-A +A
صدقه يحيى فاضـل
استطاعت الحركة الصهيونية، وفرعها الأهم المعروف بمسمى «اللوبي الإسرائيلي» في أمريكا، ممثلا في منظمة «ايباك» (AIPAC) بصفة أساسية، إقناع أمريكا، حكومة وشعبا، بتأييد «جريمة العصر».... التي تمثلت في: قيام ونمو وتوسع هذا الورم السرطاني المسمى بـ «إسرائيل». وتولت أمريكا (بدورها) «فرض» هذه الجريمة على العالم العربي، وبقية دول العالم، عبر: وسائل الترغيب والترهيب المعروفة، التي تتبعها لتكريس قبول العالم بـ«إسرائيل».. رغم أنها قامت على حساب شعب بأكمله.. لم يكن له أي ذنب في ما يقال إنه حصل لليهود بأوروبا.

والواقع، أن قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل، يرد إلى أسباب عدة، أهمها «العوامل» الثلاثة المعروفة وهي: الرغبة الاستعمارية الغربية في وجود هذا الكيان بفلسطين، والتخطيط الصهيوني المحكم، والضعف العربي المطبق. وجد التخطيط الصهيوني أمامه ترحيبا غربيا وأمريكيا بالغا، واستعدادا جاهزا لتبني المشروع الصهيوني بالمنطقة، بل وتحمل تكاليفه. ان للنفوذ الصهيوني بأمريكا دوراً رئيساً في حدوث واستتباب هذه الجريمة، وما تمخض عنها خلال العقود الثمانية التالية لقيام هذا الكيان الغاصب.


وقد كان (وما زال) من الممكن القبول بكيان يهودي عادي، مسالم في قلب العالم العربي، لولا إصرار إسرائيل العجيب على:

- الاستمرار في ارتكاب المجازر والجرائم ضد الفلسطينيين، على مدار الساعة. فإسرائيل تقتل وتصيب وتعتقل وتشرد وتعذب ضحاياها يوميا. إنها، بالفعل، دولة إرهابية، وآلة قتل وتدمير...

- رفض القبول بـ «متطلبات» التسوية السلمية، التي تتنازل لها عن ثلاثة أرباع فلسطين، مقابل التخلي عن الربع الباقي للفلسطينيين..!

- سعيها المحموم للهيمنة على كل المنطقة، عبر: العمل على تمزيقها، وإضعاف كافة دولها، وإغراقها في القلاقل والمحن، الواحدة تلو الأخرى. ومعظم ما حاق بالمنطقة (من كوارث) كان مدفوعا من قبل إسرائيل، وداعميها.

- تسلحها بالسلاح النووي، وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى، واستخدام قوتها العسكرية هذه لتهديد، وابتزاز، دول المنطقة.

****

ولقد سخرت الصهيونية الولايات المتحدة لتنفيذ ودعم هذه الأفعال، واستجابت حكومة أمريكا -وبرحابة صدر- للأسباب المعروفة. وذلك أدى - بالضرورة - إلى: غضب الشعوب العربية والإسلامية من هذه الهجمة الصهيونية المسيطرة على صناعة القرار الأمريكي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط. وكذلك استياء كثير من الأمريكيين، بل ومطالبتهم بوقف هذا التأثير (السلبي) للوبي الصهيوني، على سياسات بلادهم تجاه المنطقة والعالم.

ومن أبرز «الأمثلة» على ما ذكر، هو البحث (الكتاب) الذي أصدره، عام 2006م، الأستاذان الجامعيان الأمريكيان: «جون ميرشايمر»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، و«ستيفن والت»، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، بعنوان: تأثير اللوبي الإسرائيلي على سياسة أمريكا الخارجية. ورغم صدور هذا الكتاب منذ 16 عاما، إلا أنه ما زال يحظى بالاهتمام؛ لأن معظم ما ورد فيه ما زال صحيحا. بل تأكدت صحته أكثر.

ويمكن أن نوجز أهم الاستنتاجات الواردة في كتابهما هذا، فيما يلي:

- «إن اللوبي الصهيوني يدفع حكومة أمريكا تجاه سياسات تضر بمصلحة الولايات المتحدة، وحتى مصلحة إسرائيل. وأن التأييد الأمريكي شجع سياسات إسرائيل العدوانية».

- «أصبحت إسرائيل عائقا إستراتيجيا لأمريكا، بعد أن كانت مصدر قوة إستراتيجية لها، خلال الحرب الباردة».

- «إن اللوبي الصهيوني يعمل على تعيين مسؤولين أمريكيين موالين لإسرائيل في المناصب العليا الحساسة الرفيعة المستوى، وتوجيه الرأي العام الأمريكي دائما لصالح إسرائيل».

- «إن هذا اللوبي هو سبب المشاكل التي تواجه أمريكا، في خوض سياستها الخارجية، التي جعلتها أقل شعبية، ومصداقية، خاصة مع تحرك جماعات مسلحة وإرهابية، ضد أمريكا، بسبب انحيازها الأعمى لإسرائيل».

- «إن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تتعارض مع القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة.. مما يجعل من الصعب تبرير الدعم الأمريكي المستمر لها».

وقد قام الباحثان، ميرشايمر ووالت، بإلقاء محاضرات عدة مشتركة في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، في لندن، وفى جامعتي هارفارد وشيكاغو، وغيرهما، عن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ودور إسرائيل فيها. وأورد هذان الباحثان أمثلة عدة على مواقف أمريكا تجاه دول المنطقة، المتأثرة بضغوط اللوبي الصهيوني، والمنفذة كما يريد هذا اللوبي، وبما يعتقد أنه يخدم إسرائيل، دون سواها.

****

تلك هي خلاصة لآراء خبيرين أمريكيين تجاه بعض أبرز ما يجرى بالمنطقة، وما يسود بها من سياسات. وهذان الباحثان يؤيدان بقاء إسرائيل، ولكنهماصص يريدان ألا تخضع حكومة بلدهما لجماعة ضغط رعناء، تدفع حكومتهم لارتكاب «جرائم وخطايا صهيونية (باسم أمريكا وبرجالها وأموالها) يصعب غفرانها» كما قالا. وفى الواقع، فإنهما لم يقولا جديدا غير صراحتهما النادرة في وصف سياسات إسرائيل، وكون معظم هذه السياسات عدوانية. وقد سبقهما كتاب أمريكيون قلائل، تجرأوا على انتقاد إسرائيل. وما زال كتاب ميرشايمر ووالت يحظى باهتمام الأمريكيين، بشتى مشاربهم، ومنهم المؤيد لما ورد بالكتاب، ومنهم الصهاينة الرافضين بقوة له.

وقبل حوالى سنتين، تحدث «جون ميرشايمر» عن الوضع السياسي العام في أوكرانيا، واحتمال تدميرها، نتيجة لسياساتها الهادفة للالتحاق بحلف ناتو، وما سيتمخض عن هذه المحاولة عالميا. وقد حدث (في فبراير 2022م) ما توقعه ميرشايمر، كما سوف نوضح في مقالنا القادم.