«الأدب العُماني له خصوصية كبيرة وأظن أنه حان الوقت للفت الانتباه والالتفاتة إليه».. بهذه الثقة المنبثقة من روح اكتنزت بالإبداع والمغامرة تتحدث الروائية العمانية جوخة الحارثي لـ«عكاظ»، مبينة أن فوزها بالعديد من الجوائز يلفت الانتباه إلى أن هناك كتّابا وفنانين ومبدعين في دول الخليج يتحدون الصورة النمطية للخليج، إذ إن هناك مركزية في الأدب ترى أن الخليج يعتبر من الأطراف.
وقالت الحارثي إن الترجمة هي جسر العبور لثقافة الآخر، ولولا الترجمة لما عرفنا ديستوفسكي ولا كاواباتا ولا كبار الكتاب في العالم.
جوخة الحارثي (1978) كاتبة عمانية، درست الأدب في جامعة أدنبرة وتخرجت منها بعد إعدادها أطروحة حول «وجود الجسد في شعر الحب في شبه الجزيرة العربية في أوائل العصور الوسطى»، استلهمت منه روايتها «سيدات القمر» التي ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، وأصبحت بعنوان «الأجرام السماوية» حازت بها في الترجمة الانجليزية جائزة المان بوكر العام 2019، وحازت 2021 جائزة الأدب العربي التي أنشأها معهد العالم العربي ومؤسسة جان لوك لاغاردير.
«عكاظ» التقتها بباريس بعد تتويجها بجائزة الأدب العربي في معهد العالم العربي وكان هذا الحوار:
• اللجنة المشرفة على جائزة معهد العالم العربي، أشارت إلى أن العمل رغم كونه يرتكز على الواقع العُماني، إلا أنه لامس الكثير من الجوانب الإنسانية العالمية، فهل تعتقدين أن الترجمة نجحت في نقل روح «سيدات القمر» للقارئ الأجنبي؟
•• الترجمة هي جسر العبور لثقافة الآخر، لذا فنحن مدينون بشكل كبير جدا للترجمة، لأن لولا الترجمة لما عرفنا ديستوفسكي ولا كاواباتا ولا كبار الكتّاب الذين لا نستطيع ربما أن نقرأ لهم في لغتهم إلا من خلال لغة ثانية أو ثالثة ترجمت لها تلك الروايات، ولذلك نحن مدينون للمترجمين والترجمة في العالم.
من ناحية أخرى، طبعا هناك دائما قلق لدى الكاتب من أن المترجم قد لا ينقل روح العمل بدقة شديدة، كما أرادها الكاتب، ولكن من تجربتي أظن أن على الكاتب أن يتجاوز هذا القلق.
• هل واكبتِ المترجم أثناء ترجمته نصك سواء إلى الإنجليزية أو الفرنسية؟
•• لأنني لا أقرأ الفرنسية تركت له «الحبل على الغارب»، لكن في الترجمة الإنجليزبية واكبت الترجمة فصلا بفصل مع المترجمة.
وأعتقد الآن بما أن الرواية ترجمت إلى 21 لغة أظن أنه يجب أن أثق بالمترجمين، لأنني ليس لي خيار آخر.
• هل ترين أن الفوز بجوائز دولية، على غرار المان بوكر في 2019 وجائزة الأدب العربي في 2021 لمعهد العالم العربي ومؤسسة جان لوك لاغاردير، يفتح الأبواب على نصوص عُمانية وأخرى خليجية؟
•• نعم هذا ما أتمناه، لأنه ولفترة طويلة ظلت هناك مركزية في الأدب وظل الخليج يعتبر من الأطراف التي لم يُرَكَز عليها بشكل كافٍ في مجال الأدب. إلا أن مثل هذه الجوائز تلفت الانتباه إلى أن هناك كتّابا وفنانين ومبدعين في دول الخليج يتحدون الصورة النمطية للخليج. الأدب العُماني له خصوصية كبيرة وأظن أنه حان الوقت للفت الانتباه والالتفاتة إليه.
