-A +A
سعيد آل منصور (جدة) SaeedAlmansor@
في كتاب صدر حديثاً عن نادي الطائف الأدبي بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي تحت عنوان «نبش في الذاكرة.. فصول في سير الأدباء»، في 160 صفحة من القطع المتوسط، يستعرض المؤلف علي فايع الألمعي حياة 9 كتاب سعوديين كان لكلّ منهم اهتمامه الخاص بشأن ثقافي مختلف عن الآخر، إذ أكد المؤلف في مقدمة الكتاب أنه لا يعرف الأسباب التي دعته لاختيار هذه الأسماء الأدبية تحديداً، لينبش ما يمكن نبشه من الذكريات والمواقف والأحداث، وأضاف أنّه وجد في هذه الأسماء الأدبية الكثير من الدروس والعبر، واكتشف أنّ هناك جوانب إنسانية تفوق الكتابة في أحايين كثيرة.

الكتاب يغوص في تفاصيل حياة هؤلاء الأدباء الذين اختلفت مواهبهم ما بين شاعر وروائي وكاتب، وباحث. وقدّمت هذه الأسماء بأكبرهم سناً بحسب تاريخ الميلاد، وهم الباحث محمد حسن غريب والأديب أحمد بن حامد المساعد والأديب علي الحسن الحفظي والشاعر إبراهيم طالع الألمعي والأديب إبراهيم ماطر الألمعي والشاعر أحمد عبدالله عسيري والأديب علي إبراهيم مغاوي والباحث أنور محمد آل خليل والروائي عمرو العامري.


اعتمد المؤلف في كتابه على النبش في طفولة هؤلاء الأدباء، إضافة إلى التدرج في الحياة، وعلاقة كلّ منهم بالتعليم، والقراءة، والكتابة الأدبية، كلّ في مجاله، إضافة إلى رصد العديد من المواقف والأحداث في حياة كلّ منهم.

ولعلّ ما يبرز في هذا الكتاب شغف هؤلاء الأدباء بالقراءة، إذ يصرف الأديب محمد حسن غريب في بداية حياته الوظيفية نصف راتبه البالغ وقتها 300 ريال في شراء الكتب الأدبية والتاريخية،

فيما تولدت فكرة اقتناء الكتب عند الأديب أحمد حامد المساعد في سن الشباب المبكر فاشترى كتباً في الأدب الشعبي، وسافر إلى الرياض في عام 1376هـ ليعمل في فرن تميس بعد أن ترك الدراسة، ويتحول بعدها إلى مدينة جدة عاملاً في مطابع الأصفهاني ويتعرف هناك على حسن قزاز وعبد القدوس الأنصاري وعبد الفتاح أبو مدين ومحمد حسين زيدان الذي أملى عليه مقالته لأنه لا يستطيع الكتابة بالقلم، إضافة إلى أسماء كبيرة كـ«عبدالله الجفري، وأبو تراب الظاهري، وآخرين».

أما الأديب علي الحسن الحفظي فقد كانت علاقته بتأسيس نادي أبها الأدبي عام 1399هـ الأبرز في خدمة الثقافة والأدب في منطقة عسير، إذ كان أميناً للسرّ في النادي، فيما أكسبه عمله في النشاط الثقافي في تعليم عسير مديراً للنشاط الطلابي أن غنى له طلال مداح إحدى قصائده الوطنيّة.

فيما صدم «الراديو» الشاعر إبراهيم طالع الألمعي في طفولته، وظلّ يتساءل لسنوات بعد دخوله القرية عن هذا الجهاز الذي يُسمعه ما لا يراه، إضافة إلى تعليمه الذي وصفه بأنه تمّ بناء على سبب براجماتي، إذ كان والده أمياً والقرية أميّة، وكان والده يريد من ابنه أن يكتب له الرسائل مما جعله يهتمّ به أكثر، فصار يكتب من الصف الأول ما يمليه عليه والده!

إضافة إلى تعرفه على الكتب في مكتبة معهد الإدارة بعد أن كان أغلبها ممنوعاً من التداول، مثل «رأس المال» لكارل ماركس، وكتاب «طوق الحمامة» لابن حزم، وانتهت هذه الحماسة باستعارته كتاب «طوق الحمامة» ولم يعده.

أما الأديب إبراهيم ماطر الألمعي فسيتذكر أصدقاء الدراسة في طفولته، ومنهم الخطاط خير الله عزيز الله تركستاني الذي باعت منظمة «اليونسكو» مليون نسخة من إحدى لوحاته الخطيّة، لكنّ الحياة انتهت به بائع أحذية في الأسواق القديمة في الطائف.

الشاعر أحمد عسيري تشكلت ثقافته على صورة الورق الأصفر (التغريبة الهلالية) الذي يحتفظ به عمّه، وكان لا يقبل أن ينام دون أن يهلل ويستبشر بفوز «ذياب بن غانم» في أغلب المعارك التي يخوضها. وصف عسيري طفولته بأنه من جيل «لك اللحم ولي العظم» وجيل التلقين القاتل الذي لا يصنع معرفة، جيل كانت مقاعد الدراسة بالنسبة له تعني المعاناة والترحال اليومي عبر الأودية والطرق الوعرة والوحوش المؤذية.

أما الأديب علي مغاوي فقد تهادت أحلامه في مدينة الرياض، فعمل حمالاً في شحن مطار الرياض القديم، وسائق سيارة أجرة، إضافة إلى الدراسة الجامعية التي أكملها في جامعة الرياض، وانغمس في ما بعد في الكتابة والتأليف والإرشاد السياحي الذي أصبح واحداً من رواده في المملكة العربية السعودية.

فيما انطلق الأديب أنور آل خليل في حياته من المدرسة الرحمانية التي تعرّف فيها على المسرح والرسم التشكيلي وفن الإلقاء ثم انطلق بعد ذلك في رحلات استكشافية لمدينة أبها ثم منطقة عسير فالمناطق المجاورة لها، ليصبح اليوم واحداً من أهمّ من يرجع إليه الباحثون في تاريخ المنطقة وذاكرتها البصريّة الأبرز.

وتبرز الشخصية الأدبية الأخيرة في هذا الكتاب بوصف صاحبها الروائي عمرو العامري «أدميرالاً» يخدش الفراغ الكبير بحرف، عاش فقيراً معدماً، يذهب ماشياً مع عمه في مدينة الرياض من «الصندقة» التي يسكن فيها بثوب واحد طوال العام، وجزمة شبه ممزقة، وكتب يتلفها المطر في الشتاء ومع ذلك لم ينكسر رغم الفاقة، ليتعلم ويلتحق بالقوات البحرية ويكون في ما بعد ضابطاً في القوات البحرية سافر إلى باكستان وأمريكا وفرنسا وكتب العديد من المجموعات القصصية والروايات.