-A +A
عبدالله صالح حبابي
ومرة أخرى أعود لشاعري المفضل الدكتور غازي القصيبي الذي جمع المجد من أطرافه فهو إداري ناجح وأديب رائع وشاعر عالي الإحساس وفي رأيي المتواضع أنه شاعر العصر بل هو شاعر كل عصر وهذا رأيي الشخصي لما لمسته شخصياً عنه وعرفته فيه ومازالت الأبيات التي أوردها في تحية سمو الأمير خالد الفيصل تدور وتمور في أحاسيسي:
مازال صوت العود يطربني
وسيظل صوت العود هذا يطربني أياً كان عمري ما دام هناك نفس يرمقني.
وأفضل أن أبقى كهلاً وأحلم ذلك الحلم الوردي الوارد في هذا البيت:
يا أيها الكهل لا تحلم بفاتنة
حلم الصحارى بحقل من رياحين
هي أحلام وردية أن تحلم الصحارى بحقول من رياحين فياليت كل أحلامي من هذا الضرب من الأحلام الرائعة ولو أن الصحارى عادة وهي تحت وهج الشمس وبين الرمال المحرقة قد تحلم بالمطر ولكنها الذائقة الشعرية وإحساس الشاعر الرائع أحالت ذلك إلى أن تحلم الصحارى بحقل من رياحين.. حلم وردي!!
إن البيت الشعري العذب والرائع والذي يحمل فكراً إنسانياً عميقاً هو الذي يهزني وأحس بعذوبته وبقدرة قائله في تلوينه الشعري والابتعاد عن جمود النص هو فعلاً شعر وليس مجرد سرد كلمات لا طعم لها أو أي مزاج شعري يهز الوجدان.
فمثلاً في الأبيات الشعرية التي سبق أن أوردناها في مقال سابق (كم بنينا من حصاها أربعاً) نجد شعراً يتجاوز قدرات الإنسان العقلية بل ترد تحت تصوراته الوجدانية وما أفرزته من أبعاد وجدانية عذبة ورؤى شخصية محلقة في الخيال.
وفيما يلي أورد نماذج لأبيات شعرية لا تندرج تحت أية صيغة لمجرد أبيات لسرد كلمات لا معنى أو مغزى لها بل ذات تعبير طبيعي ذي نزعة فنية وجمالية وصور عذبة:
قتل الورد نفسه حسداً منك
وألقى دماه في وجنتيك
والفراشات ملَّت الزهر لما
حدثتها الأنسام عن شفتيك
وهي من قصيدة الصبا والجمال لبشارة الخوري التي تغنى بها الفنان عبدالوهاب..
كما أن قمة التعبير نصادفها في الأبيات التالية من شعر أحمد شوقي، وهي أبيات في قمة التعبير الذي يهز الوجدان وقد تغنى بها الفنان عبدالوهاب في قصيدة (ردت الروح)..
ردت الروح على المضنى معك
أجمل الأيام يوم أرجعك
مرّ من بعدك ما روَّعني
أترى يا حلو بعدي روَّعك
أو في الأبيات التالية من شعر إيليا أبوماضي من قصيدة «لست أدري» وتغنى بها عبدالوهاب أيضاً:
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير
أين جهلي ومراحي وأنا غض غرير
أين أحلامي وكانت حيثما سرت تسير
كلها ضاعت ولكن كيف ضاعت
لست أدري..
إن البيت الشعري العذب الرائع والذي يحمل فكراً إنسانياً عميقاً هو الذي يهزني وأحس بعذوبته وبقدرة قائله هو فعلاً شعر وليس مجرد سرد كلمات ورصفها حروفاً في حروف لا تخاطب الفكر والوجدان.
والأبيات التالية من قصيدة الخطايا للشاعر كامل الشناوي والتي تغنى بها عبدالوهاب أيضاً هي من الشعر الذي يطرب النفس ويهز الوجدان:
لا تنثر لي ذكرياتي إنها شيَّبتني
شيَّبت حتى صبايا
كم يريني النوم منها عجباً
فتنةً يقظي وروحاً وسجايا
وعليها من ذراعي وثاقٌ
شَدَّه شوقي وأرخته يدايا
وفي المقال القادم سأحاول إيضاح ما أعنيه من تعبير شاعر العصر أو شاعر كل عصر وذلك درءاً للاتهام بالتحيز أو التحامل.

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 194 مسافة ثم الرسالة