طبعا لفت الانتباه لا يكون للتو لأن نظام الترجمة في العالم ونظام الوكالات الأدبية ودور النشر هو نظام معقد، فليس من السهل أن يسلط الضوء على كل كتّاب المنطقة بمجرد الفوز بجائزة دولية معروفة ومرموقة. لكن هناك خطوات قد لا تكون سريعة جدا لكن أعرف أنها تسير بالشكل الجيد والمناسب في سبيل إثارة الفضول نحو الأدب الخليجي عموما والعماني خصوصا.
• وصفتْ رئيسة لجنة التحكيم مان بوكر 2019، بيتاني هيوز الرواية بقولها «الأجرام السماوية تتناول القوى التي تقيّدنا وتلك التي تحرّرنا». في إشارة «لسيدات القمر» وبعدها أصبحت الرواية بعنوان «الأجرام السماوية»، لماذا تغير العنوان؟
•• نعم كان العنوان بالعربية «سيدات القمر» وطبعا هذا العنوان بالعربية يعطي الإيحاء الذي أردت أن أمنحه للرواية، فالقمر في روايتي له دلالات مباشرة وفيه دلالات رمزية كثيرة، حيث إن له علاقة بالأنوثة وبالمرأة وبالعلو، وهناك معانٍ أخرى جسدته في الرواية، إضافة إلى أن هناك شخصية اسمها القمر في الرواية.
لكن عندما ترجم إلى الإنجليزية خشيت المترجمة، أن كلمة «Women of the Moon» قد تعطي إيحاءات غير مرغوبة، بسبب ارتباط نساء القمر في الأدب الإنجليزي بنوعية معينة من النساء، وطبعا وافقتها في العنوان.
وللسبب نفسه رأى المترجم إلى اللغة الفرنسية أن من الأفضل أن تحتفظ الرواية بعنوان «الأجرام السماوية» وهو عنوان جميل يخدم النص وإيحاءاته.
• قلت إنّ أعمالا أدبية خليجية وعربية لم تستسغها ذائقتك، لماذا؟
•• أنا لدي موقف قد يكون مخالفا نوعا ما لموضوع بعض كتابات المرأة في العالم العربي عموما وليس فقط في الخليج، لأن بعض هذه الكتابات من وجهة نظري فيها صراخ، فيها صوت عالٍ، فيها المرأة مُضطَهَدة بالضرورة وفيها الرجل مضْطَهِد بالضرورة، وفيها المرأة لا تستطيع أن تسمع صوتها ولن تستطيع أن تقاوم الاضطهاد ومآلها النهايات التراجيدية.
وبصراحة كنت أقرأ هذه الأعمال وأنا صغيرة ولم يعجبني هذا الجو لأنه أولا ليس الجو الذي نشأت فيه والذي أعرفه جيدا، وثانيا لأن الأدب أكثر تعقيدا من ذلك.. الواقع أولا أكثر تعقيدا والأدب أيضا أكثر تعقيدا ولا يجب أن تكون الرسائل فيه علنية إلى هذه الدرجة وعالية الصوت كما قرأنا في تلك النصوص. كما لا يجب أن ننكر أن هناك في مجتمعاتنا نساء قويات جدا بغض النظر عن صعوبة الواقع الاجتماعي.
• هل كان يجب التخلص من تلك «الكليشيهات» التي لازمت النصوص السردية في الأعمال العربية؟ وهل تخلص الواقع العربي من مثل تلك الظواهر؟
•• الحقيقة أن الواقع يرينا أن المرأة ما تزال لم تصل إلى كل ما تطمح إليه من حقوق وحريات وممارسة لحقوقها. وهذه حقيقة أن هناك نساء كثيرات في العالم بأسره وليس في العالم العربي فقط ولا في الخليج فقط، يعانين شتى أنواع الظلم، لكن هذا لا يعني في رأيي أن تتحول كل الكتابات إلى كتابة كليشيهية، كما قلت، وأن يكون فيها صوت واحد فقط، هو ذلك الصراخ بأن هناك قمعا مطلقا للمرأة في عالمنا، لأن في رأيي -وهذا أيضا ما طرحته رواية «سيدات القمر»- أن النظام الأبوي الذي تعانيه معظم مجتمعاتنا العربية، ليس نظاما ظالما للمرأة فقط، بل هو نظام ظالم حتى للرجل.
