لطالما ألهمنا الأمير عبدالرحمن بن مساعد بنصوصه المختلفة؛ عرفناه ضمن أجمل من كتب القصيدة الشعبية والمغناة، جيلنا كان من ذلك الذي دوّختْه «بنقترق» لعبادي، و«تعالي» طلال، و«برواز» أبو نورة، و«رحل» أصالة... إلخ.
جيلنا أيضاً حفظ نصوصه المكتظة بالمفارقات الشعرية المدهشة، وتأثر بذلك النَفس الواقعي السحري، لكنّ ابن مساعد يكتب الفصيح أيضاً، ولعل ظهوره فيه أصبح مكثفاً مؤخراً، حتى تحول لظاهرة شعرية تستحق النظر والدراسة. وهو يقودني للسؤال؛ هنا شاعر شعبي معروف، يختار أن يكتب قصائده بالفصحى، لماذا؟ وحين يفعل ماذا يحدث في التجربة الجديدة؟ هل تتميّز تجربته هذه عن سابقتها؟ ستحاول هذه المقالة الإجابة عن بعض هذه الأسئلة، من خلال النظر إلى اثني عشر نصاً فصيحاً لسموّه.
دعونا نتفق في البداية أن الموهبة الشعرية لا علاقة لها بالنوع الشعري الذي يعتمده الشاعر، هذا يعني أن مستوى الشاعرية لا يؤثر فيها اختيار الشاعر للفصيح أو الشعبي أو الغنائي أو غير ذلك. ما يحكم الشعر هو التجربة الشعرية، لذلك يكون الفرق بين الفصيح والشعبي مجردّ فرقٍ في النوع لا أكثر، وهكذا ذهب ناقدنا معجب الزهراني إلى أن الشعر الشعبي يمثّل «الامتداد العفوي للشعرية العربية». النصوص الفصحى التي كتبها سموه كثيرة لكنّ المقالة تكتفي بهذا العدد ليكون مدونة الدراسة، ولعلها تكون كافية للتحليل والتمثيل وإعطاء صورة معقولة عن سمات التجربة، وعن مدى نجاح المغامرة الفصيحة لشاعر شعبي.
مرايا الإيقاع
معروف أن بعض أوزان الشعر الشعبي تتفق مع أوزان الفصيح؛ مثل الصخري الذي يتفق مع الوافر، والمسحوب الذي يأتي على وزن البحر السريع، من هنا يساعد اتفاق بعض الأوزان على تقريب التجربة الشعرية، وقد نُظمتْ النصوص الاثنا عشر على البحور الخليلية، وكان نصيب بحر الوافر منها غالباً (ستة نصوص)، ويبدو أن سمو الأمير يرتاح لغنائية دائرة المختلف، فكان الطويل هو البحر الثاني بعد الوافر من حيث عدد النصوص (أربعة نصوص)، وجاءت قصيدة (اصعد بعزمك) معارضةً لمعلقة الأعشى (ودّع هريرة) على بحر البسيط:
اصْعَد بِعَزْمِكَ إنَّ المَجْدَ مُتَّصِلُ وهل تَمَلُّ صُعُودًا أيُّها البَطَلُ
وتبقى قصيدة (الفخر الأتم)، التي جاءت على الكامل، المحاولة الوحيدة للخروج -قليلاً- عن نسق الخليل، حين بناها على ثماني تفعيلات (أربع في كل شطر)، وهو ما لم يرد عند الخليل، إلا إن اعتبرنا الصورة المجزوءة من الكامل، حيث يضم البيت فيها أربع تفعيلات مقسومة على شطرين. لكنّ القصيدة لا تتبع نظام هذه الصورة، بعد تصريع البيت الأول، إذ تتكون أبياتها من ثماني تفعيلات:
لمحمدٍ/ تأوي المعا/لي خاضعا/تٍ ترتجي
أن تستزيــ/ــــد وجاهة/ ومكانة/ كيفاً وكم
ويتشكّل الإيقاع الداخلي للنصوص -وفقاً للموضوع والتجربة- من عدة أساليب وتقنيات، يأتي التكرار بأشكاله في مقدمتها: (مثل تكرار «سعوديون» في نص سحاب الله، وكذلك تكرار «مضيت» في مطلع نص مضيتُ إلى الخمسين، وضمير المخاطب «أنت» في مطلع نص أنت المأمول والأمل...). وهناك أيضاً الاعتماد على الجمل الاسمية في بداية الأبيات، واعتماد المقاطع الصغيرة، والتنّقل بين الضمائر (الالتفات). ويمكن أن نلاحظ غلبة أسلوب النداء، الذي يتكرر في النصوص بطرق مختلفة، حتى يمكن عدّه مفتاحاً من مفاتيح التجربة المساعدية الفصيحة (يا ابن الأكرمينا، أبا الضعفاء والأيتام، سلاماً أيها الوطن الأعز، ألا أيها المرجو). ولأن للنداء عدة وظائف بنيوية ودلالية، فإن النصوص تستفيد من هذه الوظائف بطرق مختلفة.
