-A +A
سليمان النهابي - عنيزة
بيت البسام الأثري أصبح اليوم رمزًا يحكي قصة البناء في مرحلة تاريخية سابقة.. لقد كانت البيوت الطينية هي السائدة قبل مرحلة الطفرة التي مرت بها البلاد ولهذا كان سكان نجد وسط المملكة يسكنون هذه البيوت الطينية وبيت البسام يعتبر النموذج الذي يحكي تلك المرحلة ويقع البيت الى الجهة الغربية من محافظة عنيزة القديمة التي انشئت عام 630هـ على امتداد الشارع الغربي الذي يقع عليه جامع الشيخ ابن عثيمين المسمى شارع الشيخ عبدالرحمن السعدي.. وتتميز محافظة عنيزة بمبانيها الطينية التراثية القديمة ويعتبر بيت البسام أحد أهم هذه المباني فقد تم البدء في تشييده عام 1374هـ وكان بناؤه على عدة مراحل وبدأ فيه من الجهة الشمالية أولاً ثم تواصل العمل فيه إلى أن تم اكتمال بقية المبنى والانتهاء منه في عام 1377هـ ويمثل البيت فترة من تطور العمارة في محافظة عنيزة ويمتاز بأنه ذو طراز معماري فريد من نوعه حيث يمثل البيت النجدي القديم ويحتل مساحة تزيد عن (3500م2) ونظرًا لتصميمه الرائع والجميل والمتنوع فقد أهتمت به وكالة الآثار والمتاحف وصنفته من المباني التراثية المهمة في المنطقة.. وقد استخدم الطين مادة أساسية في بناء البيت ومادة الطين هذه تتميز بأنها مادة عازلة للحرارة اثناء فصل الصيف ويكون البناء بالطين عادة على شكل عروق أو مداميك من اللبن ويتم تصنيعه بوضع الطين في قالب خشبي مستطيل الشكل يسمى (الملبن) وهو عبارة عن اربع قطع خشبية مفتوح من الأعلى والأسفل ويوضع الطين مخلوطاً بالتبن بداخل القالب ثم ينزع القالب ليبقى الطين محتفظًا بشكل "اللبن" الذي يقوم مقام البلك اليوم ويكون هذا اللبن بمقاس وشكل موحد كما يستخدم الطين أيضاً كخلطة في المباني لأعطاء تماسك اللبن.
انماط وزخارف

ويشير الاستاذ محمد إبراهيم الزنيدي مدير وحدة الآثار والمتاحف في عنيزة الى ان الانماط والتشكيلات الزخرفية تتعدد داخل بيت البسام وفي واجهاته الخارجية فمنها "المصاريع"وهي عبارة عن نوافذ بالمجالس و (المقلطات).
وهي ذات فتحات بارتفاع 1.85 سم وعرض 1.00 سم وترتفع عن سطح الارض 40 سم بدرفتين من ابواب الخشب المنقوش ومن تلك الانماط (الروزنة) وهي عبارة عن تجويف داخل الجدار الطيني توضع فيها بعض الحاجيات التي يكثر استعمالها بشكل يومي ومنها ايضاً (الكمار) وهو عبارة عن دولات من مادة (الجص) يوجد فيها زخارف ومقسم الى عدة أرفف توضع الأباريق والدلال (الخاصة بالقهوة العربية والشاي) ومن تلك الأنماط (الوجار) ملاصق للدولاب المسمى (الكمار) وهذا (الوجار) هو مكان موقد النار ومن الانماط بهذا المنزل ما يسمى بـ(المحكمة) وهي المكان المجاور لموقد النار (الوجار) يجلس فيه صاحب المنزل لإعداد القهوة والشاي ومن ثم يتم تقديمها للضيوف ومن تلك الانماط (الطاق) وهي غرفة صغيرة مفتوحة بدون باب ومن الأعلى يكون شكل الفتحة رأس مثلث وتكون خلف الجالس في المحكمة وتعد مستودع للحطب والفحم ليكون سهل التناول ومن الأنماط الشكلية ايضاً (القوثاله) ومن اسمها يتبين انها ذات اهمية قصوى وقت الحروب والخوف وهي عبارة عن بروز طيني خارج المبنى ليتيح لمن في الداخل النظر الى الخارج بسهولة وغالباً ما تكون فوق ابواب مداخل المنزل للتعرف على الطارق وفي اماكن اخرى من نجد تسمى (طرمة).. ومن الأنماط السائدة في البناء ما يسمى بـ(الوتد) والوتد يصنع من خشب شجر الاثل المهذب بشكل انيق ويوضع في الجدار الطيني ليستخدم علاقة تعلق عليها الملابس. ويتكون البيت من جناح لاستقبال الرجال يشمل على مجلس الرجال ويسمى بالعامية النجدية (القهوة) كما في غالب البيوت الطينية النجدية وله مدخل خاص يطل على الشارع ويتوفر في مجلس الرجال "الكمر" والوجار" و"الطاق" (مستودع الحطب والفحم) و(اليوان) وهو مكان مكشوف يفصل عادة بين مجلس الرجال (القهوة) وغرفة الطعام (المقلط) ويتوفر بالبيت مكان سفلي المعروفة بالقبو حالياً وتتميز ببرودتها صيفاً ودفئها شتاء الى ذلك من الاقسام.
زيارات الوفود
ويعرف بيت البسام نسبة الى اسرة البسام التي كانت تسكن البيت قديماً وقد تم شراء البيت من هذه الأسرة ليصبح تحت ملكية وكالة المتاحف والآثار واصبح الآن مزاراً اثرياً تزوره الوفود الرسمية التي تقوم بزيارة محافظة عنيزة.
