كان يتحدثُ عن كل شيء وفي كل شيء ! وأخطر ما في الأمر حين يشغرُ فاه وتتدلّى سيمفونية صوته مع تقاطع أنفاس أنفه، ويبقى في طرف شدقيه بعد صراخه بقايا من ريقه.
كانوا في كل مرّة يعطيهم محاضرة موعظة، نصيحة يمرّرون أصابعهم في أقاصي أفواههم ويتظاهرون بإزالة الزائد البغيض منها، وهو يكمل الصراخ، ويكبر ماء ريقهِ الذي يتقاطر على ذقنه الكثّ!
لديه لزمة لا ينفكّ يكررها وهي: جاءني من «طرف علم» وكلها عن الغيبيات وحكايات الجن والموت وما قبله وبعده، باختصار كانت له هيبة واعظ، نظرة إمام، عقل مجنون ولكن بعد ثرثرته هذه يطلقون الساق تلو الساق حول شرفة غرفتهم في سكنهم الجامعي يمارسون بعض الشقاوة بعيدا عن عينيه الحادتين اللتين يرمقهم بها صباح مساء...
ذات عصرية وعلى حسب علمهم من طرف علم وهذه كانت شفرته بينهم أنه مسافر خارج المدينة، غرفتهم في السكن تحتها مصرف والناس يأتون ويذهبون هنا، قفز عطية ليتشاور مع صديقه جمعان في حيلة يضيّعون وقتهم، أخذوا أكياسا خالية من مركز النوري للمواد الغذائية -بعد عشاء ناشف كحلوقهم- ويملأونها بالماء وتتساقط من شبّاكهم على رؤوس المارين من عند المصرف، يختبئون عن الأنظار وما بين منظر الأكياس وهي تهوي أرضا وأحلام الغربة عن قراهم كبالونة ترتفع قليلا إلى السماء ثم تسقط ! ضاحكين بعد أن يجلدوا بسياط السباب وسماع مجلّدِ الشتائم المكاوية ! وما أن يأتي الليل يجتمع عطية وجمعان وطلال وسعدي وخالد عند الشرفة بعد مشادّة من إثر لعبة البلوت، هذه الشُرْفة المزال منها الساتر ويا ساتر على تلك الليلة: امرأة جميلة سمينة فاتنة لا تلبس من ثيابها إلا ما يستر... المهم أشغلتهم وأشغلوها، بالمصادفة سعدي كان معه منظار طويل يرى أدق التفاصيل، وبدأت سحابة باردة تلفح وجوههم الحارّة! حتى دخل «طرف علم» عليهم فجأة، وهم منهمكون لا يُسْمع منهم إلا صدى الآهات دهش كثيرا الغرفة لا أحد بها، بقايا الطعام، فناجين الشاي خالية إلا من أعقاب السيجارة ولعبة الشطرنج لم يبق على منصتها سوى حصان مقلوب، وماء أحمر يشبه لون التوت... امتدّت عيناه للشرفة وجد البناية التي أمامهم مكشوفة لأول مرّة، سار بخبث أخذ المنظار منهم بالقوة وهو يتوعّد ويربد ويزبد... أنقذهم من الموقف عطية قال: -
يا رجل اتقي الله، كنّا نتأكد من رجل من شرفة هذه البناية أوشك على الانتحار
- انتحار هاه دعني أرى؟ وصرخ والله صدقتم لا إله إلا الله...
وخرج من الغرفة مسرعا وهم يتنفسون الصعداء مطبطبين على كتف عطية بهذه الحيلة كعادته، لكن جمعان شاهد تحت البناية حركة مرورية غير عادية وتجمهرا كبيرا وقال:
يا شباب تصدقون إنه فعلا فيه حادث سير
قال خالد بعد أن أخذ المنظار منه:
للأسف إنه حادث لصديقنا عازب الذي تعودنا رؤيته عند مطعم «الطع 100»
ذرف سعدي دمعا وقال:
قبل يومين كان يحدثني أنه اشتاق كثيرا لأمه...
