كنت أظن أنها مجرد عادة يومية أمارسها، لكنني ومنذ ذلك اليوم الذي حصلت فيه على تلك الحقيبة وأنا أشاطرها في كل يوم ساعة من زمن، هكذا عبثاً أقلبها وأفتش في جيوبها وألاحظ نموها ونمو الذكريات التي أدسها فيها بين الحين والآخر.
لم ترعبني كثيراً فكرة حملي لهذه الحقيبة في أسفاري القليلة، فهي في نهاية المطاف حقيبة ومن منا لا يسافر بحقيبة؟! لكن؛ أن أطلبها بعد إفاقتي من البنج وأنا ما زلت في غرفة العمليات فذاك الأمر جعلني أتوجس خيفة وخشية من أن أكون قد أصبت تجاهها بشيء ما؛ خاصة أن من كانوا حولي ينتظرون استفاقتي الكاملة من البنج للاطمئنان عليّ قد لاحظوا ذلك وشرعوا يتهامسون ويتساءلون عما أدسه في هذه الحقيبة.
على غير العادة يزورنا أخي الكبير فاروق هذا الصباح ويطرق باب غرفتي مباشرة حتى دون أن يطمئن على أمي المريضة؛ عرفت ذلك بعد أن فتحت له الباب وسألته عن حال أمي اليوم حيث أجابني بكل غلظة: وأنت ماذا تفعل في هذا البيت؟! أليس من المفترض أن نسألك نحن عنها كونك الوحيد الذي يسكن معها؟!
لم أجد أي إجابة على أسئلة فاروق فآثرت الصمت وشرعت أراقب نظراته التي شعرت أنها تتجول في أرجاء غرفتي الغارقة بالعبث كما لو أنها نظرات نسر يبحث عن فريسة؛ وبالفعل ولمجرد أن رأى الحقيبة بالقرب من وسادتي حتى راح يسألني: ما سر هذه الحقيبة التي تكاد تبلغ معها الأربعين من عمرك وأنت متشبث بها؟! وبكل برود رددت على سؤاله بسؤال: أي حقيبة تقصد؟
فرد بغضب الحزين: هذه الحقيبة يا رجل؛ الحقيبة التي تهتم بها أكثر من أمك؛ الحقيبة التي ذاع في الحي أنك قلت لأمي ذات يوم إنها تفوق في أهميتها فكرة استقرارك وزواجك؛ الحقيبة التي خطفتك من واقعك وأحالتك لشبه مجنون لولا أن الناس لا تراك ولا تعلم بما تفعل مع حقيبة عتيقة وإلا لوصمتك بالجنون؛ أجبني أرجوك يا أخي أجبني...
حينها تمنيت لو أنه لم يذرف دموع القهر على خده ويصمت؛ تمنيت لو أنه استطرد في حديثه وأسئلته لأنني كنت متلذذاً جداً بحديث الأخ الأكبر الذي لطالما تمنيت سماعه؛ كنت متلذذاً بغضبه وأساهُ عليّ وعلى حالي الذي وصلت إليه؛ تمنيت لو أنه تجرأ وأخذ الحقيبة وفتشها أو حتى مزقها، تمنيت لو أن أمي تفيق من غيبوبتها وترى هذا المشهد الذي لطالما حدثتها عنه عندما كان كل إخوتي الثلاثة يغيبون عني وعنها بالشهور مكتفين بالسؤال عنا هاتفياً؛ تمنيت كل شيء في تلك اللحظة المتأخرة جداً؛ وتمنيت أكثر لو أنه سألني عن مصدر هذه الحقيبة وما أدسه فيها كي أقول: هذه الحقيبة؛ هي الجائزة اليتيمة التي حصلت عليها في مسابقة كتابة المقال التي أقامتها إدارة التعليم قبل ثلاثين عاماً من الآن وليس بداخلها شيء غير ثلاث بطاقات دعوة كنت أنوي أن أعطيك وبقية إخوتي كي تشاركوني تلك اللحظة الوحيدة التي تحولت لعيد ميلاد لحزني السرمدي.