وعلى الرغم من أن القافية تمثل نقطة قوة في النصوص، بما تعطيه من نفس إيقاعي مميز (كما في نص سلاماً أيها الوطن الأعزُّ، مثلاً)، إلا أن بعض الأبيات تشتكي من الإقواء؛ ومن ذلك مثلاً الشطر القائل: (نرى التطويع دون الفتك عجزُ) وحق «عجز» النصب كما نرى، وهو ما لا يتسق مع إشباع الروي بالضم في باقي النص. (ومن ذلك أيضاً: أشد نوائب الدهر انتقامه، والروي مفتوح الحركة).
رأى حسين بافقيه أن النص العامي يضعنا «أمام نموذج لغوي حي، وذلك لكونه مرتبطاً بلغة ثائرة لا تستند مرجعيتها إلى تلك المحظورات اللغوية، كما في الفصحى». وإن كانت هذه مزيةً توفرها العامية لشعرها، فإنها تمثّل تحدياً لشاعرها الذي يقرر الخوض في غمار الفصحى ثانية، خصوصاً بعد أن تمرّس في الشعر الشعبي لسنين طويلة، حتى عرف به. ولغة النصوص الفصيحة عند شاعرنا سليمة غالباً، لكنها متأثرة بتلك المرونة (الثائرة) التي تكفلها العامية، من هنا مالت لغة النصوص أحياناً إلى البساطة، واقتربت من اليومية البيضاء.
وبعيداً عن اللغة فيمكن ملاحظة تأثير المرجعية الشعبية في روح بعض النصوص كذلك. وهذا ليس غريباً، فإن خروج الشاعر من مجال خبرته إلى تجربة جديدة يضعه أمام تحديات نوعية، لعل أهمها الافتقار للمرونة، وضيق الإطار، ما يضع الشاعر أمام مشكلة التوفيق بين الأفكار وطريقة صياغتها. تأثير هذا التحدي ظهر جلياً على مستوى الشعرية المتباين بين الصعود والهبوط في النصوص. والشعرية في النص مرهونة بالخصائص والسمات الجمالية التي تجعل من نص ما نصاً أدبياً -وفقاً لتعبير ياكبسون-، لكن النصوص عانت في مواضع عدة من النثرية والمباشرة والتقريرية والحشو (لغرض ضبط الوزن في الغالب). ويظل السؤال: هل كُتبتْ هذه النصوص (أو معظمها) لهدف الغناء؟ أعتقد أن هذه الفرضية يمكن أن تؤثر في فهم الأبعاد والعوامل خلف إنتاج النصوص حينها.
