لم يعد ثمة مفر من التحدث عن القلق الناجم عن اتساع نطاق تفشي فايروس جدري القرود. فقد ارتفع عدد الدول التي أبلغت عن وقوع إصابات فيها إلى أكثر من 20 دولة. وأضحت «كلمة السر» في عشرات الدول هي ضرورة العودة إلى المستودعات الدوائية للبحث عن مخزون تلك الدول من لقاح مرض الجدري، والبحث عن أدوية قادرة على معالجة جدري القرود. وقال مسؤولو المراكز الأمريكية للحد من الأمراض ومكافحتها أمس الأول إن لدى أمريكا مخزون كبير من أكثر من 100 مليون جرعة من لقاح الجدري، من نوعين من اللقاح اللذين أقرتهما هيئة الغذاء والدواء. غير أنها حذرت من أن لقاح الجدري يمكن أن يسبب أعراضاً جانبية، ولا يمكن إعطاؤه إلى الأشخاص الذين يعانون ضعفاً في المناعة. واللقاح الثاني يسمى جينيوس. وقد تم إقراره في سنة 2019 لصد كل من الجدري وجدري القرود. وتوجد في المستودعات الدوائية الأمريكية نحو ألف جرعة منه. وأشارت مسؤولة في المراكز الأمريكية إلى أن الشرطة الصانعة للقاح الثاني تعهدت بتوفير مزيد من الجرعات للحكومة الأمريكية خلال أيام. وعلى رغم ذلك القلق كله؛ فإن الولايات المتحدة أكدت حتى الآن إصابة وحيدة فقط بجدري القرود، في ولاية ماساشوسيتس. لكنها تحقق في أربع حالات اشتباه. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن قلقهم ليس ناجماً عن الوضع الصحي في بلادهم، وإنما عن تفشي جدري القرود في أنحاء العالم. فخارج نطاق القارة الأفريقية، التي يتوطن فيها جدري القرود، أعلنت 14 دولة حتى أمس (الأربعاء) إصابات مؤكدة. وقالت دول أخرى إنها تحقق في الاشتباه بعشرات الإصابات. وطلبت وكالة الأدوية التابعة للاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء في الاتحاد التحقق من وجود مخزونات كافية من لقاح الجدري، والأدوية المضادة للفايروسات، والزي الملائم للوقاية من الإصابة. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تختزن نحو 31 مليون جرعة من لقاح الجدري. لكنها تقول إن فعالية قسم من تلك الكمية ربما تكون قد تضاءلت بفعل مرور الزمن، منذ صنعها قبل عقود.
وتعتبر أوروبا القارة الأشد تضرراً من تفشي جرس القرود، خصوصاً إسبانيا. وسيحقق المسؤولون الصحيون في إسبانيا في سببين يحتمل أن يكونا وراء هذه الإصابات. وهما: مسيرة للمثليين تم تسييرها في جزر كناري في 5 مايو الجاري، وشارك فيها نحو 80 ألف شخص؛ وحمام بخار (ساونا) في العاصمة مدريد. غير أن الخبراء الصحيين حذروا من مغبة حصر سبب تفشي هذا الفايروس في فئة المثليين. وقالوا إن فئات السكان الأخرى عُرضة للإصابة أسوة بالمثليين. وكانت بريطانيا أعلنت أول إصابة بجدري القرود في أراضيها بعد نحو أسبوع من مسيرة جزر كناري الإسبانية. واتضح أن المصاب ليست له أية صلة بغرب أفريقيا، حيث يتوطن فايروس جدري القرود. لكن خبراء قالوا إن طريقة تفشيه تؤكد أنه ربما ظلّ فاشياً خارج القارة الأفريقية منذ أشهر عدة. وأقر عدد من الخبراء بأنهم يشعرون بالحيرة إزاء تفشي الفايروس خارج معاقله التقليدية غرب القارة الأفريقية ووسطها، من دون صلة للمصابين بالسفر إلى تلك الأرجاء، ومن دون وجود حيوانات مصابة به في أوروبا.
