم، وبقيادته وبهم دخلت عكاظ مرحلة نجاح وبروز وتفوق جديدة».
وأضاف مدني الذي كان يشغل مديراً عاما لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر: «كان الدكتور عبدالعزيز النهاري، رحمه الله، مراسلاً للعمل اليومي للصحيفة بدأبه وجلده ومهنيته ومنهجيته اكتسبها من درجاته الأكاديمية، وكسب ثقة العاملين معه بهدوئه وفهمه لأطر العمل الصحفي ومحدداته.. كان عالمه وخبزه وحياته وطموحه الإعلام.. رحمه الله وأسبغ عليه من رحمته».
زملاؤه في عكاظ يعزون
ردود الفعل على وفاة النهاري عمت الوسط الإعلامي برمته. وعبر جميع الزملاء في صحيفة «عكاظ» عن حزنهم العميق لوفاة النهاري.
ونعى النهاري إعلاميون عبر تغريدات بتويتر، حملت في طياتها الحزن على رحيله، مستذكرين صفاته وسجاياه الحميدة.
لقد فقدت الساحة الإعلامية أحد رموزها الأوفياء.. احترم الكلمة والحرف فاحترمه المجتمع وذهب إلى ربه راضياً مَرْضياً بإذن الله.
عبدالعزيز النهاري.. أكاديمي كشف حجاب الصحافة
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
بصمته الفصيح وقامته الشاهقة وشفته الباسمة، خرج من أطلال الأكاديمية وذاكرة الجامعة ليدخل فضاء الإعلام وذكرى مسيرة مهنية حافلة.. وحين كشف حجاب الصحافة، طارت عصافير اللغة ومالت أشجار السدر.. أكاديمي وإعلامي لم يمت ولم يعش ليكتب سيرته، ولكن سطوره سطعت فيها شمس الإنسانية إلى أن مال للمغيب.. ذلك الدكتور عبدالعزيز النهاري.
بين الأكاديمية والإعلام قدم وجهه المتوهج في ذاكرة الناس.. وبين أروقة علوم المكتبات واختراق عوالم الكلمة، إرادة متحفز وإدارة أمين فكان أحد أركانهما الرئيسية.. وبين تلك الصفة وتلك المهمة جسر تقلب به في ردهات التجارب بين قاعات الدرس وساحات الكتابة.. فأثرى المكتبة بدراسات ثرة وثرية ومؤلفات الإعلام المجتمعي.
حين جسد طموحاته وآماله واقعاً، كان أحد أعمدة الإعلام في أربعة عقود حتى توارى بالرحيل.. وبين «مشوار» و«شيء من القلق»، هناك طموحات إعلامي بآمال مجتمعية واقعية واقتراب من أفكار الشباب.. وعندما لم يحتفظ بأفكاره وهواجسه لنفسه، طرح فيها قضايا الناس واحتضن هموم الوطن، بكتابات جريئة دون انفتاح عشوائي.
في كل صباح يفتح نوافذه على عالم أوسع من الأمل رغم معاناته مع المرض.. وفي إدراك أن الزمن لا يتوقف إن بقي على الماضي، أعطى مساحة أكبر من التفاؤل والتنوع.. وكي لا يبقى صفحة تطوى لم يدخل في مواجهات حامية إنما أوصل رسالته بسطور لم يُغضب بها أحداً.
عندما بدأ المهنة من الصفر، نجح في الوصول إلى القمة بمجهود ذاتي.. ولما اعتزل نمطية الصحافة؛ استهوته فكرة الاختلاف عن الآخرين.. وحين عادى سياسات الصوت العالي والصراخ والتجريح التي أدمنها بعض الإعلاميين، طرح قضاياه للنقاش بهدوء متوازن بين التأييد والنقد.
في انعكاس لسنوات طفولته العجاف ونشأته الأسرية الصارمة، بحث في شبابه عن الجدية والمهنية، فكان شجرة مثمرة لكل من حوله.. وعندما تحمَّل المسؤولية صغيراً، وظف نمط تربيته لقيادة سفينة حياته نحو مقاصده الأكاديمية والإعلامية الإنسانية.. ولما اكتسى وشاح القلب النابض، امتلك أريحية نفس وابتسامة روح وبساطة طبع ودماثة خُلُق.
أما تخصصه الأكاديمي في المكتبات والمعلومات، دندن في رسالة الدكتوراه لتأسيس مكتبة وطنية فتحقق حلمه بإنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية.. أعد بحثاً علمياً عن تاريخ المكتبات الوطنية ووظائفها وواقعها، وكتب باللغة الإنجليزية عن المكتبات في الدول النامية.. وفي مؤلَّفه «المدخل إلى البحث العلمي» أوجز الطرق الإحصائية في البحث.
في سنوات الاخضرار لمسيرته الإعلامية، سال قلمه الصحفي في وكالة الأنباء السعودية وصحف المدينة والجزيرة والبلاد ومسك ختامها «عكاظ».. وفي الإذاعة أضاء بصوته ببرنامجه «الميكروفون الصحفي».. وفي التلفزيون وضع بصمته على الفنانين والمبدعين السعوديين كنائب لرئيس شبكة قنوات راديو وتلفزيون العرب.