الصورة عند شاعر الصورة
كذلك كانت الصور الفنية بسيطة غير معقدة، تلتزم حدود البيت الواحد غالباً، والصورة واحدةٌ من أهم ميّزات النسخة الشعبية من شعر ابن مساعد، حيث عودنا على صوره المركبة والمدهشة (انظروا لشبيه الريح، وملّيت، ومذهلة...)، لكنّ الصورة في النصوص الفصيحة أقلّ قوة، وقد يعود ذلك لجدّة التجربة، من جهة، ولأن الصورة الحديثة تعتمد كثيراً على استثمار طاقات الاستعارة نقضاً وتضفيراً، وهذا ما تفتقده النصوص. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظهرت صور لافتة، من ذلك قوله في نص «سلمان الشهامة»:
أرى كربات خلق الله صرعى صنائعُ جودِه ترمي سهامه
الدلالة: وتد الخيمة الفصيحة
ما تقصر عنه الصورة -نوعاً ما- في فصيح بن مساعد، تعوّضه الحكمة والمعاني الجميلة في هذه النصوص؛ نعم، قد لا تخلو معظم النصوص من التقريرية، والمباشرة، والشعاراتية أحياناً (وهذه سمات تضيق بها الشعرية كما هو معروف)، وربما يعود هذا لأن معظم النصوص تراوِح بين المديح والفخر، وقد كتبت في ظروف معينة، ولأهداف معينة، لكنّ هذه النصوص تضم عدداً كبيراً من اللمحات الدلالية الشعرية العميقة أيضاً:
يخيف حسامه في الغمد كوناً فكيف بسلّه يوماً حسامه؟
المعنى جميل وشعري هنا، ويكتسب جمالية أكثر بتكرار كلمة (حسامه) في الشطرين كما نلاحظ، ويصبح المعنى أكثر إشراقاً حين نفكر في الربط بين السطوة التي يقف الكون كله أمامها وبين الحسْم المتضمن في دلالة (الحسام)، لأنه ممدوح مهاب، ومصدر هذه الهيبة ليس اقتناؤه الحسام، ولكنْ حسمه في سلّه متى احتاج الأمر.
ومن المعاني الشعرية الجميلة والجديدة قوله في نص (إليه انتهاء المجد):
ألا أيها «الأبطال» أجمعُ عامداً لمثلك أنت الجمعُ لو كنتُ مفردا
أعتقد أن كثيرين يتفقون معي في رشاقة اللعبة اللغوية الجمالية هنا (جمع المفرد والتبرير)، وهي لعبة يتقنها بن مساعد حتى في نصوصه الفصيحة، فيقول: تأخر حتى نستطيب بجذره/ومن طيب بعض القول تأخير مبتدا، ويقول: تَرَّبَعْ يا هلالُ على الثُريّا/ لكَ الألقابُ تأتي بالتوالي... حسناً، قد لا يرى جمال هذا البيت الأخير إلا من كان أزرق القلب.. مثل سموّه، والحمد لله.. ملوّن القلوب والأبصار..!
جيلنا أيضاً حفظ نصوصه المكتظة بالمفارقات الشعرية المدهشة، وتأثر بذلك النَفس الواقعي السحري، لكنّ ابن مساعد يكتب الفصيح أيضاً، ولعل ظهوره فيه أصبح مكثفاً مؤخراً، حتى تحول لظاهرة شعرية تستحق النظر والدراسة. وهو يقودني للسؤال؛ هنا شاعر شعبي معروف، يختار أن يكتب قصائده بالفصحى، لماذا؟ وحين يفعل ماذا يحدث في التجربة الجديدة؟ هل تتميّز تجربته هذه عن سابقتها؟ ستحاول هذه المقالة الإجابة عن بعض هذه الأسئلة، من خلال النظر إلى اثني عشر نصاً فصيحاً لسموّه.
دعونا نتفق في البداية أن الموهبة الشعرية لا علاقة لها بالنوع الشعري الذي يعتمده الشاعر، هذا يعني أن مستوى الشاعرية لا يؤثر فيها اختيار الشاعر للفصيح أو الشعبي أو الغنائي أو غير ذلك. ما يحكم الشعر هو التجربة الشعرية، لذلك يكون الفرق بين الفصيح والشعبي مجردّ فرقٍ في النوع لا أكثر، وهكذا ذهب ناقدنا معجب الزهراني إلى أن الشعر الشعبي يمثّل «الامتداد العفوي للشعرية العربية». النصوص الفصحى التي كتبها سموه كثيرة لكنّ المقالة تكتفي بهذا العدد ليكون مدونة الدراسة، ولعلها تكون كافية للتحليل والتمثيل وإعطاء صورة معقولة عن سمات التجربة، وعن مدى نجاح المغامرة الفصيحة لشاعر شعبي.
