-A +A
فتحي عطوة ـ القاهرة
في الحلقة الماضية رأينا كيف أن خلافات مشرف مع خصومه واغتيال بنظير بوتو وأحداث المسجد الاحمر بالاضافة الى إقالة القضاة، فتحت الطريق واسعا أمام تنحي الرئيس برويز مشرف وإنهاء حياته السياسية، لاسيما أن القرارات التي اتخذت في معالجة هذه القضايا الهامة لم تكن صائبة بحسب العديد من المراقبين الدوليين، مما خفف الدعم الخارجي له وخصوصا من قبل الولايات المتحدة الامريكية، رغم أنه كان أحد أهم الداعمين لها في ما يسمى الحرب ضد الارهاب.
ومن الانصاف للرئيس المستقيل أن نقول إن خياراته في دعم ما سمي بالحرب على الإرهاب إبان غزو أفغانستان كانت محدودة للغاية، فالرئيس الأمريكي قد أعلن أن من ليس معنا فهو ضدنا، والرئيس مشرف خشي أن تلعب الهند على هذا الوتر لو رفض مشرف دعم واشنطن. ولذلك لعبت باكستان دورا لوجستيا واستخباراتيا رئيسيا في هذه الحرب تجنبا لتحالف أمريكي هندي ضد باكستان يطيح بها مع طالبان وأملا في التعجيل في إنهاء الحرب بأسرع وقت وأن يكون لباكستان دور في صناعة المستقبل الأفغاني.

الحرب على الارهاب
وجدت باكستان نفسها منخرطة في الحرب بشكل مباشر، فقام مشرف بنشر أكثر من 70 ألف جندي من قواتها على الحدود الأفغانية لأول مرة في تاريخها ثم بدأت في تعقب فلول عناصر طالبان والقاعدة خاصة في المناطق الحدودية ثم في المدن الباكستانية المختلفة وسلمت نحو 500 طالباني ومن تنظيم القاعدة لواشنطن، ليتم نقلهم جميعا الى قاعدة جوانتانامو في كوبا.
ولم يكن من خيار أمام باكستان سوى متابعة الحرب والوقوف بجانب واشنطن فبدأت في مواجهة الحركات والمنظمات القريبة من طالبان داخل باكستان، وحظرت سبع منظمات جهادية، واعتقلت قادتها وزعماءها والمئات من عناصرها ووضعت عددا آخر من الحركات الإسلامية تحت الرقابة، كما دخلت في مواجهة مع المنظمات المحظورة وبات الوضع الأمني الداخلي مثيرا للقلق، وأصبح من الواضح أن باكستان تخوض حربا على كافة الصعد جلبت لها الكثير من الانتقاد الداخلي لسياسة التحالف التي انتهجها الرئيس مشرف مع الولايات المتحدة والذي بدأ تحالفا من طرف واحد، خاصة عندما استغلت الهند الأجواء الدولية لمحاربة الإرهاب وحشدت قواتها على الحدود الباكستانية دون أن تقدم الولايات المتحدة أي إشارة لكبح جماح الهند وردعها عن الاعتداء على باكستان المنشغلة على حدودها الغربية مع أفغانستان في تعقب طالبان والقاعدة.
خسائر بمليارات الدولارات
إذا ما تحدثنا بلغة الأرقام فقد تسبب وقوف باكستان الى جانب الولايات المتحدة الامريكية في حربها على افغانستان بخسائر مادية زادت عن عشرة مليارات دولار، فمع أجواء الحرب لم يقف الأمر عند هروب المستثمرين الأجانب وإنما تعداه إلى إلغاء الكثير من العقود التي كانت موقعة مع المنتجين الباكستانيين نظرا لاعتقاد المستوردين بأنهم لن يكونوا قادرين على الوفاء بوعودهم مع استمرار الحرب، وجمدت الكثير من الصفقات وتوقف دفع الكثير من المستحقات من الشركات الغربية للمصدرين الباكستانيين تحسبا لوقوع أزمة اقتصادية لن تكون باكستان قادرة معها على الوفاء بواجباتها أو سداد مستحقاتها وحتى إعلان إفلاسها.