• هل نعتبره رفضا من قبلك لتسطيح دور المرأة ومكانتها في هذه المجتمعات وبالتالي رفضا لما يعرف بـ«الفيمينست» أو النسوية؟
•• لا لست أرفض «الفيمينست» على الإطلاق ولا أرفض النسوية إذا كان معناها الوقوف مع حق الإنسان.. بمعنى أنا مع الإنسان ومع حقه سواء كان رجلا أو امرأة. لكن، كما قلت تماما، أنا أرفض «الكليشيهيات» لا أريد أن يكون هناك تنميط لمجتمعنا وتسطيح له. لا توجد امرأة واحدة في مجتمعنا هي النموذج الذي نقيس عليه كل القوالب القصصية، لأن هذا مخالف لقواعد الحياة البشرية.
• ما رأيك في بعض الكاتبات اللواتي احتفي بهن في نصوص عربية كنموذج على غرار فيرجينيا وولف وسيمون دي بوفوار وفاطمة المرنيسي، وهذه الأسماء اختارت «النسوية» كثيمات لنصوصهن، ألم تكن تلك «النسوية» تسطيحا لدور المرأة كإنسان؟
•• لا يمكنني أن أصنف هؤلاء في نفس التصنيف، فرجينيا وولف طرحها مختلف بالنسبة لي وكتابها «غرفة تخص المرء وحده» كتاب مهم بالنسبة للمرأة كإنسانة وككاتبة. أما سيمون والمرنيسي، فأظن أن كتاباتهما كانت في مراحل معينة من التاريخ، أردن من خلال نصوصهما أن يسمع صوتهما بأعلى درجة.
ولذلك نرى تلك النبرة النسوية العالية، لكن في المقابل لولا ربما هذه الأطروحات العالية لما جاءت من بعدها الأطروحات المتعقلة إن صح التعبير.
• هل يمكن للأدب أن يؤسس لهُوية مشتركة؟
•• مرة قال «يوسا» إنه «لما تجرعت مدام بوفاري السم وسقطت القنينة تحت سكة القطار ارتعشت قلوب القراء سواء كانوا في طوكيو أو في تمبكتو.. في الحقيقة الأدب يصنع الجسور في هذا العالم المليء بالتحزب والانقسام هو الذي يمد الجسور بيننا.
• من «منامات»، «سيدات القمر»، «نارنجة»، إلى «حرير الغزالة» هذه الروايات كتبت بالعربية وترجمت إلى لغات عدة، هل تغيرت لديك أدوات السرد بعد اتساع دائرة الشعبية من الدائرة العربية إلى الدائرة العالمية؟
•• في الحقيقة لما كنت بصدد كتابة «سيدات القمر» ومن بعدها باقي الروايات لم تكن فكرة الشعبية تعنيني بأي حال من الأحوال، كنت أكتب لأني أريد أن أكتب، لأني في البداية وفي الأساس أنا أكتب لقارئ عربي، فلما نشرت الرواية وقوبلت بقبول حسن في العالم العربي أولا، كان هذا محفزا لي، لكن لما أصبحت الرواية عالمية وترجمت إلى كل هذه اللغات ووزعت منها نسخ كثيرة جدا في أنحاء العالم أصبح لدي أيضا قراء متعددون ومختلفون، فمرة قال أحد الكتاب «إذا طبعت مليون نسخة من كتاب، فذلك يعني أن أمامك مليون قراءة مختلفة للكتاب».