لم ترعبني كثيراً فكرة حملي لهذه الحقيبة في أسفاري القليلة، فهي في نهاية المطاف حقيبة ومن منا لا يسافر بحقيبة؟! لكن؛ أن أطلبها بعد إفاقتي من البنج وأنا ما زلت في غرفة العمليات فذاك الأمر جعلني أتوجس خيفة وخشية من أن أكون قد أصبت تجاهها بشيء ما؛ خاصة أن من كانوا حولي ينتظرون استفاقتي الكاملة من البنج للاطمئنان عليّ قد لاحظوا ذلك وشرعوا يتهامسون ويتساءلون عما أدسه في هذه الحقيبة.
على غير العادة يزورنا أخي الكبير فاروق هذا الصباح ويطرق باب غرفتي مباشرة حتى دون أن يطمئن على أمي المريضة؛ عرفت ذلك بعد أن فتحت له الباب وسألته عن حال أمي اليوم حيث أجابني بكل غلظة: وأنت ماذا تفعل في هذا البيت؟! أليس من المفترض أن نسألك نحن عنها كونك الوحيد الذي يسكن معها؟!
لم أجد أي إجابة على أسئلة فاروق فآثرت الصمت وشرعت أراقب نظراته التي شعرت أنها تتجول في أرجاء غرفتي الغارقة بالعبث كما لو أنها نظرات نسر يبحث عن فريسة؛ وبالفعل ولمجرد أن رأى الحقيبة بالقرب من وسادتي حتى راح يسألني: ما سر هذه الحقيبة التي تكاد تبلغ معها الأربعين من عمرك وأنت متشبث بها؟! وبكل برود رددت على سؤاله بسؤال: أي حقيبة تقصد؟
فرد بغضب الحزين: هذه الحقيبة يا رجل؛ الحقيبة التي تهتم بها أكثر من أمك؛ الحقيبة التي ذاع في الحي أنك قلت لأمي ذات يوم إنها تفوق في أهميتها فكرة استقرارك وزواجك؛ الحقيبة التي خطفتك من واقعك وأحالتك لشبه مجنون لولا أن الناس لا تراك ولا تعلم بما تفعل مع حقيبة عتيقة وإلا لوصمتك بالجنون؛ أجبني أرجوك يا أخي أجبني...
حينها تمنيت لو أنه لم يذرف دموع القهر على خده ويصمت؛ تمنيت لو أنه استطرد في حديثه وأسئلته لأنني كنت متلذذاً جداً بحديث الأخ الأكبر الذي لطالما تمنيت سماعه؛ كنت متلذذاً بغضبه وأساهُ عليّ وعلى حالي الذي وصلت إليه؛ تمنيت لو أنه تجرأ وأخذ الحقيبة وفتشها أو حتى مزقها، تمنيت لو أن أمي تفيق من غيبوبتها وترى هذا المشهد الذي لطالما حدثتها عنه عندما كان كل إخوتي الثلاثة يغيبون عني وعنها بالشهور مكتفين بالسؤال عنا هاتفياً؛ تمنيت كل شيء في تلك اللحظة المتأخرة جداً؛ وتمنيت أكثر لو أنه سألني عن مصدر هذه الحقيبة وما أدسه فيها كي أقول: هذه الحقيبة؛ هي الجائزة اليتيمة التي حصلت عليها في مسابقة كتابة المقال التي أقامتها إدارة التعليم قبل ثلاثين عاماً من الآن وليس بداخلها شيء غير ثلاث بطاقات دعوة كنت أنوي أن أعطيك وبقية إخوتي كي تشاركوني تلك اللحظة الوحيدة التي تحولت لعيد ميلاد لحزني السرمدي.