هناك ما يشبه الإجماع في أدبيات علم السياسة على معيار الإرادة العامة كأساس لشرعية الأنظمة السياسية المعاصرة. بالرغم مما في هذا من انحياز لقيم العلمانية ودنيوية السلوك السياسي وبشريته، على ما عداه من متغيرات غيبية من الصعب قياسها كمياً أو حتى التأكد من قيمتها الأخلاقية، إلا أن هذا لا يمنع أو يحول دون التلاعب بمخرجات الممارسة الديمقراطية لتأتي بخلاف حياديتها التنافسية الكمية، ومبتغاها القِيَمِي والأخلاقي.
في الأنظمة الشمولية، التي لا يمكن القول أبداً بديمقراطيتها، نجدها تحرص على شكليات طقوس الممارسة الديمقراطية، افتئاتاً على قيم الديمقراطية بتوكيد السيادة الشعبية، بصورة حقيقية وفعلية. مثل هذه الأنظمة الشمولية لا يفوتها التأكيد على مرجعيتها الشعبية، في مسميات أحزابها الحاكمة، بل في مسمى الدولة، نفسه. في الصين: يحكم الحزب الشيوعي جمهورية الصين الشعبية. في ألمانيا الشرقية كان يحكم الحزب الشيوعي جمهورية ألمانيا الديمقراطية. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يحكمها فعلياً العسكر تحت مظلة سياسية (جبهة التحرير الوطنية الجزائرية).
لا تكفي الإشارة لـ«دمقرطة» النظم الشمولية في مسمى الدولة ولقب النخبة السياسية الحاكمة، بل لا بد أن ينعكس ذلك على حركة مؤسسات الدولة، لتكتمل صورة شرعية الجميع الشعبية. هذه الأنظمة الشمولية تربط شرعية رموزها ومؤسساتها السياسية، بطقوس الممارسة الديمقراطية. كما تحرص هذه الأنظمة على صلة نخبها السياسية بأحزاب سياسية، وليس بأفراد أو جماعات سياسية غير منظمة. كما نراها تتحرى حركية تجنيد وتصعيد كوادرها السياسية من خلال هذه الأحزاب لتظهر فيها تنافسية وجدارة كوادرها السياسية، وإن كانت ليست بالضرورة متصلة بتوجهات الإرادة العامة، بقدر ما تعكسه من ولاء للنخبة السياسية المتسلطة في أعلى هرم السلطة.
لذا نجد هذه الأنظمة الشمولية تراعي حركة التصعيد في السلطة، أو النزول مِنْ على سُدَتِها، بآليات الانتخاب.. وفي ما يخص التغييرات الجوهرية في شكل ومضمون النظام السياسي وقيمه نراها تستعين بآلية الاستفتاء. لكن آليتي الانتخاب والاستفتاء هاتان، لا تهدفان بالضرورة لتحري توجهات الإرادة العامة للناس والاستجابة لمداخلاتهم في النظام السياسي، بل، الأهم: تحري مصالح وتوجهات وغايات النخبة السياسية الحاكمة، تكريساً لسلطتها المطلقة، وضماناً لبقائها السرمدي فيها.
لن يجد المراقبون مشكلة حقيقية في استشراف نتائج الانتخابات والاستفتاءات، في تلك الأنظمة الشمولية. فالنتائج معروفة بدقة متناهية، حيث تسبقها مقدمات دقيقة، حتى في حساب نسبتها العددية، التي لا تقل عن ٩٠٪، وفي أحيان كثيرة عن ٩٩٪. وما تبقى من نسبة الـ١٠٠٪ تذهب كبطاقات تالفة وغير صالحة، ليس منها ما يفيد خلاف التصويت بنعم. الأنظمة الشمولية لا تعترف بمفهوم الأغلبية للتعبير عن الإرادة العامة... ولا ترضى أبداً عن مبدأ «إجماع» الإرادة العامة، اعتسافاً، كأساس لشرعيتها السياسية!
في هذه الأيام نادرة هي الأنظمة السياسية، التي لا تدعي ديمقراطيتها تزلفاً، وترى أن تمسكها بطقوس الديمقراطية وليس بجوهر مضمونها، كافٍ بأن يسبغ عليها شرعية سياسية. لكن في النهاية، لا الأخذ بالديمقراطية، في صورتها الحقيقية أو المزيفة، يعني - بالضرورة - استقراراً سياسياً وسلاماً اجتماعياً مستداماً.
فالصراع السياسي على السلطة يظلُ دائماً متحفزاً في خلفية الحراك السياسي للمجتمع، انتظاراً للفرصة المواتية للتعبير عن خلفيته (الغريزية العنيفة)، مهما بلغ المجتمع من تقدم في استئناس حركة الصراع على السلطة، وبلغ أشواطاً متقدمة في موروث التداول السلمي للسلطة. ويبقى ما حدث في السادس من يناير ٢٠٢١ في واشنطن شاهداً على هشاشة الخيار الديمقراطي، وخطورة الركون إليه والاطمئنان لمنطقه وضمان أمانه، على وجه الإطلاق. لكن، غالباً: أثبت الخيار الديمقراطي الحقيقي (ممارسةً وقيماً) فاعليته وكفاءته في القيام بمسؤولياته توكيداً لإرادة الشعب وإشباعاً لحاجاته.. ورادعاً فعالاً للفساد، وأماناً كافياً من استبداد السلطة.