وربما يكون الاهتمام العالمي، جذب المزيد من الاهتمام العربي وهذا أمر له عوامل مختلفة ومعقدة في عالمنا العربي.
• هل العالم العربي يقرأ؟
•• إلى حد ما.. أنا أدرس في الجامعة ولا أريد التعميم بأن العرب لا يقرأون؛ لأنه دائما أرى الكثير من الطلاب والطالبات في سن صغير وهم يلتهمون الكتب.. عندي طلبة يقرأون كثيرا جدا في الفلسفة على الرغم من إغلاق قسم الفلسفة في الجامعة، وهذا شيء مبشر لكن لا نستطيع التعميم لأن كثيرا من الناس أيضا يعانون من مشاكل اقتصادية واجتماعية طاحنة تحول بينهم وبين القدرة على القراءة.
• من خلال ثيمة العلاقات الإنسانية وتعقيدها في رواياتك، هل يمكن اعتبار التفاتتك لفكرة العلاقات الإنسانية والأجيال والتغيرات التي تحدث في المجتمع العُماني تكريسا لأدب سردي يحفر في سيرورة المجتمعات؟
•• نعم أنا مهتمة بتأمل السيرورة في المجتمع، وأيضا مهتمة جدا بموضوع العلاقات وكيف تتغير وتتعقد ليس فقط من جيل إلى جيل لكن أحيانا داخل الجيل نفسه، فهذه الامور التي تلفت انتباهي وأنا نشأت في الثمانينات في عُمان، في عالم يتغير بسرعة هائلة وكان من الملفت لي دائما أن أفكر كيف يستجيب الناس لهذه التغيرات التي قد تمر بها بلدان أخرى في قرون ونحن نمر بها في سنوات قليلة، يعني هناك تغيرات هائلة في سنوات قليلة، فكيف يستجيب الناس لها؟ كيف تستجيب العلاقات الاجتماعية لها؟ القيم، العادات والتقاليد.. كل هذه الأسئلة فرضت نفسها علي.
• معظم شخوص روايتك من النساء، هل هو اختيار تستدعيه الحبكة السردية، أم ماذا؟
•• ليس بالضرورة، أنا مهتمة بالإنسان عامة لكن ربما أجد أن الكتابة عن الشخصيات النسائية سلسة بالنسبة لي أو ربما تفرض هذه الشخصية نفسها وأحيانا علاقة المؤلف مع شخصياته تكون نفسها علاقة غير متوقعة لأني مثلا في الرواية الأخيرة «حرير الغزالة» هناك شخصيتان بطلتان هما غزالة وحرير وهناك شخصية هامشية هي عمة غزالة اسمها مليحة وهذه شخصية هامشية من البداية وأنا قلت إنها العمة وستأخذ حيزا ضيقا من الرواية، ولكن بتقدم الفصول وجدت أن هذه المرأة وهي بشخصية مميزة تفرض نفسها وتريد مساحة أكبر، وفي كل مرة اكتب عن غزالة تأتي هذه العمة وتقول وأنا؟ وأحس أنها تفرض نفسها وفعلا في النهاية خصصت لها أكثر من فصل لأني أحسست أن هي التي قادتني لإعطائها صوتا.
• «كل شيء يتغير نسبيا بمجرد كتابته»، الرواية كونها تماهي بين أحداثها التخييلية والجمالية والواقع المتشابك والمتشابه، تفرض أحيانا على الكاتب أنه كلما اقترب من الواقع رفع منسوب الخيانة، فهل ترين في السرد الروائي مرآة للواقع؟ أم أنه واقع متوازٍ؟
•• هو واقع متوازٍ لأنه لولا التخييل لما أمكننا أن نكتب الحكاية. بالنسبة لي على الأقل يعني نقل الواقع كما هو بالضبط صعب أو مستحيل لكن التخييل هو الذي يعطي الحكاية سحرها وهذا أيضا ما يحفزني على الكتابة لأني أريد أن أعرف هذه العمة في الرواية التي لم أكن أعرفها كثيرا وأنا في بداية الرواية، وبعد ذلك بدأت أتعرف عليها، وهذا ما دفعني وحفزني أن أكتب أكثر عنها، لأني أنا مثل القارئ أردت أن أكتشفها أكثر.
