كشفت في أحدث دراسة متخصصة، عن اعتماد الجماعات الإرهابية على أساليب سياسية، واقتصادية، وشبهات لاستقطاب الشبان والفتيات عبر شبكات التواصل، وقدمت الدكتورة حنان ضاحي الضاحي أطروحة الدكتوراه للمعهد العالي للدعوة والاحتساب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان (أساليب الاستقطاب والتجنيد لدى المنظمات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي) وأشرف عليها وناقشها الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري مُقرراً، والدكتور نايف بن خالد الوقاع، والدكتور محمد بن خالد البداح، ودعت في بحثها الاستقصائي لتوظيف القوة الناعمة، والقدرات الاعلامية المتطورة والذكاء الاصطناعي والمواطن الرقمي لصد الهجمات عبر الفضاء السيبراني، وتعرية الفكر الإرهابي المعتمد أساليب سياسية منها الوعود بدولة الخلافة، وأساليب اقتصادية بالدندنة حول توزيع الثروات، إضافة للشبهات المعروفة عن الفكر المتطرف، وطالبت في مبادرتها بوضع آليات محدثة لتفعيل الرصد، وإزالة المحتوى، وتطوير قدرات المسؤولين والجهات المتخصصة لحماية الشباب من الانحراف الفكري وأكدت على نشر القرارات المرتبطة بالعدل بين الناس وإعلان قضايا مكافحة الفساد دون تمييز مناطقي أو عائلي أو مذهبي، والعمل بمبدأ الشفافية.. وإلى نص الحوار:
• هل يمكن ضبط مواقع التواصل الاجتماعي، لتفادي التجنيد الرقمي؟
•• ممكن ضبطها وقتياً، وليس على إطلاقه، كون هناك شركات معنيّة بإغلاقه، إلا أن المنظمات الإرهابية تعاود اختراقها، فالمنظمات تعمل على تحديث آلية العمل لديها بما تتيحه التقنية، فتراهم ينتقلون من وسيلة إلى أخرى، ومن تطبيق لآخر أكثر احترافية، لبث أهدافهم بكل احترافية تقنية لكسب الشباب وتجنيدهم.
• كيف يمكننا معرفة وتحديد الجماعات الإرهابية؟
•• يمكن تحديد المنظمات والجماعات المتطرفة والإرهابية، من خلال رصد وتتبع المواقع، وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه المنصات يمكن أن توفر معلومات مهمة حول ديموغرافية مجموعة أو جمهور وحجمها وهيكلتها التنظيمية وأنشطتها، ويمكن أن يقاس انتشار الدعم لقضايا متطرفة ضمن ديموغرافيا محددة وعمق هذا الدعم.
• ما أبرز أساليب الجماعات الإرهابية في الاستقطاب؟
•• من الأساليب ما هو سياسي كترويج فكرة دولة الخلافة الإسلامية العالمية، بنسبة تفوق ٤٪، ومنها أساليب اقتصادية كعدالة الاقتصاد عبر توزيع الثروة بما يقارب ٤٪.
• ما أكثر الأساليب فاعلية؟
•• منها نشر شبهات الجماعات الإرهابية دون إتاحة فرصة الرد أو النقاش، بما يقارب ٤.٢٧٪ ونشر حالة تهويم وتهويل، للسيطرة على أفكار ومشاعر الشباب بما يقارب ٤٪. ولكل منظمة وجماعة أهداف وخطط خاصة بها ومن خلال التحليل يمكن إبراز أهدافها.
• ما هي إضافة الأطروحة للمكتبة والمجتمع؟
•• إثراء المكتبة الجامعية بمحتوى علمي، تستفيد منه وزارة التعليم عموماً، والكليات الأمنية والعسكرية على وجه خاص. وموضوع الدراسة من المواضيع التي يمكن أن تدعم توجهات المملكة 2030 نحو المكافحة المستدامة للاستقطاب والتجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتكتسب الدراسة أهميتها في ظل ما يواجه المجتمع العربي عموماً، والمجتمع السعودي بشكل خاص من غزو فكري، يسعى للنيل من أمن الأوطان، وتقف وراءه دول ومنظمات وأجهزة استخبارية. ومهدت الأطروحة لدراسات مستقبلية تقوم بإكمال ما توصلت إليه هذه الدراسة من أبعاد مختلفة.
