-A +A
د. عدنان حسن باحارث
إن غريزة حب البقاء فطرة إنسانية ملحة تدفع الناس دفعا نحو أسباب البقاء، وتحثهم -بطبيعتها العنيفة- نحو استمرار الحياة الانسانية دون انقطاع، فتلح عليهم بدافع الشهوة المستلذة نحو قضاء الوطر لينعقد من ذلك الولد، الذي يعد ثمرة كل هذا التفاعل الانساني، والغاية الكبرى من تلاقي الجنسين، فكل مظاهر التفاعل والتداخل والصراع التي تسبق حصول النسل لا تعدو أن تكون مقدما للحدث الانساني الأكبر وهو اقتناص الولد. وهذه الغريزة الانسانية العارمة يصعب بل يستحيل الغاؤها، أو تعطيلها، أو تأجيلها، فاللقاء بين الجنسين لابد أنه حاصل، سواء تم ذلك بطريق الزواج المشروع، أو تم بالطرق غير المشروعة وسواء رضي المجتمع بذلك أم سخط. ولقد حلّت المجتمعات غير الاسلامية هذه المشكلة حين فتحت على الناس أبواب الاشباع الجنسي دون حدود، فلم تغلق منها باباً سوى باب الاغتصاب والاكراه، وتركت للناس حرية التحايل فيما بينهم لقضاء شهواتهم، ونيل ملذاتهم الجنسية، حتى جاهروا بها في حياتهم العامة، وعبر وسائل اعلامهم المختلفة يتحدون بذلك الضمير والعقل الانساني والمبادئ والقيم الاخلاقية التي تنادي بها الاديان دون نظر صحيح لعواقب الانحلال الخلقي.
وفي هذا الخضم العارم من الاثارة الشهوانية الذي عم العالم وقع المسلمون في الحرج، فهم يتعرضون كغيرهم للاثارة ويشاهدون ويسمعون ما يلهب الغريزة، في عصر لم يعد فيه مجال للعزلة الاجتماعية الا انهم يختلفون عن غيرهم في كونهم ممنوعين شرعا من اشباع غرائزهم بغير طريق الزواج المشروع، الذي ضاقت سبله في هذا الزمان وتعقدت وسائله، وقلّت أسبابه، رغم وفرة النساء والفتيات العازبات - الابكار منهن والثيبات- حتى إن أعدادهم المتزايدة تشكل أزمة اجتماعية في مقابل اعداد كبيرة اخرى من الشباب الأعزب، والرجال الراغبين في التعدد فقد حجز الشرع بين الفريقين بوخز الضمير الحي، وعنف الحد الشرعي اضافة الى الفضيحة الاجتماعية التي تحجز كثيرا من الناس عن الفواحش.
وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية الشاذة: وقف الفريقان المتعطشان من الرجال والنساء على طرفي المجتمع ينظر كل منهما الى الآخر بحذر، والغريزة تلح عليهم بعنفها، وتدفعهم الى التلاقي غير المشروع فيسقط بعضهم بالفعل في حمئة الرذيلة تحت ضغط الفطرة، حتى إن أنواع الساقطين في الفاحشة من الفريقين يمثلون غالب فئات المجتمع بنسب مختلفة، مما يؤكد ان الدافع الغريزي امر عارم يشمل الجميع، في حين بقي جمع من الفريقين: عصمهم الله بالتقوى او الحياء الفطري او الرهبة الاجتماعية من ان ينزلقوا في مستنقع الفواحش فرضوا لانفسهم بالمسلك الصعب في نهج التعفف، ومع ذلك لم يتجردوا من الدافع الفطري الملح، وانما يتلمسون الفرصة الاجتماعية المناسبة، التي يخرجون بها من أزماتهم الفطرية دون حرج اجتماعي، أو مذمة شرعية، ومن هنا وبناء على هذه الحاجة الاجتماعية: ظهرت أنواع من الانكحة المستحدثة، قد فرقتها الاسماء المتنوعة، وجمعتها -في الغالب- الغاية الواحدة المتمثلة في قضاء الوطر ضمن اطار مقبول اجتماعيا، وله -في الوقت نفسه- حظ من النظر الشرعي.
إن الشريعة الاسلامية حين ضيّقت على الجنسين أبواب الحرام: فتحت لهما أبواب الحلال كأوسع ما يكون، فأمرت بالتيسير والتسهيل، ونهت عن التعسير والتضييق، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز النكاح بنعلين، وبملء كفين من طعام، وبتعليم شيء من القرآن، إذ أن مقصود الشارع حصول النكاح وقضاء الوطر واستمرار النسل وأما ما هو دون ذلك لا يعدو أن يكون وسائل وأسباب غير مقصودة لذاتها، وإنما شُرعت لما ورائها من المقاصد الكبرى.وأما الأنكحة المحدثة بمسمياتها المختلفة، مثل: المسيار، والمسفار، والمصياف.. ونحوها، فإن الشريعة الاسلامية تعتني بالمضامين أكثر بكثير من عنايتها بالعناوين والمسميات، فايما نكاح -تحت أي مسمى- جمع شروط الصحة فهو صحيح، وأيما نكاح خلا من شرط من شروط الصحة فهو باطل، حتى وإن تسمى بالمسميات الشرعية، ويمكن تصنيف شروط صحة النكاح الى صنفين:
الأول الشروط الاساسية:
1- قبول الزوجين البالغين بالنكاح دون اكراه.
2- تولي الولي الشرعي لعقد النكاح بنفسه أو بالوكالة.
3- حضور شاهدين عدلين.
4- تقديم المهر ولو كان يسيرا
5- خلو العقد من شرط يفسده، مثل: تحديده بزمن معين، أو اشتراط عدم الوطء ونحوها.
الثاني: الشروط الفرعية:
1- مراعاة الكفاءة بين الزوجين.
2- توثيق العقد لدى الجهات المختصة، لضمان حق المرأة والاولاد.
3- اعلان النكاح واخراجه عن حد السرية.
4- عدم التدليس في عيوب الزوجين.
5- خلوص النيات من المقاصد المخالفة لظاهر العقد.

متخصص تربوي في شؤون الأسرة
www.bahareth.org