وقالت الحارثي إن الترجمة هي جسر العبور لثقافة الآخر، ولولا الترجمة لما عرفنا ديستوفسكي ولا كاواباتا ولا كبار الكتاب في العالم.
جوخة الحارثي (1978) كاتبة عمانية، درست الأدب في جامعة أدنبرة وتخرجت منها بعد إعدادها أطروحة حول «وجود الجسد في شعر الحب في شبه الجزيرة العربية في أوائل العصور الوسطى»، استلهمت منه روايتها «سيدات القمر» التي ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، وأصبحت بعنوان «الأجرام السماوية» حازت بها في الترجمة الانجليزية جائزة المان بوكر العام 2019، وحازت 2021 جائزة الأدب العربي التي أنشأها معهد العالم العربي ومؤسسة جان لوك لاغاردير.
«عكاظ» التقتها بباريس بعد تتويجها بجائزة الأدب العربي في معهد العالم العربي وكان هذا الحوار:
• اللجنة المشرفة على جائزة معهد العالم العربي، أشارت إلى أن العمل رغم كونه يرتكز على الواقع العُماني، إلا أنه لامس الكثير من الجوانب الإنسانية العالمية، فهل تعتقدين أن الترجمة نجحت في نقل روح «سيدات القمر» للقارئ الأجنبي؟
•• الترجمة هي جسر العبور لثقافة الآخر، لذا فنحن مدينون بشكل كبير جدا للترجمة، لأن لولا الترجمة لما عرفنا ديستوفسكي ولا كاواباتا ولا كبار الكتّاب الذين لا نستطيع ربما أن نقرأ لهم في لغتهم إلا من خلال لغة ثانية أو ثالثة ترجمت لها تلك الروايات، ولذلك نحن مدينون للمترجمين والترجمة في العالم.
من ناحية أخرى، طبعا هناك دائما قلق لدى الكاتب من أن المترجم قد لا ينقل روح العمل بدقة شديدة، كما أرادها الكاتب، ولكن من تجربتي أظن أن على الكاتب أن يتجاوز هذا القلق.
• هل واكبتِ المترجم أثناء ترجمته نصك سواء إلى الإنجليزية أو الفرنسية؟
•• لأنني لا أقرأ الفرنسية تركت له «الحبل على الغارب»، لكن في الترجمة الإنجليزبية واكبت الترجمة فصلا بفصل مع المترجمة.
وأعتقد الآن بما أن الرواية ترجمت إلى 21 لغة أظن أنه يجب أن أثق بالمترجمين، لأنني ليس لي خيار آخر.
• هل ترين أن الفوز بجوائز دولية، على غرار المان بوكر في 2019 وجائزة الأدب العربي في 2021 لمعهد العالم العربي ومؤسسة جان لوك لاغاردير، يفتح الأبواب على نصوص عُمانية وأخرى خليجية؟
•• نعم هذا ما أتمناه، لأنه ولفترة طويلة ظلت هناك مركزية في الأدب وظل الخليج يعتبر من الأطراف التي لم يُرَكَز عليها بشكل كافٍ في مجال الأدب. إلا أن مثل هذه الجوائز تلفت الانتباه إلى أن هناك كتّابا وفنانين ومبدعين في دول الخليج يتحدون الصورة النمطية للخليج. الأدب العُماني له خصوصية كبيرة وأظن أنه حان الوقت للفت الانتباه والالتفاتة إليه.
