أهبطت من عليائي؟
أم أتيت من قبري؟
لا أعرف كيف أتيتُ ومتى جئتُ، ولماذا حطّت قدماي من جديد على أرضٍ خلت من أحيائها وكائناتها.. وإلى أين أمضي..!
صار الصمتُ حديث الشوارع والطرقات والأزقة التي أزدحمت ذات قرون بشدو الأغاني وصخب الآهات وحسرات الصبايا المتسكعات على الأرصفة ينتظرن بلهفة عشاقهن القادمين كفرسانٍ على صهوات الخيال.
هالني ما رأيتُ...
وتعثرت قدماي بجثث الصمت مرميةً عند أبواب البيوت المتكسرة، وعلى شطآن البحار المتبخرة وحفافي الأنهار الجافة، وشممت رائحتها وهي تتلظى بنيران اللهفة المتكئة خلف النوافذ المغلقة..
كنت ألتاثُ فزعاً في طرقات الكون أبحث عن الحيّ الذي ولد فيه ذات ليلةٍ حب عنيف بين أبي وأمي..
فلم أجد الفراش البارد الذي ضمني جنيناً، بل هالني أن رأيت خرائب ذاتي وتداعيات إحساسي ومُزق أفكاري معلّقة على مشجبٍ في ركن قصي معتم في جوف البيت الذي تعلمت فيه لغتي الأولى.
سألت نفسي: ما الذي حدث؟
هل أنا على كوكب الأرض أم نجم في السماء بلا بشر؟
تذكرت قبل أن أغادر هذا الكوكب إلى قبري أن لي صديقا حائراً مولعاً بالتأمل وقول الشعر..
فغذذّت السير كمشّاءٍ عطشٍ حتى الثمالة يبحث عن طريدة شهية، في طرقاتٍ خلت إلاّ من رائحة الفناء.. وصرت أعتلي في متاهاتها وأسبح في ضباب فضائها وألهث على ربواتها يتصببُ مني مائي المالح، حتى وجدتني على قمة جبل أولمب مغرقاً في سيول الأضواء القادمة من ثقوبٍ في السماء.
رأيته هناك متكئً بذراعيه على طاولة حجرية والكأس الصهباء بين يديه.. ينظر في المدن المترامية الغافية تحت قمة الجبل بحنينٍ جارفٍ وشجن يتسلل تحت أجفانه كما يتسلل الدمع من عيني طفلٍ..
صحت جذلاً:
.... «أوفيد يا صاحبي..!»
فزعاً التفت وارتعد وهو ينظر إلي:
.... («لقد تركتك ياكوفيد يا (مسخ الكائنات) عند أطراف المدينة تسعى في خرائبها، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ألم تشبع بعدُ من التهاماتك الشرهة كي تأتي إلي؟.. من أين لك أن تفهم (فن الهوى) كي تعتلي قمتي هذه؟».
مد لي كأساً مترعة، حسبتها نهراً مصبوباً من علٍ، وطلب مني أن أبتعد عنه مسافة أمتارٍ وأرتشف كأسي وأغادر بعدها وأن لا أنظر إلى أفكاره الراقصة التي يتأملها في فضاء المدينة المعتمة الجاثية تحت قدميه.
ثم تلفع بقناعٍ شفافٍ رميت به إليه.
تجلجلت ضحكتي الخرقاء مدويةً في الأرجاء عندما انتشيت بخمرة أوفيد القوية وتبخّرتُ عندها إلى ذراتٍ صغيرة متناهية لا ترى بعيني صاحبي الثاقبة وتسَاقَطتْ عليه أقنعتي كلها بغتةً كغماماتٍ زرقاء، فحجبت عنه حواسه رمّتها وامتلأت كؤوسه بجثث الصمت في توابيتها.
أم أتيت من قبري؟
لا أعرف كيف أتيتُ ومتى جئتُ، ولماذا حطّت قدماي من جديد على أرضٍ خلت من أحيائها وكائناتها.. وإلى أين أمضي..!
صار الصمتُ حديث الشوارع والطرقات والأزقة التي أزدحمت ذات قرون بشدو الأغاني وصخب الآهات وحسرات الصبايا المتسكعات على الأرصفة ينتظرن بلهفة عشاقهن القادمين كفرسانٍ على صهوات الخيال.
هالني ما رأيتُ...
وتعثرت قدماي بجثث الصمت مرميةً عند أبواب البيوت المتكسرة، وعلى شطآن البحار المتبخرة وحفافي الأنهار الجافة، وشممت رائحتها وهي تتلظى بنيران اللهفة المتكئة خلف النوافذ المغلقة..
كنت ألتاثُ فزعاً في طرقات الكون أبحث عن الحيّ الذي ولد فيه ذات ليلةٍ حب عنيف بين أبي وأمي..
فلم أجد الفراش البارد الذي ضمني جنيناً، بل هالني أن رأيت خرائب ذاتي وتداعيات إحساسي ومُزق أفكاري معلّقة على مشجبٍ في ركن قصي معتم في جوف البيت الذي تعلمت فيه لغتي الأولى.
سألت نفسي: ما الذي حدث؟
هل أنا على كوكب الأرض أم نجم في السماء بلا بشر؟
تذكرت قبل أن أغادر هذا الكوكب إلى قبري أن لي صديقا حائراً مولعاً بالتأمل وقول الشعر..
فغذذّت السير كمشّاءٍ عطشٍ حتى الثمالة يبحث عن طريدة شهية، في طرقاتٍ خلت إلاّ من رائحة الفناء.. وصرت أعتلي في متاهاتها وأسبح في ضباب فضائها وألهث على ربواتها يتصببُ مني مائي المالح، حتى وجدتني على قمة جبل أولمب مغرقاً في سيول الأضواء القادمة من ثقوبٍ في السماء.
رأيته هناك متكئً بذراعيه على طاولة حجرية والكأس الصهباء بين يديه.. ينظر في المدن المترامية الغافية تحت قمة الجبل بحنينٍ جارفٍ وشجن يتسلل تحت أجفانه كما يتسلل الدمع من عيني طفلٍ..
صحت جذلاً:
.... «أوفيد يا صاحبي..!»
فزعاً التفت وارتعد وهو ينظر إلي:
.... («لقد تركتك ياكوفيد يا (مسخ الكائنات) عند أطراف المدينة تسعى في خرائبها، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ألم تشبع بعدُ من التهاماتك الشرهة كي تأتي إلي؟.. من أين لك أن تفهم (فن الهوى) كي تعتلي قمتي هذه؟».
مد لي كأساً مترعة، حسبتها نهراً مصبوباً من علٍ، وطلب مني أن أبتعد عنه مسافة أمتارٍ وأرتشف كأسي وأغادر بعدها وأن لا أنظر إلى أفكاره الراقصة التي يتأملها في فضاء المدينة المعتمة الجاثية تحت قدميه.
ثم تلفع بقناعٍ شفافٍ رميت به إليه.
تجلجلت ضحكتي الخرقاء مدويةً في الأرجاء عندما انتشيت بخمرة أوفيد القوية وتبخّرتُ عندها إلى ذراتٍ صغيرة متناهية لا ترى بعيني صاحبي الثاقبة وتسَاقَطتْ عليه أقنعتي كلها بغتةً كغماماتٍ زرقاء، فحجبت عنه حواسه رمّتها وامتلأت كؤوسه بجثث الصمت في توابيتها.