ولكن بعد عامين من أحداث سبتمبر تمكنت باكستان بفضل إعادة جدولة ديونها وتقديم قروض جديدة من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية من رفع رصيدها من العملات الخارجية محققة رقما قياسيا بتجاوز رصيدها من العملات الأجنبية 11 مليار دولار، وتعود هذه الطفرة لعدة أسباب أهمها: إعادة جدولة الديون بما سمح لباكستان تأجيل سداد ديونها لعدة سنوات، والقروض الجديدة التي منحتها مؤسسات النقد الدولي والتي تجاوزت ملياري دولار، وشراء الحكومة العملات الصعبة من الأسواق المحلية، وإعفاء بعض الدول شيئا من ديونها على باكستان مثل الولايات المتحدة التي أسقطت مليار دولار، وتراجع الديون الخارجية من 38 مليار دولار إلى 35 مليار دولار ولكن ذلك لم يعفها من عبء الديون الضخمة التي أثقلت عاتقها.
ورغم هذا لم يكن التحالف مع الغرب في الحرب على الإرهاب بدون ثمن، ومن الملاحظ هنا أن سياسات مكافحة الإرهاب قد أدت إلى تمديد الأهداف الإرهابية داخل باكستان، بدلا من تحييد واحتواء القتال في المناطق القبلية.
وقد قدر إجمالي الخسائر البشرية في باكستان خلال الأعوام 2003-2007 بنحو 6770، وتم تسجيل 1579حادثة عنف طائفي أدى إلى 997 إصابة خلال الفترة من 1989 - 2000. كما تعرضت جميع الآليات المستخدمة لمكافحة الأنشطة الإرهابية لهجوم من قبل الإرهابيين، حيث لم تكن قوات الأمن وحدها المستهدفة فحسب، بل كانت الجيرغا (الجمعية التقليدية لزعماء القبائل، التي شكلت لطرد المسلحين) مستهدفة أيضا.
التهدئة مع الهند
من ناحية أخرى وفي محاولة من الرئيس مشرف للتهدئة ورسم سياسة خارجية براجماتية سعى من خلالها لرسم سياسة خارجية جديدة لباكستان، فنظر مشرف الى صراع بلده مع الهند على أنه صراع سياسي وليس عقائديا وهو بهذا يشكل نموذجا للاعتدال الذي منح باكستان دعما من قبل الولايات المتحدة كما انه أوجد قنوات اتصال عديدة مع الهند التي وجدت في مشرف الرجل الأكثر قدرة على التعامل معها بروح من الثقة، التي ظلت مفقودة طوال سنين، فزار الهند عام 2001، وأسفرت تلك الخطوة عن صراع مشرف مع الأحزاب والجماعات الإسلامية الذي صار دمويا وقاسيا بعد ان كان لا يتجاوز المحافل الخطابية والمهرجانات الأدبية والندوات الدينية والسياسية، وعمل مشرف على تطهير الجيش من العناصر المتطرفة المؤيدة للإسلاميين أو طالبان، وأبعد خطر الانقلاب بتقريبه أهل الثقة في المؤسسة العسكرية، لينجح مشرف في جعل بلده عنصرا هاما للتوازن في المنطقة، وكحليف مستقبلي لا تحوطه محاذير. وفي كل الأحوال بدا مشرف فعلا في دائرة الحلفاء الأكثر قربا من واشنطن بمساهمته في إطاحة حركة طالبان أو في إلقاء القبض على أعضاء من تنظيم القاعدة في باكستان وتسليمهم إلى السلطات الأمريكية، وهو ما أثار حملة استهجان واسعة بين الباكستانيين بسبب ذلك، كما عبرت الهند عام 2004 عن شعورها بالاحباط لقرار الولايات المتحدة رفع مستوى علاقتها بباكستان، دون إخطار دلهي مسبقا بذلك. وقال بيان لوزارة الخارجية الهندية حينذاك إن قرار واشنطن رفع مستوى العلاقات مع اسلام آباد إلى درجة حليف رئيسي من خارج حلف الأطلسي سيكون له انعكاساته على العلاقات الهندية الأمريكية.