غير أن غالبية المختصين في مكافحة الأوبئة أجمعوا على أنه ليس من المحتمل أن يؤدي الحديث عن جرعات لقاح الجدري إلى تنظيم حملات للتطعيم، على غرار التطعيم بلقاحات وباء فايروس كورونا الجديد. ونصحوا بالاكتفاء بتطعيم المخالطين لمن تأكدت إصابتهم بجدري القرود. والسبب الأساسي في عدم احتمال تنظيم حملات سكانية شاملة للتطعيم بلقاح الجدري يتمثل في أن لقاح الجدري معروف عنه أن له مضاعفات جانبية خطيرة، منها التهاب عضلة القلب. كما أنه يعتبر خطيراً جداً على الأشخاص الذين يعانون مشكلات في المناعة. فهو مثلاً يعتبر قاتلاً إذا تعاطاه المصاب بالحساسية (الإكزيما). ولذلك فإنه يُكتفى في مثل الأوضاع الراهنة بما يسمى بـ «التطعيم الحَلَقِي» (تطعيم القريبين من المصابين ومخالطيهم Ring Vaccination). ويمكن إلى جانب ذلك الاستعانة بالأجيال الجديدة من لقاحات الجدري، ومنها لقاح جينيوس، الذي يمكن إعطاؤه لعدد أكبر من السكان، من دون خوف من حدوث أعراض جانبية تذكر. وتقول حكومة الولايات المتحدة إنها قامت بشراء أكثر من مليوني جرعة من دواء مضاد للفايروسات يسمى تيكوفيريمات. وتجري الجهات الصحية الحكومية الأمريكية اتصالات مع الشركة التي صنعت هذا العقار لإنتاج نسخة منه يتم حَقْنُها في الوريد.
من التاريخ.. حكاية «جدري القرود»
تم اكتشاف أول إصابة بشرية بجدري القرود في سنة 1970 بجمهورية الكونغو الديموقراطية، لطفل عمره تسع سنوات، بعد إعلان السلطات هناك استئصال مرض الجدري في البلاد. وقد تزايدت الإصابات بجدري القرود تزايداً كبيراً خلال العقود التي أعقبت استئصال الجدري هناك. وأصيب عشرات الأشخاص بجدري القرود في الولايات المتحدة في سنة 2003، بعدما ذُكر أن العدوى انتقلت إليهم من حيوانات مصابة بهذا الفايروس. وعلى رغم أن جدري القرود اكتشف في سنة 1958، وسط القرود المحتجزة في مختبرات التجارب العلمية؛ فإنه يتفشى من خلال القوارض. وخلال أسبوع أو أسبوعين من الإصابة، يشعر المصاب بحُمى، ووجع في الحلق، وتعب، وآلام في عضلات الجسم. ويرافق ذلك طفح مميز يبدأ بالوجه، ثم ينتقل إلى راحة اليد، وأسفل القدمين. وينتقل بعد ذلك ليشمل جميع أعضاء الجسم. وقد يصاب مريض جدري القرود بتورم في الغدد الليمفاوية في العنق، وتحت الأبط، وبين الفخذين. وفي بعض الحالات قد يقتصر وجود الطفح على الأعضاء الجنسية للمصاب. وحذر المركز الأوروبي للحد من الأمراض أمس الأول المصابين بجدري القرود من مغبة الاقتراب من حيواناتهم المنزلية؛ ليس من أجل صحة الحيوان فحسب؛ بل لأنه إذا حدث انتقال للمرض من الإنسان إلى الحيوان فسينشأ احتمال بأن يصبح هذا الفايروس متوطناً في القارة الأوروبية. وكانت آخر حالات من الجدري ظهرت في سنة 1977. وفي سنة 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية استئصال فايروس الجدري.