طبعا لفت الانتباه لا يكون للتو لأن نظام الترجمة في العالم ونظام الوكالات الأدبية ودور النشر هو نظام معقد، فليس من السهل أن يسلط الضوء على كل كتّاب المنطقة بمجرد الفوز بجائزة دولية معروفة ومرموقة. لكن هناك خطوات قد لا تكون سريعة جدا لكن أعرف أنها تسير بالشكل الجيد والمناسب في سبيل إثارة الفضول نحو الأدب الخليجي عموما والعماني خصوصا.
• وصفتْ رئيسة لجنة التحكيم مان بوكر 2019، بيتاني هيوز الرواية بقولها «الأجرام السماوية تتناول القوى التي تقيّدنا وتلك التي تحرّرنا». في إشارة «لسيدات القمر» وبعدها أصبحت الرواية بعنوان «الأجرام السماوية»، لماذا تغير العنوان؟
•• نعم كان العنوان بالعربية «سيدات القمر» وطبعا هذا العنوان بالعربية يعطي الإيحاء الذي أردت أن أمنحه للرواية، فالقمر في روايتي له دلالات مباشرة وفيه دلالات رمزية كثيرة، حيث إن له علاقة بالأنوثة وبالمرأة وبالعلو، وهناك معانٍ أخرى جسدته في الرواية، إضافة إلى أن هناك شخصية اسمها القمر في الرواية.
لكن عندما ترجم إلى الإنجليزية خشيت المترجمة، أن كلمة «Women of the Moon» قد تعطي إيحاءات غير مرغوبة، بسبب ارتباط نساء القمر في الأدب الإنجليزي بنوعية معينة من النساء، وطبعا وافقتها في العنوان.
وللسبب نفسه رأى المترجم إلى اللغة الفرنسية أن من الأفضل أن تحتفظ الرواية بعنوان «الأجرام السماوية» وهو عنوان جميل يخدم النص وإيحاءاته.
• قلت إنّ أعمالا أدبية خليجية وعربية لم تستسغها ذائقتك، لماذا؟
•• أنا لدي موقف قد يكون مخالفا نوعا ما لموضوع بعض كتابات المرأة في العالم العربي عموما وليس فقط في الخليج، لأن بعض هذه الكتابات من وجهة نظري فيها صراخ، فيها صوت عالٍ، فيها المرأة مُضطَهَدة بالضرورة وفيها الرجل مضْطَهِد بالضرورة، وفيها المرأة لا تستطيع أن تسمع صوتها ولن تستطيع أن تقاوم الاضطهاد ومآلها النهايات التراجيدية.
وبصراحة كنت أقرأ هذه الأعمال وأنا صغيرة ولم يعجبني هذا الجو لأنه أولا ليس الجو الذي نشأت فيه والذي أعرفه جيدا، وثانيا لأن الأدب أكثر تعقيدا من ذلك.. الواقع أولا أكثر تعقيدا والأدب أيضا أكثر تعقيدا ولا يجب أن تكون الرسائل فيه علنية إلى هذه الدرجة وعالية الصوت كما قرأنا في تلك النصوص. كما لا يجب أن ننكر أن هناك في مجتمعاتنا نساء قويات جدا بغض النظر عن صعوبة الواقع الاجتماعي.
• هل كان يجب التخلص من تلك «الكليشيهات» التي لازمت النصوص السردية في الأعمال العربية؟ وهل تخلص الواقع العربي من مثل تلك الظواهر؟
•• الحقيقة أن الواقع يرينا أن المرأة ما تزال لم تصل إلى كل ما تطمح إليه من حقوق وحريات وممارسة لحقوقها. وهذه حقيقة أن هناك نساء كثيرات في العالم بأسره وليس في العالم العربي فقط ولا في الخليج فقط، يعانين شتى أنواع الظلم، لكن هذا لا يعني في رأيي أن تتحول كل الكتابات إلى كتابة كليشيهية، كما قلت، وأن يكون فيها صوت واحد فقط، هو ذلك الصراخ بأن هناك قمعا مطلقا للمرأة في عالمنا، لأن في رأيي -وهذا أيضا ما طرحته رواية «سيدات القمر»- أن النظام الأبوي الذي تعانيه معظم مجتمعاتنا العربية، ليس نظاما ظالما للمرأة فقط، بل هو نظام ظالم حتى للرجل.