• لماذا اخترت هذا الموضوع لبحث الدكتوراه؟
•• كونه من الموضوعات التي كانت تتصدر اهتماماتي البحثية في دراستي الجامعية والعليا؛ لاكتشاف الأساليب الإرهابية المعتمدة على التطور التقني. وتبلورت الفكرة في رحم المعاناة، سيما أن أُسراً عديدةً في بلادنا لم تسلم من انتماء واحد من أقاربهم أو معارفهم إلى تلك المنظمات الإرهابية.
• كيف تتوقعين استقبال البحث عربياً وعالمياً؟
•• يحظى الموضوع بأهمية على المستوى العالمي، لاسيما في ظل بروز دور الحركات والمنظمات الإرهابية في الاستقطاب والتجنيد، وارتفاع عدد الفئات التي جُنِّدَت؛ للعمل في المنظمات الإرهابية، من خلال الاستقطاب والتجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة اتساع وانتشار الوسائل بين الناس بوجه عام، وبين الشباب بنوعيه، والأطفال على وجه الخصوص، وازدياد تمددها، وعدم انضباط تلك الوسائل، وتعاظم تأثيرها على فئات المجتمع. وامتلاك المنظمات الإرهابية نخبة على مستوى عالٍ في مجال أنظمة المعلومات، وهو نشاط نوعي خطير، يمكن أن يلحق أضراراً بالدين والوطن، وسرعة التطور الإجرامي التقني غير المحدود، وسهولة توظيف أدواته، وتجدد أنواعه باستمرار، وما يستتبع من تكلفة عالية لأساليب المكافحة من قبل الحكومات، والمتمثلة في الأجهزة: التعليم، والتدريب.
• بماذا نعوّل على إسهام البحث في ضربات استباقية؟
•• من خلال معرفة أساليب الاستقطاب والتجنيد لدى المنظمات الإرهابية ما ييسر للجهات المعنية في الدولة التعامل مع هذه المنظمات؛ للحد من انحرافاتها، وآثارها السلبية على المجتمعات والشعوب.
• ما هي ملاحظاتك خلال الدراسة؟
•• ضعف الاستثمار في مجالات البحوث العلمية؛ للمساهمة في مكافحة جرائم التقنية. وندرة علماء البيئة التقنية القادرين على الحوار بشكل تفاعلي ما يجذب الأفراد ويبعدهم عن خطابات الثورات والتطرف والعنف، بالرد على بعض النصوص، والتفسيرات المتطرفة.
• هل الاستقطاب يسبق التجنيد أم لا؟ وهل بينهما علاقة؟
•• نعم، عمليات الاستقطاب تسبق عملية التجنيد، فيحدث الاستقطاب، ثم قد لا ينجح التجنيد، فالاستقطاب هو عملية أولية، تتم من قبل المنظمات الإرهابية؛ لتؤهل الفرد لعمليات التجنيد التالية، وهذا يعني أنّ هناك علاقة تتابعية بين الاستقطاب والتجنيد، فالاستقطاب يمهد لعملية التجنيد التي تتبعه، وتقوم بناءً عليه، وبذلك فكلما كانت عمليات الاستقطاب دقيقة، تكون عمليات التجنيد ناجحة بدرجة أكبر، وهذا لا يعني نجاح عملية التجنيد للمستقطبين كافة، إذ يمكن أن يفشل التجنيد للمستقطبين؛ بسبب ضعف قدرات الشخص، أو عدم قدرته على الاحتمال، أو تمتعه بثقافة وحصانة فكرية ترفع لديه من وازع الضمير، والصحوة الفكرية، أو يحصل على مساعدة خارجية فكرية، أو نفسية، أو تأهيلية تبعده عن التجنيد، رغم أنّه مؤهلٌ للاستقطاب.