هل يبتسم الحظ لـ«موديرنا».. مرة أخرى؟
أعلنت شركة موديرنا الدوائية الأمريكية أنها تختبر لقاحات محتملة ضد جدري القرود، في المراحل السابقة للتجارب، بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية (الثلاثاء) ارتفاع عدد الإصابات بهذا الفايروس إلى 131 إصابة حول العالم، والتحقيق في الاشتباه بـ 106 حالات، منذ اندلاع الإصابات بجدري القرود في 7 مايو الجاري. وفي سياق متصل، أعلنت شركة التكنولوجيا الحيوية الدنماركية بافاريان نورديك، وهي الشركة الوحيدة التي تنتج لقاحاً مُرَخَّصاً لجدري القرود، أن دولاً عدة اتصلت بها لشراء كميات من لقاحها. ويباع لقاحها في أوروبا تحت مسمى «بافاريانز إيمفانكس». ويباع في أمريكا تحت الاسم التجاري «جينيوس». وقد منحته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيصاً يتيح استخدامه ضد كل من الجدري وجدري القرود؛ فيما يقتصر ترخيصه في الاتحاد الأوروبي على الاستخدام ضد الجدري فقط. وتملك الشركة الدنماركية طاقة إنتاجية تبلغ 30 مليون جرعة.
وتعتبر أوروبا القارة الأشد تضرراً من تفشي جرس القرود، خصوصاً إسبانيا. وسيحقق المسؤولون الصحيون في إسبانيا في سببين يحتمل أن يكونا وراء هذه الإصابات. وهما: مسيرة للمثليين تم تسييرها في جزر كناري في 5 مايو الجاري، وشارك فيها نحو 80 ألف شخص؛ وحمام بخار (ساونا) في العاصمة مدريد. غير أن الخبراء الصحيين حذروا من مغبة حصر سبب تفشي هذا الفايروس في فئة المثليين. وقالوا إن فئات السكان الأخرى عُرضة للإصابة أسوة بالمثليين. وكانت بريطانيا أعلنت أول إصابة بجدري القرود في أراضيها بعد نحو أسبوع من مسيرة جزر كناري الإسبانية. واتضح أن المصاب ليست له أية صلة بغرب أفريقيا، حيث يتوطن فايروس جدري القرود. لكن خبراء قالوا إن طريقة تفشيه تؤكد أنه ربما ظلّ فاشياً خارج القارة الأفريقية منذ أشهر عدة. وأقر عدد من الخبراء بأنهم يشعرون بالحيرة إزاء تفشي الفايروس خارج معاقله التقليدية غرب القارة الأفريقية ووسطها، من دون صلة للمصابين بالسفر إلى تلك الأرجاء، ومن دون وجود حيوانات مصابة به في أوروبا.
غير أن غالبية المختصين في مكافحة الأوبئة أجمعوا على أنه ليس من المحتمل أن يؤدي الحديث عن جرعات لقاح الجدري إلى تنظيم حملات للتطعيم، على غرار التطعيم بلقاحات وباء فايروس كورونا الجديد. ونصحوا بالاكتفاء بتطعيم المخالطين لمن تأكدت إصابتهم بجدري القرود. والسبب الأساسي في عدم احتمال تنظيم حملات سكانية شاملة للتطعيم بلقاح الجدري يتمثل في أن لقاح الجدري معروف عنه أن له مضاعفات جانبية خطيرة، منها التهاب عضلة القلب. كما أنه يعتبر خطيراً جداً على الأشخاص الذين يعانون مشكلات في المناعة. فهو مثلاً يعتبر قاتلاً إذا تعاطاه المصاب بالحساسية (الإكزيما). ولذلك فإنه يُكتفى في مثل الأوضاع الراهنة بما يسمى بـ «التطعيم الحَلَقِي» (تطعيم القريبين من المصابين ومخالطيهم Ring Vaccination). ويمكن إلى جانب ذلك الاستعانة بالأجيال الجديدة من لقاحات الجدري، ومنها لقاح جينيوس، الذي يمكن إعطاؤه لعدد أكبر من السكان، من دون خوف من حدوث أعراض جانبية تذكر. وتقول حكومة الولايات المتحدة إنها قامت بشراء أكثر من مليوني جرعة من دواء مضاد للفايروسات يسمى تيكوفيريمات. وتجري الجهات الصحية الحكومية الأمريكية اتصالات مع الشركة التي صنعت هذا العقار لإنتاج نسخة منه يتم حَقْنُها في الوريد.