• هل نعتبره رفضا من قبلك لتسطيح دور المرأة ومكانتها في هذه المجتمعات وبالتالي رفضا لما يعرف بـ«الفيمينست» أو النسوية؟
•• لا لست أرفض «الفيمينست» على الإطلاق ولا أرفض النسوية إذا كان معناها الوقوف مع حق الإنسان.. بمعنى أنا مع الإنسان ومع حقه سواء كان رجلا أو امرأة. لكن، كما قلت تماما، أنا أرفض «الكليشيهيات» لا أريد أن يكون هناك تنميط لمجتمعنا وتسطيح له. لا توجد امرأة واحدة في مجتمعنا هي النموذج الذي نقيس عليه كل القوالب القصصية، لأن هذا مخالف لقواعد الحياة البشرية.
• ما رأيك في بعض الكاتبات اللواتي احتفي بهن في نصوص عربية كنموذج على غرار فيرجينيا وولف وسيمون دي بوفوار وفاطمة المرنيسي، وهذه الأسماء اختارت «النسوية» كثيمات لنصوصهن، ألم تكن تلك «النسوية» تسطيحا لدور المرأة كإنسان؟
•• لا يمكنني أن أصنف هؤلاء في نفس التصنيف، فرجينيا وولف طرحها مختلف بالنسبة لي وكتابها «غرفة تخص المرء وحده» كتاب مهم بالنسبة للمرأة كإنسانة وككاتبة. أما سيمون والمرنيسي، فأظن أن كتاباتهما كانت في مراحل معينة من التاريخ، أردن من خلال نصوصهما أن يسمع صوتهما بأعلى درجة.
ولذلك نرى تلك النبرة النسوية العالية، لكن في المقابل لولا ربما هذه الأطروحات العالية لما جاءت من بعدها الأطروحات المتعقلة إن صح التعبير.
• هل يمكن للأدب أن يؤسس لهُوية مشتركة؟
•• مرة قال «يوسا» إنه «لما تجرعت مدام بوفاري السم وسقطت القنينة تحت سكة القطار ارتعشت قلوب القراء سواء كانوا في طوكيو أو في تمبكتو.. في الحقيقة الأدب يصنع الجسور في هذا العالم المليء بالتحزب والانقسام هو الذي يمد الجسور بيننا.
• من «منامات»، «سيدات القمر»، «نارنجة»، إلى «حرير الغزالة» هذه الروايات كتبت بالعربية وترجمت إلى لغات عدة، هل تغيرت لديك أدوات السرد بعد اتساع دائرة الشعبية من الدائرة العربية إلى الدائرة العالمية؟
•• في الحقيقة لما كنت بصدد كتابة «سيدات القمر» ومن بعدها باقي الروايات لم تكن فكرة الشعبية تعنيني بأي حال من الأحوال، كنت أكتب لأني أريد أن أكتب، لأني في البداية وفي الأساس أنا أكتب لقارئ عربي، فلما نشرت الرواية وقوبلت بقبول حسن في العالم العربي أولا، كان هذا محفزا لي، لكن لما أصبحت الرواية عالمية وترجمت إلى كل هذه اللغات ووزعت منها نسخ كثيرة جدا في أنحاء العالم أصبح لدي أيضا قراء متعددون ومختلفون، فمرة قال أحد الكتاب «إذا طبعت مليون نسخة من كتاب، فذلك يعني أن أمامك مليون قراءة مختلفة للكتاب».
وربما يكون الاهتمام العالمي، جذب المزيد من الاهتمام العربي وهذا أمر له عوامل مختلفة ومعقدة في عالمنا العربي.