• ما الرابط بين التغرير والتجنيد؟
•• التجنيد عملية اختيار أفراد معينين؛ للعمل في منظمة، أو جهة معينة، كالمنظمات الإرهابية، وهذه العملية تستلزم بدايةً العمل على التغرير بأولئك الأفراد، من خلال تضليلهم وخداعهم بأهداف هذه المنظمة، إلى حين إقناعهم بتلك الأهداف؛ حتى يقبلوا بالعمل لدى المنظمة، بمعنى أنّ التغرير هو إحدى وسائل التجنيد، ومن ثم فالتغرير مرحلة سابقة على التجنيد.
• ما أوجه تمايز واختلاف المنظمات والجماعات الإرهابية؟
•• بينها تمايز كبير واختلاف فهناك هياكل هرمية وأخرى شبكية ولكل منها خصائص وسمات في طبيعة الهياكل من تدفق المعلومات، وضع وتنفيذ الأهداف، التواصل واتخاذ القرارات، تعدد الأيديولوجيات، الإدارة، التكيف مع التغيرات.
• ما أبرز المخاطر الواقعية التي توصّلت لها الدراسة؟
•• ظهر من خلال الدراسة أنّ تنظيم داعش هو التنظيم الأكثر خطورةً إعلامياً، والأكثر تأثيراً بين المنظمات الإرهابية على مر السنين العشر الأخيرة؛ إذ استفادوا بصورة غير مسبوقة من الثورة الإعلامية، وكانوا يقومون بتنفيذ عمليات اختراق، ضد أقوى الدول التي يواجهونها، والقوة الكبيرة للآلة الإعلامية لداعش تذهب لتأكيد العديد من التكهنات، منها أنه من المستحيل أن يكون هذا التنظيم مجرد تنظيم عبثي، بل هو تنظيم مدار من جهات دولية خفية. وتنظيم داعش الإرهابي سخر وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات الاستقطاب والتجنيد، أفضل من أي حركة إرهابية أخرى، وهذا ما مثل العامل الأساس في تحفيز الآلاف من الأشخاص من حول العالم للانضمام إليه؛ إذ إنّ هذا التنظيم استخدم الشبكات الاجتماعية بمختلف أشكالها، في الدعاية، وحشد التأييد بصورة لم يسبق لها مثيل، وكان لتجنيد الشباب أثر كبير في زيادة أعداد المجندين، والمنضمين له.
• ما هي الفئات العمرية المستهدفة؟
•• تستهدف المنظمات الإرهابية من فئة الشباب الصغار، الذين تراوح أعمارهم ما بين (15 و25) عاماً، فهذه الفئة يسهل التأثير عليها، ويتوقع أن ترتفع بينهم نسبة الاستجابة، وبعضهم من أصحاب السوابق ضمن الحركات الجهادية الأخرى، والمستهدفة من قبل المنظمات الإرهابية للتجنيد، غالباً هم من فئة الشباب، الذين يعتمدون على العاطفة الدينية، أكثر من الوعي، ولم يبلغوا مستوى علمياً يؤهلهم لدحض الآراء، والفتاوى الإرهابية، وتجنيد الفتيات والسيدات في هذه المنظمات لا يقوم كما هو معلن على الاهتمام بدور المرأة في المجتمع، وإنما ليقينهم بأن تجنيد النساء يدعم الخطوة الأولى في نقل أفكارهم للبيوت، وأفراد العائلات الذين يصعب الوصول إليهم، كما أنّ من الممكن أن يسهم -بنظرهم- في خلق جيل موالٍ للجماعة منذ نعومة أظفاره، من خلال تشرب الأفكار عن طريق والديه.