من التاريخ.. حكاية «جدري القرود»
تم اكتشاف أول إصابة بشرية بجدري القرود في سنة 1970 بجمهورية الكونغو الديموقراطية، لطفل عمره تسع سنوات، بعد إعلان السلطات هناك استئصال مرض الجدري في البلاد. وقد تزايدت الإصابات بجدري القرود تزايداً كبيراً خلال العقود التي أعقبت استئصال الجدري هناك. وأصيب عشرات الأشخاص بجدري القرود في الولايات المتحدة في سنة 2003، بعدما ذُكر أن العدوى انتقلت إليهم من حيوانات مصابة بهذا الفايروس. وعلى رغم أن جدري القرود اكتشف في سنة 1958، وسط القرود المحتجزة في مختبرات التجارب العلمية؛ فإنه يتفشى من خلال القوارض. وخلال أسبوع أو أسبوعين من الإصابة، يشعر المصاب بحُمى، ووجع في الحلق، وتعب، وآلام في عضلات الجسم. ويرافق ذلك طفح مميز يبدأ بالوجه، ثم ينتقل إلى راحة اليد، وأسفل القدمين. وينتقل بعد ذلك ليشمل جميع أعضاء الجسم. وقد يصاب مريض جدري القرود بتورم في الغدد الليمفاوية في العنق، وتحت الأبط، وبين الفخذين. وفي بعض الحالات قد يقتصر وجود الطفح على الأعضاء الجنسية للمصاب. وحذر المركز الأوروبي للحد من الأمراض أمس الأول المصابين بجدري القرود من مغبة الاقتراب من حيواناتهم المنزلية؛ ليس من أجل صحة الحيوان فحسب؛ بل لأنه إذا حدث انتقال للمرض من الإنسان إلى الحيوان فسينشأ احتمال بأن يصبح هذا الفايروس متوطناً في القارة الأوروبية. وكانت آخر حالات من الجدري ظهرت في سنة 1977. وفي سنة 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية استئصال فايروس الجدري.
هل يبتسم الحظ لـ«موديرنا».. مرة أخرى؟
أعلنت شركة موديرنا الدوائية الأمريكية أنها تختبر لقاحات محتملة ضد جدري القرود، في المراحل السابقة للتجارب، بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية (الثلاثاء) ارتفاع عدد الإصابات بهذا الفايروس إلى 131 إصابة حول العالم، والتحقيق في الاشتباه بـ 106 حالات، منذ اندلاع الإصابات بجدري القرود في 7 مايو الجاري. وفي سياق متصل، أعلنت شركة التكنولوجيا الحيوية الدنماركية بافاريان نورديك، وهي الشركة الوحيدة التي تنتج لقاحاً مُرَخَّصاً لجدري القرود، أن دولاً عدة اتصلت بها لشراء كميات من لقاحها. ويباع لقاحها في أوروبا تحت مسمى «بافاريانز إيمفانكس». ويباع في أمريكا تحت الاسم التجاري «جينيوس». وقد منحته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيصاً يتيح استخدامه ضد كل من الجدري وجدري القرود؛ فيما يقتصر ترخيصه في الاتحاد الأوروبي على الاستخدام ضد الجدري فقط. وتملك الشركة الدنماركية طاقة إنتاجية تبلغ 30 مليون جرعة.