الديمقراطية ليست طقوساً حركية شكلية، بل ممارسةً سلوكيةً شفافةً تحكمها قيمٌ تنافسيةٌ دقيقةٌ، يمكن قياسها كمياً، تعكسُ في النهاية إرادةً عامةً حقيقية.
في الأنظمة الشمولية، التي لا يمكن القول أبداً بديمقراطيتها، نجدها تحرص على شكليات طقوس الممارسة الديمقراطية، افتئاتاً على قيم الديمقراطية بتوكيد السيادة الشعبية، بصورة حقيقية وفعلية. مثل هذه الأنظمة الشمولية لا يفوتها التأكيد على مرجعيتها الشعبية، في مسميات أحزابها الحاكمة، بل في مسمى الدولة، نفسه. في الصين: يحكم الحزب الشيوعي جمهورية الصين الشعبية. في ألمانيا الشرقية كان يحكم الحزب الشيوعي جمهورية ألمانيا الديمقراطية. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، يحكمها فعلياً العسكر تحت مظلة سياسية (جبهة التحرير الوطنية الجزائرية).
لا تكفي الإشارة لـ«دمقرطة» النظم الشمولية في مسمى الدولة ولقب النخبة السياسية الحاكمة، بل لا بد أن ينعكس ذلك على حركة مؤسسات الدولة، لتكتمل صورة شرعية الجميع الشعبية. هذه الأنظمة الشمولية تربط شرعية رموزها ومؤسساتها السياسية، بطقوس الممارسة الديمقراطية. كما تحرص هذه الأنظمة على صلة نخبها السياسية بأحزاب سياسية، وليس بأفراد أو جماعات سياسية غير منظمة. كما نراها تتحرى حركية تجنيد وتصعيد كوادرها السياسية من خلال هذه الأحزاب لتظهر فيها تنافسية وجدارة كوادرها السياسية، وإن كانت ليست بالضرورة متصلة بتوجهات الإرادة العامة، بقدر ما تعكسه من ولاء للنخبة السياسية المتسلطة في أعلى هرم السلطة.
لذا نجد هذه الأنظمة الشمولية تراعي حركة التصعيد في السلطة، أو النزول مِنْ على سُدَتِها، بآليات الانتخاب.. وفي ما يخص التغييرات الجوهرية في شكل ومضمون النظام السياسي وقيمه نراها تستعين بآلية الاستفتاء. لكن آليتي الانتخاب والاستفتاء هاتان، لا تهدفان بالضرورة لتحري توجهات الإرادة العامة للناس والاستجابة لمداخلاتهم في النظام السياسي، بل، الأهم: تحري مصالح وتوجهات وغايات النخبة السياسية الحاكمة، تكريساً لسلطتها المطلقة، وضماناً لبقائها السرمدي فيها.
لن يجد المراقبون مشكلة حقيقية في استشراف نتائج الانتخابات والاستفتاءات، في تلك الأنظمة الشمولية. فالنتائج معروفة بدقة متناهية، حيث تسبقها مقدمات دقيقة، حتى في حساب نسبتها العددية، التي لا تقل عن ٩٠٪، وفي أحيان كثيرة عن ٩٩٪. وما تبقى من نسبة الـ١٠٠٪ تذهب كبطاقات تالفة وغير صالحة، ليس منها ما يفيد خلاف التصويت بنعم. الأنظمة الشمولية لا تعترف بمفهوم الأغلبية للتعبير عن الإرادة العامة... ولا ترضى أبداً عن مبدأ «إجماع» الإرادة العامة، اعتسافاً، كأساس لشرعيتها السياسية!
في هذه الأيام نادرة هي الأنظمة السياسية، التي لا تدعي ديمقراطيتها تزلفاً، وترى أن تمسكها بطقوس الديمقراطية وليس بجوهر مضمونها، كافٍ بأن يسبغ عليها شرعية سياسية. لكن في النهاية، لا الأخذ بالديمقراطية، في صورتها الحقيقية أو المزيفة، يعني - بالضرورة - استقراراً سياسياً وسلاماً اجتماعياً مستداماً.
فالصراع السياسي على السلطة يظلُ دائماً متحفزاً في خلفية الحراك السياسي للمجتمع، انتظاراً للفرصة المواتية للتعبير عن خلفيته (الغريزية العنيفة)، مهما بلغ المجتمع من تقدم في استئناس حركة الصراع على السلطة، وبلغ أشواطاً متقدمة في موروث التداول السلمي للسلطة. ويبقى ما حدث في السادس من يناير ٢٠٢١ في واشنطن شاهداً على هشاشة الخيار الديمقراطي، وخطورة الركون إليه والاطمئنان لمنطقه وضمان أمانه، على وجه الإطلاق. لكن، غالباً: أثبت الخيار الديمقراطي الحقيقي (ممارسةً وقيماً) فاعليته وكفاءته في القيام بمسؤولياته توكيداً لإرادة الشعب وإشباعاً لحاجاته.. ورادعاً فعالاً للفساد، وأماناً كافياً من استبداد السلطة.
الديمقراطية ليست طقوساً حركية شكلية، بل ممارسةً سلوكيةً شفافةً تحكمها قيمٌ تنافسيةٌ دقيقةٌ، يمكن قياسها كمياً، تعكسُ في النهاية إرادةً عامةً حقيقية.