• هل هناك مؤشرات يمكن أن تميّز بها الأسرة أولادها، ومن منهم على طريق الانحراف او التطرف؟
•• منها شرود الذهن، وسرعة الغضب في النقاش، وتصنيف الدعاة، ونعتهم بالمتساهلين في الدين، والاهتمام المفاجئ بأحوال الأمة مع النظرة البائسة للمجتمع.
• هل للتجنيد صور وأشكال؟
•• نعم فعلى سبيل المثال لا الحصر: التجنيد الإلكتروني، والتجنيد التدريبي، والتجنيد المالي.
أبرز نتائج الدراسة:
1. يعد الترويج لفكرة «إقامة خلافة إسلامية عالمية» أكثر أساليب الاستقطاب والتجنيد استخداماً. وأقلها الأساليب الاقتصادية في «ترسيخ فكرة العدالة الاقتصادية عن طرق توزيع الثروات».
2. يعد «نشر شبهات الجماعات الإرهابية دون إتاحة الفرصة لتعريتها والرد عليها» أكثر أساليب الاستقطاب والتجنيد فعالية. وأقلها صنع حالة من الوهم والتهويل للسيطرة على تفكير الشباب.
3. يعد «وضع آليات محدثة لتفعيل الرصد المستمر لمروجي التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي» من أكثر وسائل الحد للاستقطاب والتجنيد. وأقلها «تطوير آليات حماية الشباب من تأثيرات الفكرالمتطرف عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
رسمت الدراسة وفقاً لنتائجها وتحقيقاً لأهدافها «مبادرة» لمكافحة الاستقطاب والتجنيد، تواكب تطلعات ورؤية السعودية 2030، من خلال تساؤلات الدراسة الميدانية، ممثلة بالمحور الثالث، وهي أفضل وسائل الحد من الاستقطاب والتجنيد، فكانت وسيلة (وضع آليات محدثة لتفعيل الرصد المستمر لمروجي التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي).
أهم التوصيات: من أهم التوصيات التي توصي بها الدراسة، بناءً على ما توصلت إليه من نتائج في الإطارين: النظري، والتحليلي. ما يلي:
1- تبني المبادرة، والعمل بها من قبل الجهات المعنية، وهي توظيف، وتفعيل دور الذكاء الاصطناعي؛ ليحاكي الجيل الرقمي «جيل ألفا» في مختلف المجالات؛ للحد من أساليب الاستقطاب والتجنيد.
2- تأسيس مواقع تفاعلية تابعة للمؤسسات التعليمية، ومراكز الحوار؛ للرد الواعي على الفكر المتطرف، وتنمية ثقافة الحوار، والتفاعل الرشيد مع الثقافات المختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي.
3- تحقيق مبدأ الشفافية في وسائل التواصل الاجتماعي، في ما تقتضي الحاجة في الأمور السياسية، وما يتعلق بالعلاقات الدولية؛ منعا لاستغلالها من قبل المنظمات الإرهابية.
4- وضع برامج تدريبية لكل مسؤول في الحكومة، يكون قادراً على استخدام القوة الناعمة في دحض شبهات الجماعات والمنظمات الإرهابية، وإتاحة الفرصة لتعريتها، والرد عليها.
5- إيجاد (المواطن الرقمي) القادر على التعامل مع الهجمات الإلكترونية، وصدها من خلال الفضاء السيبراني.
6- تشجيع شركات التقنية لمساندة الدولة للعمل على إزالة المحتوى المتطرف من شبكات التواصل الاجتماعي، وتكريمهم من قبل الدولة.
7- استمرار نشر القرارات والأوامر المرتبطة بالعدل بين الناس، ومكافحة الفساد، دون تمييز وذكر شواهد مكافحة الفساد الحديثة، التي لم تستثن أحداً، ولم يكن للجانب المناطقي، أو العائلي، أو حتى المذهبي تأثيرٌ على هذه القرارات العادلة.