• هل العالم العربي يقرأ؟
•• إلى حد ما.. أنا أدرس في الجامعة ولا أريد التعميم بأن العرب لا يقرأون؛ لأنه دائما أرى الكثير من الطلاب والطالبات في سن صغير وهم يلتهمون الكتب.. عندي طلبة يقرأون كثيرا جدا في الفلسفة على الرغم من إغلاق قسم الفلسفة في الجامعة، وهذا شيء مبشر لكن لا نستطيع التعميم لأن كثيرا من الناس أيضا يعانون من مشاكل اقتصادية واجتماعية طاحنة تحول بينهم وبين القدرة على القراءة.
• من خلال ثيمة العلاقات الإنسانية وتعقيدها في رواياتك، هل يمكن اعتبار التفاتتك لفكرة العلاقات الإنسانية والأجيال والتغيرات التي تحدث في المجتمع العُماني تكريسا لأدب سردي يحفر في سيرورة المجتمعات؟
•• نعم أنا مهتمة بتأمل السيرورة في المجتمع، وأيضا مهتمة جدا بموضوع العلاقات وكيف تتغير وتتعقد ليس فقط من جيل إلى جيل لكن أحيانا داخل الجيل نفسه، فهذه الامور التي تلفت انتباهي وأنا نشأت في الثمانينات في عُمان، في عالم يتغير بسرعة هائلة وكان من الملفت لي دائما أن أفكر كيف يستجيب الناس لهذه التغيرات التي قد تمر بها بلدان أخرى في قرون ونحن نمر بها في سنوات قليلة، يعني هناك تغيرات هائلة في سنوات قليلة، فكيف يستجيب الناس لها؟ كيف تستجيب العلاقات الاجتماعية لها؟ القيم، العادات والتقاليد.. كل هذه الأسئلة فرضت نفسها علي.
• معظم شخوص روايتك من النساء، هل هو اختيار تستدعيه الحبكة السردية، أم ماذا؟
•• ليس بالضرورة، أنا مهتمة بالإنسان عامة لكن ربما أجد أن الكتابة عن الشخصيات النسائية سلسة بالنسبة لي أو ربما تفرض هذه الشخصية نفسها وأحيانا علاقة المؤلف مع شخصياته تكون نفسها علاقة غير متوقعة لأني مثلا في الرواية الأخيرة «حرير الغزالة» هناك شخصيتان بطلتان هما غزالة وحرير وهناك شخصية هامشية هي عمة غزالة اسمها مليحة وهذه شخصية هامشية من البداية وأنا قلت إنها العمة وستأخذ حيزا ضيقا من الرواية، ولكن بتقدم الفصول وجدت أن هذه المرأة وهي بشخصية مميزة تفرض نفسها وتريد مساحة أكبر، وفي كل مرة اكتب عن غزالة تأتي هذه العمة وتقول وأنا؟ وأحس أنها تفرض نفسها وفعلا في النهاية خصصت لها أكثر من فصل لأني أحسست أن هي التي قادتني لإعطائها صوتا.
• «كل شيء يتغير نسبيا بمجرد كتابته»، الرواية كونها تماهي بين أحداثها التخييلية والجمالية والواقع المتشابك والمتشابه، تفرض أحيانا على الكاتب أنه كلما اقترب من الواقع رفع منسوب الخيانة، فهل ترين في السرد الروائي مرآة للواقع؟ أم أنه واقع متوازٍ؟
•• هو واقع متوازٍ لأنه لولا التخييل لما أمكننا أن نكتب الحكاية. بالنسبة لي على الأقل يعني نقل الواقع كما هو بالضبط صعب أو مستحيل لكن التخييل هو الذي يعطي الحكاية سحرها وهذا أيضا ما يحفزني على الكتابة لأني أريد أن أعرف هذه العمة في الرواية التي لم أكن أعرفها كثيرا وأنا في بداية الرواية، وبعد ذلك بدأت أتعرف عليها، وهذا ما دفعني وحفزني أن أكتب أكثر عنها، لأني أنا مثل القارئ أردت أن أكتشفها أكثر.