وفي سؤال عن بناء البيت قال الاستاذ محمد الزنيدي مدير وحدة المتاحف والآثار في عنيزة يقوم ببناء البيوت الطينية مجموعة من الحرفيين السعوديين يقودهم رئيس للمجموعة ويطلق على المجموعة "حرفية" والرئيس يطلق عليه (استاذ) وهو الذي يختار حرفيته ويعزل من لا يصلح للعمل وهكذا في كل البيوت الطينية وقد توفي الكثيرون ممن عرفوا ببناء البيوت الطينية ولكن هناك شخص لا يزال يقوم بهذه المهنة هو المواطن ابراهيم صالح الحمدان ومعه فريق عمل يختصون ببناء البيوت الطينية ولديه بيت تم انشاؤه حديثاً في قرية الروغاني
احتفالات أثرية
وبيت البسام هذا يقام فيه العديد من المناسبات التراثية وكانت آخر مناسبة تراثية اقيمت هي مهرجان الفنون والتراث الاول في عنيزة واقيمت الفعاليات النسائية فيه ويستضيف المزاد التراثي مرة كل شهر كما يضم العديد من المقتنيات التراثية والصور القديمة لمحافظة عنيزة ويضم البيت الآن ادارة وحدة المتاحف والاثار في عنيزة بموظفيها ومدير الوحدة التي تعمل على توثيق البرامج التراثية التي تقام في البيت من خلال سياحي عنيزة أو مهرجان الغضا أو المهرجانات التراثية ولدى الوحدة توثيق مصور لكل الوفود الزائرة أو آثار عنيزة التابعة لها.
الارتباط والولاء
ولأن بيت البسام يعتبر معلما تراثيا يحكي تاريخ حقبة من تاريخ المجتمع وحيث ان بيوت الطين كان لها نكهة خاصة في نفوس أبناء المجتمع بالمحافظة خاصة أولئك الذين مروا بمرحلة السكن في تلك البيوت فإن أثرها في نفوسهم لا زال باقيا وارتبطت بوجدانهم وأصبح هذا الارتباط يشكل ولاءًا قبل الجميع لهذه البيوت.. حتى ان البعض صار يحتفظ بمنزله الطيني القديم والبعض الاخر يقيم مجلسا جانبيا عبارة عن ملحق بمنزله من المادة الطينية او محاكاة للبيت الطيني ببناء ملحق للمنزل يتم دهنه باللون المماثل للمادة الطينية كنوع من الارتباط العاطفي للبيت الطيني النجدي ولهذا فان بيت البسام الأثري اصبح له قيمته في وجدان كثير من الناس وأصبحوا يتفاخرون بهذا المعلم النجدي. وكثير من أبناء الجيل الحاضر الذي لم يشهد أو لم يسكن بيوت الطين أصبح لا يعرف مسميات الامكنة المتداولة في القديم مثل (المصراع) أو (الوجار) أو (الكمر) أو (المحكمة) ولهذا فان وجود البيت الطيني كما هو بيت البسام التراثي يعتبر نقلا لثقافة هذا الجيل الذي عايش تلك المرحلة الى الجيل الحالي الذي لم يشهد مرحلة بيوت الطين، ولا تزال عنيزة تحتفظ بالكثير من بيوت الطين التي تحتاج الى اعادة نظر من قبل وكالة المتاحف لاقتنائها والاحتفاظ بالمزيد من البيوت التي تحكي مرحلة سابقة من عمر هذه المحافظة.. ويحتفظ بيت البسام التراثي بالعديد من المقتنيات الاثرية التي تصور جانبا من ماضي الاباء والاجداد وتقوم وحدة المتاحف والاثار بعملية الشرح والتعريف ببيت البسام الاثري او المقتنيات الاثرية الموجودة بالبيت وقد تستعين بأهل الخبرة للتعريف ببعض المسميات التي يصعب معرفتها او التعرف عليها.
الفعاليات السياحية
كما يعد بيت الحمدان التراثي الذي شيد حديثاً ليحاكي البيوت التراثية أحد المعالم الشعبية في عنيزة ويشمل على المجلس الرجالي المعرف قديما باسم (القهوة) والمطبخ المعروف باسم (الموقد) وغير ذلك من الانماط والتشكيلات التي يشتمل عليها البيت الطيني.. ويقع بيت الحمدان في الجهة الشمالية من بلدة الروغاني واقيمت فيه العديد من الفعاليات السياحية في التنشيط السياحي أو مهرجان الغضا.. واصبح مكانا يزوره الوفود التي تزور محافظة عنيزة والى جانب بيت الحمدان تم بناء مسجد طيني على غرار المساجد الطينية ويحمل نفس الانماط التي يقوم عليها المسجد الطيني وقد تم بناؤه على يد المواطن ابراهيم بن صالح الحمدان وفريق العمل وأصبح علامة تراثية تحكي انماط البناء الطيني القديم.. وقد تم بناء المسجد الطيني حديثا كما هو انشاء بيت الحمدان التراثي الذي أصبح أخيرا يطلق عليه اسم (جنادرية الوادي) خاصة في فترة اقامة الفعاليات السياحية الصيفية والذي يقدم بيت الحمدان جانبا منها، فيما يعبر الاستاذ ابراهيم الحمدان عن سعادته وافتخاره بهذا المنجز الذي أصبح مزارا من مزارات الوفود والزوار الذين يأتون الى عنيزة.