-A +A
قبلان محمد القبلان الشمري
هناك مرض حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه أهلك كثيرين من الناس في الأمم السابقة، هذا الداء وهذا المرض ما تفشى في مجتمع إلا أهلكه وما انتشر بين جماعة إلا فرقها هذا الداء. قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء، هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا) الحديث.
هذا الحسد هو أول ذنب عصي الله به في السماء وأول ذنب عصي الله به في الأرض، أما في السماء فحسد ابليس لأبينا آدم حين أمر الله الملائكة أن تسجد لأبينا آدم فحسده ابليس حينما غاظه ذلك وتألم له فحسد أبانا عليه السلام فكانت العاقبة الوخيمة لإبليس حيث أخرجه الله من رحمته، أما أول ذنب عصي الله به في الأرض فكان من قابيل وهابيل ابني آدم، إذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الآخر فقام الذي لم يتقبل منه بقتل أخيه حسدا لأن الله قبل من أخيه ولم يتقبل منه فخسر الدنيا والآخرة حتى ان كل قتيل بعده عليه من ذنبه لأنه أول من تسبب في القتل، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قتل قتيل إلا كان على ابن آدم كفل منه لأنه أول من سن القتل وسبب القتل هو الحسد، فهذا الداء كم من أسرة تفرقت بسببه وكم من جماعة تمزقوا بسببه وكم من ديار هلكت بسببه.

مر أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه بقرية خربة فقال ما أهلك هذه القرية وأهلك أهلها الا الحسد إن الحسد يطفئ نور الحسنات والبغي يصدق ذلك أو يكذبه فإذا حسدتم فلا تبغوا فهذه عقوبة الحسد!! قرية قائمة فأصبحت خرابا بلقعا لا ترى فيها شيئا كان سبب هلاكها هو الحسد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في الحديث الصحيح، إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب).
الحسد: هو أن يرى الانسان على أخيه شيئا من النعمة في دين أو دنيا، يعطي الله ذلك الرجل أو تلك المرأة شيئا من النعم جاه أو مرتبة أو خلق أو علم أو دين أو طيبة كل صفة حسنة يعطيها الله لهذا الرجل.. والمسلم تجاه هذه النعمة التي على أخيه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: عندما يراه يتمنى ان تزول هذه النعمة والعياذ بالله فهذا هو الحسد.
القسم الثاني: يفرح بالنعمة لأخيه المسلم ويتمنى هو مثلها ويعلم ان هذه النعمة التي على أخيه قسمة قسمها الله سبحانه لحكمة يعلمها جل وعلا فهذا هو الحسد المحمود ويسمى الغبطة والحسد في حقيقته تمني زوال النعمة ولا شك أن الحسد اعتراض على قدرة الله وقسمته بين الخلق، فبحكمة الله البالغة جعل هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا رفيعا وهذا وضيعا وهذا مسكينا وهذا صحيحا وهذا سقيما إلى آخره. كل هذا لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، فمن الناس من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقره الله لكفره، ومن الناس من جعله الله فقيرا ولا يصلح له الا الفقر ولو اغناه الله لطغى فالحكيم العليم هو الله جل وعلا يقسم بين عباده لحكمة يعلمها فحينما يرى الانسان على أخيه نعمة فعليه ان يدعو له بالبركة وأن يسأل الله مثلها.. أما الحسد فلا يجد الانسان فيه خيرا قط إلا أن قلبه يتقطع ألما على ما يرى من النعمة على اخوانه المسلمين.
أسباب الحسد لا تخرج عن ثلاثة أمور غالبا:
بغض الحاسد للمحسود بسبب ظهور فضائله وثناء الناس على مناقبه.
أن يكون عند هذا المحسود فضل ونعمة وخير وكرم وجود وليس عند الحسود فيتمنى أن تزول.
أن يكون عند الحسود والمحسود النعمة سواء لكن المحسود صاحب جود وكرم والحسود لا يستطيع أن يبذل أو أن يتوسط لخدمة الآخرين بجاهه فيتمنى زوال هذه النعمة عن الآخر الذي أحبه الآخرون بكرمه وجاهه، وهذه والعياذ بالله، من أشد الأنواع عندما يقع من الاقارب هذا عنده زوجة موظفة أو معلمة فبالتالي يتمنى ان تنقلب هذه المرأة على زوجها ليعيش الزوج جحيما ما الذي يجنيه الحاسد وأي خير يجنيه الحسود إذا تغيرت حال أخيه إلى حال سيئة لا يجني إلا خمسة أشياء وهي: هم في قلبه عندما يرى أصحاب الفضل يبذلون فهذا الهم مصيبة لا يؤجر عليها، وبغض الناس له، وسخط الله عليه، وقلة التوفيق، وذهاب الحسنات كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
وكم من انسان قتله الحسد، ذكر ابن القيم رحمه الله عشرة أسباب للوقاية من الحسد ودفع الحسود، التعوذ بالله من شر الحسد والحاسد والتحصن به والالتجاء اليه، وتقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، والصبر على عدوه وعدم مقابلته وشكواه، والتوكل على الله لقوله: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) وفراغ القلب من الاشتغال بالحاسد وعدم التفكير به، والاقبال على الله والاخلاص له، وتجريد التوبة الى الله من الذنوب التي سلطت على اعدائه، والصدقة ففيها دفع للبلاء، والاحسان الى المسيء الحسود حتى يكون بينك وبينه محبة وصداقة وهي اصعبها، وتجريد التوحيد وان تعتقد ان كل شيء بأمره فالضر ودفعه والنفع وجلبه من الله سبحانه وتعالى.
فإذا عرفت ذلك اطمأنت نفسك ورضيت بما قدر الله وقسم لك والمؤمن بحق هو الذي يرضى بقسمة الله له ويسلم أمره لله عز وجل.