مرايا الإيقاع
معروف أن بعض أوزان الشعر الشعبي تتفق مع أوزان الفصيح؛ مثل الصخري الذي يتفق مع الوافر، والمسحوب الذي يأتي على وزن البحر السريع، من هنا يساعد اتفاق بعض الأوزان على تقريب التجربة الشعرية، وقد نُظمتْ النصوص الاثنا عشر على البحور الخليلية، وكان نصيب بحر الوافر منها غالباً (ستة نصوص)، ويبدو أن سمو الأمير يرتاح لغنائية دائرة المختلف، فكان الطويل هو البحر الثاني بعد الوافر من حيث عدد النصوص (أربعة نصوص)، وجاءت قصيدة (اصعد بعزمك) معارضةً لمعلقة الأعشى (ودّع هريرة) على بحر البسيط:
اصْعَد بِعَزْمِكَ إنَّ المَجْدَ مُتَّصِلُ وهل تَمَلُّ صُعُودًا أيُّها البَطَلُ
وتبقى قصيدة (الفخر الأتم)، التي جاءت على الكامل، المحاولة الوحيدة للخروج -قليلاً- عن نسق الخليل، حين بناها على ثماني تفعيلات (أربع في كل شطر)، وهو ما لم يرد عند الخليل، إلا إن اعتبرنا الصورة المجزوءة من الكامل، حيث يضم البيت فيها أربع تفعيلات مقسومة على شطرين. لكنّ القصيدة لا تتبع نظام هذه الصورة، بعد تصريع البيت الأول، إذ تتكون أبياتها من ثماني تفعيلات:
لمحمدٍ/ تأوي المعا/لي خاضعا/تٍ ترتجي
أن تستزيــ/ــــد وجاهة/ ومكانة/ كيفاً وكم
ويتشكّل الإيقاع الداخلي للنصوص -وفقاً للموضوع والتجربة- من عدة أساليب وتقنيات، يأتي التكرار بأشكاله في مقدمتها: (مثل تكرار «سعوديون» في نص سحاب الله، وكذلك تكرار «مضيت» في مطلع نص مضيتُ إلى الخمسين، وضمير المخاطب «أنت» في مطلع نص أنت المأمول والأمل...). وهناك أيضاً الاعتماد على الجمل الاسمية في بداية الأبيات، واعتماد المقاطع الصغيرة، والتنّقل بين الضمائر (الالتفات). ويمكن أن نلاحظ غلبة أسلوب النداء، الذي يتكرر في النصوص بطرق مختلفة، حتى يمكن عدّه مفتاحاً من مفاتيح التجربة المساعدية الفصيحة (يا ابن الأكرمينا، أبا الضعفاء والأيتام، سلاماً أيها الوطن الأعز، ألا أيها المرجو). ولأن للنداء عدة وظائف بنيوية ودلالية، فإن النصوص تستفيد من هذه الوظائف بطرق مختلفة.
وعلى الرغم من أن القافية تمثل نقطة قوة في النصوص، بما تعطيه من نفس إيقاعي مميز (كما في نص سلاماً أيها الوطن الأعزُّ، مثلاً)، إلا أن بعض الأبيات تشتكي من الإقواء؛ ومن ذلك مثلاً الشطر القائل: (نرى التطويع دون الفتك عجزُ) وحق «عجز» النصب كما نرى، وهو ما لا يتسق مع إشباع الروي بالضم في باقي النص. (ومن ذلك أيضاً: أشد نوائب الدهر انتقامه، والروي مفتوح الحركة).
رأى حسين بافقيه أن النص العامي يضعنا «أمام نموذج لغوي حي، وذلك لكونه مرتبطاً بلغة ثائرة لا تستند مرجعيتها إلى تلك المحظورات اللغوية، كما في الفصحى». وإن كانت هذه مزيةً توفرها العامية لشعرها، فإنها تمثّل تحدياً لشاعرها الذي يقرر الخوض في غمار الفصحى ثانية، خصوصاً بعد أن تمرّس في الشعر الشعبي لسنين طويلة، حتى عرف به. ولغة النصوص الفصيحة عند شاعرنا سليمة غالباً، لكنها متأثرة بتلك المرونة (الثائرة) التي تكفلها العامية، من هنا مالت لغة النصوص أحياناً إلى البساطة، واقتربت من اليومية البيضاء.