8- العمل على تحديث الرؤية والاستراتيجية الإعلامية، بحيث لا تكون رد فعل على ما يتم بثه.
9- القيام بالأدلجة العكسية -بعد عودة أو رجوع من تم استقطابهم وتجنيدهم- من خلال تنفيذ برامج تأهيلية، تكون موضوعاتها منصبة على محاولة إعادتهم إلى الفكر السليم، بالأسلوب التأثيري النفسي ذاته.
10- إيجاد البدائل التقنية والإعلامية المشوقة والهادفة لمكافحة عمليات الاستقطاب والتجنيد الإلكتروني، ويلزم ذلك وضع برامج مدروسة ومخططة، وهادفة حتى تكون في مستوى ما يصدر من مصادر المنظمات الإرهابية الإعلامية.
• هل يمكن ضبط مواقع التواصل الاجتماعي، لتفادي التجنيد الرقمي؟
•• ممكن ضبطها وقتياً، وليس على إطلاقه، كون هناك شركات معنيّة بإغلاقه، إلا أن المنظمات الإرهابية تعاود اختراقها، فالمنظمات تعمل على تحديث آلية العمل لديها بما تتيحه التقنية، فتراهم ينتقلون من وسيلة إلى أخرى، ومن تطبيق لآخر أكثر احترافية، لبث أهدافهم بكل احترافية تقنية لكسب الشباب وتجنيدهم.
• كيف يمكننا معرفة وتحديد الجماعات الإرهابية؟
•• يمكن تحديد المنظمات والجماعات المتطرفة والإرهابية، من خلال رصد وتتبع المواقع، وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه المنصات يمكن أن توفر معلومات مهمة حول ديموغرافية مجموعة أو جمهور وحجمها وهيكلتها التنظيمية وأنشطتها، ويمكن أن يقاس انتشار الدعم لقضايا متطرفة ضمن ديموغرافيا محددة وعمق هذا الدعم.
• ما أبرز أساليب الجماعات الإرهابية في الاستقطاب؟
•• من الأساليب ما هو سياسي كترويج فكرة دولة الخلافة الإسلامية العالمية، بنسبة تفوق ٤٪، ومنها أساليب اقتصادية كعدالة الاقتصاد عبر توزيع الثروة بما يقارب ٤٪.
• ما أكثر الأساليب فاعلية؟
•• منها نشر شبهات الجماعات الإرهابية دون إتاحة فرصة الرد أو النقاش، بما يقارب ٤.٢٧٪ ونشر حالة تهويم وتهويل، للسيطرة على أفكار ومشاعر الشباب بما يقارب ٤٪. ولكل منظمة وجماعة أهداف وخطط خاصة بها ومن خلال التحليل يمكن إبراز أهدافها.
• ما هي إضافة الأطروحة للمكتبة والمجتمع؟
•• إثراء المكتبة الجامعية بمحتوى علمي، تستفيد منه وزارة التعليم عموماً، والكليات الأمنية والعسكرية على وجه خاص. وموضوع الدراسة من المواضيع التي يمكن أن تدعم توجهات المملكة 2030 نحو المكافحة المستدامة للاستقطاب والتجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتكتسب الدراسة أهميتها في ظل ما يواجه المجتمع العربي عموماً، والمجتمع السعودي بشكل خاص من غزو فكري، يسعى للنيل من أمن الأوطان، وتقف وراءه دول ومنظمات وأجهزة استخبارية. ومهدت الأطروحة لدراسات مستقبلية تقوم بإكمال ما توصلت إليه هذه الدراسة من أبعاد مختلفة.
• لماذا اخترت هذا الموضوع لبحث الدكتوراه؟
•• كونه من الموضوعات التي كانت تتصدر اهتماماتي البحثية في دراستي الجامعية والعليا؛ لاكتشاف الأساليب الإرهابية المعتمدة على التطور التقني. وتبلورت الفكرة في رحم المعاناة، سيما أن أُسراً عديدةً في بلادنا لم تسلم من انتماء واحد من أقاربهم أو معارفهم إلى تلك المنظمات الإرهابية.
