-A +A
قراءة: سعيد السريحي
لا يبدو أن ناصر القصبي وعبدالله السدحان قد حققا ما كانا يتوخيانه من القطع مع مسلسلهما الشهير (طاش ما طاش)، إذ تبدو شخصيتا (سليّم وكريّم) في مسلسل (كلنا عيال قريّة) امتداداً لشخصيات طاش ما طاش سواء على مستوى بناء الشخصية أو على مستوى الأداء وربما لم يزيدا عن أن يكونا استحضاراً لشخصيتي (حمود ومحيميد) التي تمكنا من خلالهما من بناء نموذج لهشاشة الإنسان القروي وهو يجد نفسه محاصراً وسط المدينة بما تفرضه من أنماط سلوكية وما تواجه به الإنسان من تحديات وما تستوجبه من ردود أفعال.
ربما كانت محاولة الفكاك من دائرة (طاش ما طاش) تطلعاً سعى إليه كل من ناصر القصبي وعبدالله السدحان أكثر من مرة حينما صرّحا قبل أعوام عن انهما يزمعان إيقاف المسلسل والبحث عن نموذج آخر وقد يعود ذلك إلى شعورهما بأن (طاش ما طاش) قد انتهى إلى عمل نمطي مكرر وقد وضعهما رغم نجاحه على عتبة مسؤولية تجاوزه، وربما كانت محاولات الخروج من طاش ما طاش مخرجاً للخلافات بين افراد الفريق نفسه وهي الخلافات التي أدت الى القطيعة مع المخرج الأول عامر الحمود الذي اعتبر نفسه صاحب الحق في المسلسل فوجدنا أنفسنا العام المنصرم امام نموذجين من (طاش ما طاش) احدهما يديره المخرج السابق والآخر يديره الممثلان في صورة واضحة لعجز الفريق الفني عن الوصول إلى حل أو اتفاق.توقف "طاش ما طاش" صاحبه أمرٌ آخر وهو خروج المخرج عبدالخالق الغانم الذي ظلت العباءة التي ورثها من عامر الحمود توشح مشاهد المسلسل وترسم معالم شخصياته فلم يستطع المخرج الجديد ولا الممثلان القديمان تجاوز الأنماط التي حضرتها شخصيات طاش ما طاش في ذهن المشاهد.

وعلى الرغم من ذلك فإن بإمكاننا أن نقرأ في عنوان المسلسل الجديد بعداً عميقاً فحين يكون العنوان (كلنا عيال قرية) فإن هذه الروح القروية تتجاوز الممثلين ليصبح المشاهد كذلك واحداً من أبناء هذه (القرية) ونصبح عندها نحن جميعاً مستغرقين في (قرويتنا) التي تجعلنا كائنات هشة عاجزة عن مواجهة المتغيرات أو الوقوف في وجه التحديات.
يقدم كل من ناصر القصبي (سليّم) وعبدالله السدحان (كريّم) من خلال هذين الدورين صورتين لنا جميعاً تفضح ما نتسم به من هشاشة وضعف سواء كان نموذجاً لمحاولة الالتزام الوظيفي والاخلاص في العمل كما هو (كريّم) أو كان نموذجاً للتفلت والفوضى كما هو الحال مع (سليّم).
(كلنا) التي يبدأ بها عنوان المسلسل تضع المشاهد جزءاً منه وتحوله هو الآخر الى نموذج يمكن له ان يكون امتداداً لإحدى الشخصيتين (سليّم) أو (كريّم) إذ لا ينفك سواء كان هذا الضعف والهشاشة مصحوباً بالإخلاص أو بالتسيب ان يحول بين الشخصيتين (والمشاهد كذلك) وبين الوقوع في حالة الاستلاب والعجز عن الخروج من دائرة الخوف والاستسلام لحالات القمع فهي شخصية قابلة للاستسلام الذي يبلغ حد الاعتراف بما لم تفعل كما حدث مع كريّم في انقطاع الكهرباء.
إن (كريّم وسليّم) نموذجان يستحضران شخصيات وتماثيل النحات الإيطالي (جيو كامتي) كما يعيدان شخصية (سرحان) في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة) لعادل إمام. ولعلّ ذلك التأويل هو المنقذ للمسلسل الجديد من الاستسلام لنموذجية (طاش ما طاش) التي لم يستطع الممثلان ولا مخرجهما الجديد الفكاك من أسرها.