-A +A
أحمد قِرّان الزهراني
غادرْ كأنّكَ لم تكنْ وطناً أثيراً في مُخيّلتي،

ولم تصعدْ إلى بوابةِ القلبِ الشغوفِ،


ولم تشقّ طريقكَ المشؤومَ نحو نهايةٍ مجهولةٍ،

فالوقتُ ليس كما تراه محملاً بالانتظارِ،

الوقتُ يأخذنا إلى دربٍ من الأوجاعِ،

فارسم دربَكَ الآتي،

وغادرْ غير مُنْتبذٍ أمانيكَ القديمةَ،

ذكرياتِكَ عن مقامٍ موحشٍ وعتيقْ.

***

يا هذه الريحُ العتيّةُ لا تعيدي نقطةَ البدءِ الحزينةَ،

ربما أسفارُنا موتٌ بطيءٌ نستلذُّ به

إذا ما راعنا شبحُ التَّغرُبِ

في بلادٍ ليس يسكنها سوى من هاجرتْ أحلامُهم حتى النهاية،

ربما أسفارُنا وطنٌ يراودُنا لنستبقَ الصراطَ،

فلا نعودُ لكي نسافرَ مرةً أخرى،

فنمكثُ ما استطعنا في الهواجسِ،

نتّقي نصَبَ الطريقْ.

***

غادرْ بلاداً لم تكنْ فيها نبيّاً موقِناً بالحبِّ،

واحملْ ما استطعت من المتاعِ،

وخِفّ خطوَكَ في المسيرِ،

لعلَّ وجْهتَك البعيدةَ لا تماري في لقائِكَ،

واحتملْ صوتَ المنادي للرحيلِ إذا تغشاهُ البكاءُ،

ولا تصاحبْ من يراكَ قرينَه الأبديَّ،

لا تنْصِتْ للغوٍ في الكلامِ،

وكنْ لغيرِكَ ملهماً وعشيقْ.

***

هذي بلادُ اللهِ فاسكنْ حيث شئتَ من الجهاتِ،

ولا تعاتبْ من أضلّكَ في المسارِ،

ولا الذين تعفَّفوا بالصمتِ،

كنْ مثل الغمامِ يساورُ الأرضَ اليَبَاسَ،

وكنْ كأوّلِ من يبادر بالسّؤالِ،

أحِبّ من ترضاه أنْ يُشقِي فؤادكَ بالجنونِ،

وعِشْ لحبِّكَ راهباً متأملاً،

فالحبُّ ينمو بالتّأملِ مثل غُصنِ الخيزرانِ،

الحبُّ تتسعُ الحياةُ مدىً بهِ

حتى وإنْ كانت تضيقْ.