يسكن المكان كاتبه، أضعاف ما يسكن الكاتبُ المكان. وسكنى الإنسان في المكان غالباً لا تعدو حسية مادية، بدليل أنا نسكن أماكن ونرتحل عنها دون أن تترك فينا أثراً، فيما سكن المكان في الإنسان حالة وجدانية لها معطيات ذاتية وموضوعية بعضها يظل عالقاً بنياط القلب، في ظل غنى أمكنة وانعكاس غناها على حياة وكتابة المنتمي إليها.
وتكتسب التجربة الكتابية لسارد بقيمة القاص الكبير محمد علي علوان حضوراً معتبراً في المجتمع القرائي. بحركية الذاكرة البصرية والسمعية من القرية والريف إلى المدينة، وبالعكس، إضافة إلى طول مراس الكتابة وتنامي النضج الفني، خصوصاً في مرحلة عمرية عامرة بالتجارب الثرية والقراءة المنتقاة ومعايشة التحولات التي تعامل معها الكاتب بتصالحية نسبية.
يحتل المكان حيزاً أكبر من نصوص المجموعة القصصية (طائر العِشا) الصادرة مؤخراً عن دار سطور العربية، كون السفر المبكّر والترحال وتعدد الأماكن يولّد الحنين لجغرافيا مألوفة بالفطرة، وتاريخ (مُستألف) لا يبرح أن يطل برأسه من نافذة الواقع ليُذكي جمرة الإبداع على نار الأصالة، والانتقال المكاني ليس ترفاً بل استجابة لضرورة الدراسة والعمل إلا أن ما ألفناه بفطرتنا الأولى لا يشيخ ولا تتجعد ملامحه.. فالقرية وطن ابتدائي للذات الكاتبة بيوتها المتراصة كعلب الكبريت، طرقها الآمنة، آبارها السخية بالعذوبة، نقاء القلوب وصفاء الأرواح وبذخ اللغة أو اللهجة الساحرة.
تزامن إصدار المجموعة وعنونتها بتداعيات جائحة كورونا التي حُمّلت بعض مسؤوليتها على طائر الخفاش. والقاص (أبو غسان) ينجح باقتدار الفنان على استعادة تفاصيل الواقع ويضفي عليه من المتخيل ليحضر طائر العِشا في موعده وبما يشبه نبوءة سيدة لها مقامها ونعيش معه اللحظة الدرامية (والجدة تمسح ماء العينين بطرف شيلتها حزناً على بقرتها المبيوعة في سوق الاثنين، وتفتح النافذة المطلة على الفناء أملا في مشاهدة حيوانها الأليف المبارك، ومع فقدان الأمل توصي حفيدتها بشب النار وإعداد العشاء، وتؤكد على تكثير اللحم والمرق تحسباً لضيف تزفه البروق الملوحة بالبشارات، وهم على سفرة الوجبة الدسمة يدخل الطائر المخيف). لم يكن كبار السن في القرى يتطاولون على الدواب والطيور والحشرات ويصفونها بالنفْس، أو الروح، والجدة الرمز في القصة بما تمثله من مكانة اجتماعية ووعي بالأعراف والقيم واحترام للأساطير، تنظر لهذا الطائر على أنه رسالة ذات دلالات قدرية، وعلى قدر التلطف مع المرسول يرضى عنك المرسل، (صاحت «بنت علي» بإحدى بناتها أحضري بقية الحناء والمكحلة والمرود، ووضعت (الخفاش) بين كفي أبو سعيد وصبغت بالحناء مخالبه وأجنحته، وكحّلت عينيه ثم طلبت منه أن يطلقه، فيما الجدة ممتنة بإكرامها روح الأسلاف العابرة للاطمئنان على القيم والحال والحلال والعيال). تطغى قيمة الوقت على مجموعة (طائر العِشا) ويحضر المكان وتتأنسن الأشياء (الدَرَج، ميزان، مصباح، باب، مرآة) ولا تغيب الفانتازيا عن قصة (أنا والبطل) إذ تحتج إحدى الشخصيات المسرودة على الكاتب وترفض الإطار الذي وضعها فيه، وتدخل في جدل ينتهي بمحاولة الكاتب استعطاف بطل العمل ليكمل الكتابة.
طائر العِشا أو الخفاش مصباح إضافي من مصابيح علوان على رؤوس الجبال ينير لعابري مسار السرد ليل عتمة، فالعمل اتكأ على خبرات حياتية وقرائية ذات مرجعية إنسانية نقشت في أعماقه صورة راسخة لمجتمع الإنتاج، الإصدار الناضج في لغته وحبكته ضم 27 نصاً مفعمة بالحنين إلى منابت الجمال والحب والخير، ورسم غلافه أيمن علوان وذهب الإهداء إلى القاص الراحل عبدالله السالمي صاحب (مكعبات من الرطوبة).