وعادوا للغرفة في حزن شديد يتذكرون من فقدوا عامها الماضي.
كانوا في كل مرّة يعطيهم محاضرة موعظة، نصيحة يمرّرون أصابعهم في أقاصي أفواههم ويتظاهرون بإزالة الزائد البغيض منها، وهو يكمل الصراخ، ويكبر ماء ريقهِ الذي يتقاطر على ذقنه الكثّ!
لديه لزمة لا ينفكّ يكررها وهي: جاءني من «طرف علم» وكلها عن الغيبيات وحكايات الجن والموت وما قبله وبعده، باختصار كانت له هيبة واعظ، نظرة إمام، عقل مجنون ولكن بعد ثرثرته هذه يطلقون الساق تلو الساق حول شرفة غرفتهم في سكنهم الجامعي يمارسون بعض الشقاوة بعيدا عن عينيه الحادتين اللتين يرمقهم بها صباح مساء...
ذات عصرية وعلى حسب علمهم من طرف علم وهذه كانت شفرته بينهم أنه مسافر خارج المدينة، غرفتهم في السكن تحتها مصرف والناس يأتون ويذهبون هنا، قفز عطية ليتشاور مع صديقه جمعان في حيلة يضيّعون وقتهم، أخذوا أكياسا خالية من مركز النوري للمواد الغذائية -بعد عشاء ناشف كحلوقهم- ويملأونها بالماء وتتساقط من شبّاكهم على رؤوس المارين من عند المصرف، يختبئون عن الأنظار وما بين منظر الأكياس وهي تهوي أرضا وأحلام الغربة عن قراهم كبالونة ترتفع قليلا إلى السماء ثم تسقط ! ضاحكين بعد أن يجلدوا بسياط السباب وسماع مجلّدِ الشتائم المكاوية ! وما أن يأتي الليل يجتمع عطية وجمعان وطلال وسعدي وخالد عند الشرفة بعد مشادّة من إثر لعبة البلوت، هذه الشُرْفة المزال منها الساتر ويا ساتر على تلك الليلة: امرأة جميلة سمينة فاتنة لا تلبس من ثيابها إلا ما يستر... المهم أشغلتهم وأشغلوها، بالمصادفة سعدي كان معه منظار طويل يرى أدق التفاصيل، وبدأت سحابة باردة تلفح وجوههم الحارّة! حتى دخل «طرف علم» عليهم فجأة، وهم منهمكون لا يُسْمع منهم إلا صدى الآهات دهش كثيرا الغرفة لا أحد بها، بقايا الطعام، فناجين الشاي خالية إلا من أعقاب السيجارة ولعبة الشطرنج لم يبق على منصتها سوى حصان مقلوب، وماء أحمر يشبه لون التوت... امتدّت عيناه للشرفة وجد البناية التي أمامهم مكشوفة لأول مرّة، سار بخبث أخذ المنظار منهم بالقوة وهو يتوعّد ويربد ويزبد... أنقذهم من الموقف عطية قال: -
يا رجل اتقي الله، كنّا نتأكد من رجل من شرفة هذه البناية أوشك على الانتحار
- انتحار هاه دعني أرى؟ وصرخ والله صدقتم لا إله إلا الله...
وخرج من الغرفة مسرعا وهم يتنفسون الصعداء مطبطبين على كتف عطية بهذه الحيلة كعادته، لكن جمعان شاهد تحت البناية حركة مرورية غير عادية وتجمهرا كبيرا وقال:
يا شباب تصدقون إنه فعلا فيه حادث سير
قال خالد بعد أن أخذ المنظار منه:
للأسف إنه حادث لصديقنا عازب الذي تعودنا رؤيته عند مطعم «الطع 100»
ذرف سعدي دمعا وقال:
قبل يومين كان يحدثني أنه اشتاق كثيرا لأمه...
وعادوا للغرفة في حزن شديد يتذكرون من فقدوا عامها الماضي.