وبعيداً عن اللغة فيمكن ملاحظة تأثير المرجعية الشعبية في روح بعض النصوص كذلك. وهذا ليس غريباً، فإن خروج الشاعر من مجال خبرته إلى تجربة جديدة يضعه أمام تحديات نوعية، لعل أهمها الافتقار للمرونة، وضيق الإطار، ما يضع الشاعر أمام مشكلة التوفيق بين الأفكار وطريقة صياغتها. تأثير هذا التحدي ظهر جلياً على مستوى الشعرية المتباين بين الصعود والهبوط في النصوص. والشعرية في النص مرهونة بالخصائص والسمات الجمالية التي تجعل من نص ما نصاً أدبياً -وفقاً لتعبير ياكبسون-، لكن النصوص عانت في مواضع عدة من النثرية والمباشرة والتقريرية والحشو (لغرض ضبط الوزن في الغالب). ويظل السؤال: هل كُتبتْ هذه النصوص (أو معظمها) لهدف الغناء؟ أعتقد أن هذه الفرضية يمكن أن تؤثر في فهم الأبعاد والعوامل خلف إنتاج النصوص حينها.
الصورة عند شاعر الصورة
كذلك كانت الصور الفنية بسيطة غير معقدة، تلتزم حدود البيت الواحد غالباً، والصورة واحدةٌ من أهم ميّزات النسخة الشعبية من شعر ابن مساعد، حيث عودنا على صوره المركبة والمدهشة (انظروا لشبيه الريح، وملّيت، ومذهلة...)، لكنّ الصورة في النصوص الفصيحة أقلّ قوة، وقد يعود ذلك لجدّة التجربة، من جهة، ولأن الصورة الحديثة تعتمد كثيراً على استثمار طاقات الاستعارة نقضاً وتضفيراً، وهذا ما تفتقده النصوص. وعلى الرغم من ذلك، فقد ظهرت صور لافتة، من ذلك قوله في نص «سلمان الشهامة»:
أرى كربات خلق الله صرعى صنائعُ جودِه ترمي سهامه
الدلالة: وتد الخيمة الفصيحة
ما تقصر عنه الصورة -نوعاً ما- في فصيح بن مساعد، تعوّضه الحكمة والمعاني الجميلة في هذه النصوص؛ نعم، قد لا تخلو معظم النصوص من التقريرية، والمباشرة، والشعاراتية أحياناً (وهذه سمات تضيق بها الشعرية كما هو معروف)، وربما يعود هذا لأن معظم النصوص تراوِح بين المديح والفخر، وقد كتبت في ظروف معينة، ولأهداف معينة، لكنّ هذه النصوص تضم عدداً كبيراً من اللمحات الدلالية الشعرية العميقة أيضاً:
يخيف حسامه في الغمد كوناً فكيف بسلّه يوماً حسامه؟
المعنى جميل وشعري هنا، ويكتسب جمالية أكثر بتكرار كلمة (حسامه) في الشطرين كما نلاحظ، ويصبح المعنى أكثر إشراقاً حين نفكر في الربط بين السطوة التي يقف الكون كله أمامها وبين الحسْم المتضمن في دلالة (الحسام)، لأنه ممدوح مهاب، ومصدر هذه الهيبة ليس اقتناؤه الحسام، ولكنْ حسمه في سلّه متى احتاج الأمر.
ومن المعاني الشعرية الجميلة والجديدة قوله في نص (إليه انتهاء المجد):
ألا أيها «الأبطال» أجمعُ عامداً لمثلك أنت الجمعُ لو كنتُ مفردا
أعتقد أن كثيرين يتفقون معي في رشاقة اللعبة اللغوية الجمالية هنا (جمع المفرد والتبرير)، وهي لعبة يتقنها بن مساعد حتى في نصوصه الفصيحة، فيقول: تأخر حتى نستطيب بجذره/ومن طيب بعض القول تأخير مبتدا، ويقول: تَرَّبَعْ يا هلالُ على الثُريّا/ لكَ الألقابُ تأتي بالتوالي... حسناً، قد لا يرى جمال هذا البيت الأخير إلا من كان أزرق القلب.. مثل سموّه، والحمد لله.. ملوّن القلوب والأبصار..!