وتكتسب التجربة الكتابية لسارد بقيمة القاص الكبير محمد علي علوان حضوراً معتبراً في المجتمع القرائي. بحركية الذاكرة البصرية والسمعية من القرية والريف إلى المدينة، وبالعكس، إضافة إلى طول مراس الكتابة وتنامي النضج الفني، خصوصاً في مرحلة عمرية عامرة بالتجارب الثرية والقراءة المنتقاة ومعايشة التحولات التي تعامل معها الكاتب بتصالحية نسبية.
يحتل المكان حيزاً أكبر من نصوص المجموعة القصصية (طائر العِشا) الصادرة مؤخراً عن دار سطور العربية، كون السفر المبكّر والترحال وتعدد الأماكن يولّد الحنين لجغرافيا مألوفة بالفطرة، وتاريخ (مُستألف) لا يبرح أن يطل برأسه من نافذة الواقع ليُذكي جمرة الإبداع على نار الأصالة، والانتقال المكاني ليس ترفاً بل استجابة لضرورة الدراسة والعمل إلا أن ما ألفناه بفطرتنا الأولى لا يشيخ ولا تتجعد ملامحه.. فالقرية وطن ابتدائي للذات الكاتبة بيوتها المتراصة كعلب الكبريت، طرقها الآمنة، آبارها السخية بالعذوبة، نقاء القلوب وصفاء الأرواح وبذخ اللغة أو اللهجة الساحرة.
تزامن إصدار المجموعة وعنونتها بتداعيات جائحة كورونا التي حُمّلت بعض مسؤوليتها على طائر الخفاش. والقاص (أبو غسان) ينجح باقتدار الفنان على استعادة تفاصيل الواقع ويضفي عليه من المتخيل ليحضر طائر العِشا في موعده وبما يشبه نبوءة سيدة لها مقامها ونعيش معه اللحظة الدرامية (والجدة تمسح ماء العينين بطرف شيلتها حزناً على بقرتها المبيوعة في سوق الاثنين، وتفتح النافذة المطلة على الفناء أملا في مشاهدة حيوانها الأليف المبارك، ومع فقدان الأمل توصي حفيدتها بشب النار وإعداد العشاء، وتؤكد على تكثير اللحم والمرق تحسباً لضيف تزفه البروق الملوحة بالبشارات، وهم على سفرة الوجبة الدسمة يدخل الطائر المخيف). لم يكن كبار السن في القرى يتطاولون على الدواب والطيور والحشرات ويصفونها بالنفْس، أو الروح، والجدة الرمز في القصة بما تمثله من مكانة اجتماعية ووعي بالأعراف والقيم واحترام للأساطير، تنظر لهذا الطائر على أنه رسالة ذات دلالات قدرية، وعلى قدر التلطف مع المرسول يرضى عنك المرسل، (صاحت «بنت علي» بإحدى بناتها أحضري بقية الحناء والمكحلة والمرود، ووضعت (الخفاش) بين كفي أبو سعيد وصبغت بالحناء مخالبه وأجنحته، وكحّلت عينيه ثم طلبت منه أن يطلقه، فيما الجدة ممتنة بإكرامها روح الأسلاف العابرة للاطمئنان على القيم والحال والحلال والعيال). تطغى قيمة الوقت على مجموعة (طائر العِشا) ويحضر المكان وتتأنسن الأشياء (الدَرَج، ميزان، مصباح، باب، مرآة) ولا تغيب الفانتازيا عن قصة (أنا والبطل) إذ تحتج إحدى الشخصيات المسرودة على الكاتب وترفض الإطار الذي وضعها فيه، وتدخل في جدل ينتهي بمحاولة الكاتب استعطاف بطل العمل ليكمل الكتابة.
طائر العِشا أو الخفاش مصباح إضافي من مصابيح علوان على رؤوس الجبال ينير لعابري مسار السرد ليل عتمة، فالعمل اتكأ على خبرات حياتية وقرائية ذات مرجعية إنسانية نقشت في أعماقه صورة راسخة لمجتمع الإنتاج، الإصدار الناضج في لغته وحبكته ضم 27 نصاً مفعمة بالحنين إلى منابت الجمال والحب والخير، ورسم غلافه أيمن علوان وذهب الإهداء إلى القاص الراحل عبدالله السالمي صاحب (مكعبات من الرطوبة).