• كيف تتوقعين استقبال البحث عربياً وعالمياً؟
•• يحظى الموضوع بأهمية على المستوى العالمي، لاسيما في ظل بروز دور الحركات والمنظمات الإرهابية في الاستقطاب والتجنيد، وارتفاع عدد الفئات التي جُنِّدَت؛ للعمل في المنظمات الإرهابية، من خلال الاستقطاب والتجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة اتساع وانتشار الوسائل بين الناس بوجه عام، وبين الشباب بنوعيه، والأطفال على وجه الخصوص، وازدياد تمددها، وعدم انضباط تلك الوسائل، وتعاظم تأثيرها على فئات المجتمع. وامتلاك المنظمات الإرهابية نخبة على مستوى عالٍ في مجال أنظمة المعلومات، وهو نشاط نوعي خطير، يمكن أن يلحق أضراراً بالدين والوطن، وسرعة التطور الإجرامي التقني غير المحدود، وسهولة توظيف أدواته، وتجدد أنواعه باستمرار، وما يستتبع من تكلفة عالية لأساليب المكافحة من قبل الحكومات، والمتمثلة في الأجهزة: التعليم، والتدريب.
• بماذا نعوّل على إسهام البحث في ضربات استباقية؟
•• من خلال معرفة أساليب الاستقطاب والتجنيد لدى المنظمات الإرهابية ما ييسر للجهات المعنية في الدولة التعامل مع هذه المنظمات؛ للحد من انحرافاتها، وآثارها السلبية على المجتمعات والشعوب.
• ما هي ملاحظاتك خلال الدراسة؟
•• ضعف الاستثمار في مجالات البحوث العلمية؛ للمساهمة في مكافحة جرائم التقنية. وندرة علماء البيئة التقنية القادرين على الحوار بشكل تفاعلي ما يجذب الأفراد ويبعدهم عن خطابات الثورات والتطرف والعنف، بالرد على بعض النصوص، والتفسيرات المتطرفة.
• هل الاستقطاب يسبق التجنيد أم لا؟ وهل بينهما علاقة؟
•• نعم، عمليات الاستقطاب تسبق عملية التجنيد، فيحدث الاستقطاب، ثم قد لا ينجح التجنيد، فالاستقطاب هو عملية أولية، تتم من قبل المنظمات الإرهابية؛ لتؤهل الفرد لعمليات التجنيد التالية، وهذا يعني أنّ هناك علاقة تتابعية بين الاستقطاب والتجنيد، فالاستقطاب يمهد لعملية التجنيد التي تتبعه، وتقوم بناءً عليه، وبذلك فكلما كانت عمليات الاستقطاب دقيقة، تكون عمليات التجنيد ناجحة بدرجة أكبر، وهذا لا يعني نجاح عملية التجنيد للمستقطبين كافة، إذ يمكن أن يفشل التجنيد للمستقطبين؛ بسبب ضعف قدرات الشخص، أو عدم قدرته على الاحتمال، أو تمتعه بثقافة وحصانة فكرية ترفع لديه من وازع الضمير، والصحوة الفكرية، أو يحصل على مساعدة خارجية فكرية، أو نفسية، أو تأهيلية تبعده عن التجنيد، رغم أنّه مؤهلٌ للاستقطاب.
• ما الرابط بين التغرير والتجنيد؟
•• التجنيد عملية اختيار أفراد معينين؛ للعمل في منظمة، أو جهة معينة، كالمنظمات الإرهابية، وهذه العملية تستلزم بدايةً العمل على التغرير بأولئك الأفراد، من خلال تضليلهم وخداعهم بأهداف هذه المنظمة، إلى حين إقناعهم بتلك الأهداف؛ حتى يقبلوا بالعمل لدى المنظمة، بمعنى أنّ التغرير هو إحدى وسائل التجنيد، ومن ثم فالتغرير مرحلة سابقة على التجنيد.
