أثارت الجلسة الخامسة عشرة من جلسات مجموعة حرف القرائية في جمعية الثقافة والفنون في أبها العديد من التساؤلات حول كتاب «الطبيعة الإنسانية.. حوار نعوم تشومسكي وميشيل فوكو» التي قدم فيها علي قبطي الورقة الرئيسية وأدارها سليمان الحفظي، وأشار قبطي إلى أنّ هذه المناظرة مضى عليها ما يزيد على نصف قرن؛ لكنّ موضوع النقاش مازال حاضراً، والتساؤلات المطروحة حول الطبيعة البشرية وهل طبيعة الإنسان خيرة أم شريرة؟ وهل يولد الإنسان مفطور المعارف والسلوك أم مكتسباً لها؟ وأكد أنه سؤال قديم قدم الفلسفة، إذ يعدّ سقراط أول من حول سؤال الفلسفة من السماء إلى الإنسان رغم أنه لم يترك خلفه فلسفةً مكتوبة، ولكنّ هذا ما نقله عنه تلاميذه مثل أفلاطون وزينفون وغيرهم، مشيراً إلى قوله بوجود جميع المعارف والخير والشر في النفس البشرية وأن المعارف تستخرج بالنقاش والمحاورات والتأمل، وذكر قبطي أن هذه الفكرة تبلورت على يد أرسطو وظلت المدرسة الأرسطية مهيمنة على الفكر الأوروبي حتى عصر الأنوار على يد جون لوك وجان جاك روسو وتوماس هوبز وهيمنة فكرة (الصفحة البيضاء) وتسمى (باللوح الفارغ) على الفكر الأوروبي من جديد حيث الفكرة بأن الإنسان يولد كصفحة بيضاء خالياً من أي معرفة أو غريزة وأنه بالاكتساب من البيئة والتعليم والتربية يكتسب كل شيء ويستطيع أن يكون أي شيء! وبين قبطي أن أعمال تشومسكي عن اكتساب اللغة وفطريتها وغريزيتها أثارت ردود أفعال قوية سيما وهو صاحب الآراء اليسارية وأن للفرد أن يكون ما يريد وأن يكون فاعلاً في رفض وتقويض الحالة، وهزت وجود المدرسة السلوكية والإنسانية حين ذاك لأنها كانت مدرسة العلم حينها والمسيطرة على مناخ الدراسات الاجتماعية، وأضاف قبطي على عكس تشومسكي الذي يقول بإبداع الذات وتملكها ملكات موروثه ينحاز فوكو إلى وجود شبكات معرفية وسلطوية تتحكم في إبداع الفرد وحريته وسلوكه وطبعه وأن هذه السلطة موجودة في المؤسسات الصغرى كالمدرسة ودور العبادة والعيادة والسجن والجيش، وأن الحداثة حولت الإنسان من كائن تلقائي وحر إلى آلة ميكانيكية بشرية! وأكد قبطي أنّ نصف القرن الماضي حسم المسألة حيث صدرت الكثير من الدراسات في علم الأعصاب وعلم الدماغ والكثير من الدراسات الاجتماعية.
وفي المداخلات التي شارك فيها عضو مجلس الشورى الدكتور محمد آل عباس بحديث عن تأثير الفكر والاتجاه الراديكالي لكلا المفكرين وإخضاع هذا لمفهوم وفلسفة الطبيعة وقراءة المشهد وفق تجارب المفكرين، فيما طالب إبراهيم مضواح بالحاجة الماسة لقراءة مرجعيات ومصطلحات وردت في الكتاب، فيما رأى يحيى العلكمي أن تشومسكي استطاع أن يتجه للجانب المعرفي باعتماده على اللغة في حواره. وختم المداخلات مدير الجمعية أحمد السروي بقوله إنّ هذه القراءات تسهم في تشكيل وعي جديد لفن الحوار والمناظرات الفكرية العميقة لبناء جيل واع قادر على تمييز الأفكار وتجويدها.