• ما أوجه تمايز واختلاف المنظمات والجماعات الإرهابية؟
•• بينها تمايز كبير واختلاف فهناك هياكل هرمية وأخرى شبكية ولكل منها خصائص وسمات في طبيعة الهياكل من تدفق المعلومات، وضع وتنفيذ الأهداف، التواصل واتخاذ القرارات، تعدد الأيديولوجيات، الإدارة، التكيف مع التغيرات.
• ما أبرز المخاطر الواقعية التي توصّلت لها الدراسة؟
•• ظهر من خلال الدراسة أنّ تنظيم داعش هو التنظيم الأكثر خطورةً إعلامياً، والأكثر تأثيراً بين المنظمات الإرهابية على مر السنين العشر الأخيرة؛ إذ استفادوا بصورة غير مسبوقة من الثورة الإعلامية، وكانوا يقومون بتنفيذ عمليات اختراق، ضد أقوى الدول التي يواجهونها، والقوة الكبيرة للآلة الإعلامية لداعش تذهب لتأكيد العديد من التكهنات، منها أنه من المستحيل أن يكون هذا التنظيم مجرد تنظيم عبثي، بل هو تنظيم مدار من جهات دولية خفية. وتنظيم داعش الإرهابي سخر وسائل التواصل الاجتماعي في عمليات الاستقطاب والتجنيد، أفضل من أي حركة إرهابية أخرى، وهذا ما مثل العامل الأساس في تحفيز الآلاف من الأشخاص من حول العالم للانضمام إليه؛ إذ إنّ هذا التنظيم استخدم الشبكات الاجتماعية بمختلف أشكالها، في الدعاية، وحشد التأييد بصورة لم يسبق لها مثيل، وكان لتجنيد الشباب أثر كبير في زيادة أعداد المجندين، والمنضمين له.
• ما هي الفئات العمرية المستهدفة؟
•• تستهدف المنظمات الإرهابية من فئة الشباب الصغار، الذين تراوح أعمارهم ما بين (15 و25) عاماً، فهذه الفئة يسهل التأثير عليها، ويتوقع أن ترتفع بينهم نسبة الاستجابة، وبعضهم من أصحاب السوابق ضمن الحركات الجهادية الأخرى، والمستهدفة من قبل المنظمات الإرهابية للتجنيد، غالباً هم من فئة الشباب، الذين يعتمدون على العاطفة الدينية، أكثر من الوعي، ولم يبلغوا مستوى علمياً يؤهلهم لدحض الآراء، والفتاوى الإرهابية، وتجنيد الفتيات والسيدات في هذه المنظمات لا يقوم كما هو معلن على الاهتمام بدور المرأة في المجتمع، وإنما ليقينهم بأن تجنيد النساء يدعم الخطوة الأولى في نقل أفكارهم للبيوت، وأفراد العائلات الذين يصعب الوصول إليهم، كما أنّ من الممكن أن يسهم -بنظرهم- في خلق جيل موالٍ للجماعة منذ نعومة أظفاره، من خلال تشرب الأفكار عن طريق والديه.
• هل هناك مؤشرات يمكن أن تميّز بها الأسرة أولادها، ومن منهم على طريق الانحراف او التطرف؟
•• منها شرود الذهن، وسرعة الغضب في النقاش، وتصنيف الدعاة، ونعتهم بالمتساهلين في الدين، والاهتمام المفاجئ بأحوال الأمة مع النظرة البائسة للمجتمع.
• هل للتجنيد صور وأشكال؟
•• نعم فعلى سبيل المثال لا الحصر: التجنيد الإلكتروني، والتجنيد التدريبي، والتجنيد المالي.
أبرز نتائج الدراسة:
1. يعد الترويج لفكرة «إقامة خلافة إسلامية عالمية» أكثر أساليب الاستقطاب والتجنيد استخداماً. وأقلها الأساليب الاقتصادية في «ترسيخ فكرة العدالة الاقتصادية عن طرق توزيع الثروات».
2. يعد «نشر شبهات الجماعات الإرهابية دون إتاحة الفرصة لتعريتها والرد عليها» أكثر أساليب الاستقطاب والتجنيد فعالية. وأقلها صنع حالة من الوهم والتهويل للسيطرة على تفكير الشباب.
3. يعد «وضع آليات محدثة لتفعيل الرصد المستمر لمروجي التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي» من أكثر وسائل الحد للاستقطاب والتجنيد. وأقلها «تطوير آليات حماية الشباب من تأثيرات الفكرالمتطرف عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
رسمت الدراسة وفقاً لنتائجها وتحقيقاً لأهدافها «مبادرة» لمكافحة الاستقطاب والتجنيد، تواكب تطلعات ورؤية السعودية 2030، من خلال تساؤلات الدراسة الميدانية، ممثلة بالمحور الثالث، وهي أفضل وسائل الحد من الاستقطاب والتجنيد، فكانت وسيلة (وضع آليات محدثة لتفعيل الرصد المستمر لمروجي التطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي).
أهم التوصيات: من أهم التوصيات التي توصي بها الدراسة، بناءً على ما توصلت إليه من نتائج في الإطارين: النظري، والتحليلي. ما يلي:
1- تبني المبادرة، والعمل بها من قبل الجهات المعنية، وهي توظيف، وتفعيل دور الذكاء الاصطناعي؛ ليحاكي الجيل الرقمي «جيل ألفا» في مختلف المجالات؛ للحد من أساليب الاستقطاب والتجنيد.
2- تأسيس مواقع تفاعلية تابعة للمؤسسات التعليمية، ومراكز الحوار؛ للرد الواعي على الفكر المتطرف، وتنمية ثقافة الحوار، والتفاعل الرشيد مع الثقافات المختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي.
3- تحقيق مبدأ الشفافية في وسائل التواصل الاجتماعي، في ما تقتضي الحاجة في الأمور السياسية، وما يتعلق بالعلاقات الدولية؛ منعا لاستغلالها من قبل المنظمات الإرهابية.
4- وضع برامج تدريبية لكل مسؤول في الحكومة، يكون قادراً على استخدام القوة الناعمة في دحض شبهات الجماعات والمنظمات الإرهابية، وإتاحة الفرصة لتعريتها، والرد عليها.
5- إيجاد (المواطن الرقمي) القادر على التعامل مع الهجمات الإلكترونية، وصدها من خلال الفضاء السيبراني.
6- تشجيع شركات التقنية لمساندة الدولة للعمل على إزالة المحتوى المتطرف من شبكات التواصل الاجتماعي، وتكريمهم من قبل الدولة.
7- استمرار نشر القرارات والأوامر المرتبطة بالعدل بين الناس، ومكافحة الفساد، دون تمييز وذكر شواهد مكافحة الفساد الحديثة، التي لم تستثن أحداً، ولم يكن للجانب المناطقي، أو العائلي، أو حتى المذهبي تأثيرٌ على هذه القرارات العادلة.
8- العمل على تحديث الرؤية والاستراتيجية الإعلامية، بحيث لا تكون رد فعل على ما يتم بثه.
9- القيام بالأدلجة العكسية -بعد عودة أو رجوع من تم استقطابهم وتجنيدهم- من خلال تنفيذ برامج تأهيلية، تكون موضوعاتها منصبة على محاولة إعادتهم إلى الفكر السليم، بالأسلوب التأثيري النفسي ذاته.
10- إيجاد البدائل التقنية والإعلامية المشوقة والهادفة لمكافحة عمليات الاستقطاب والتجنيد الإلكتروني، ويلزم ذلك وضع برامج مدروسة ومخططة، وهادفة حتى تكون في مستوى ما يصدر من مصادر المنظمات الإرهابية الإعلامية.