-A +A
إبراهيم الحسين
وهي الصّقِيلةُ في الزّجاجِ المُتَوَهّجةُ والمُندَلِعةُ بعيونِها فيهِ في فتحتِهِ الهَيّنةِ وفي مفاتيحِ الغُرفِ، وهي التي لا تَدّعِي مَعرفةََ حين تقفُ في زُجاجِها الذي رَبَّتهُ بَرَفِيفِها لكنها تعرفُ وَتثِقُ أنهُ لن يَخِرَّ أو يَتَشَظّىٰ لِانعكاسِ لَمْعةِ فَصٍّ أو طِلاءِ أظافِر وهي التي تعرِفُ أنها تَخرجُ مِن اِبتِسامتِها تضعُ العابرينَ في دَهْشتِهم تُثَبّتُهم فيها لِئلّا يَتسرَّعوا ويبِيعُوا أسماءَهم، وهي التي لا تَحتاجُ إلى ظِلٍّ لتعرفَ أن صُعودَ الكُحلِ ليسَ صعباََ فقد اِعتادتْ علىٰ ذلكَ تَذهبُ أعلاهُ مُتَشبِّثةََ بِبَياضِها الرّؤومِ تَتفقَّدُهم وتُحصِيهم لِتَتَدَفّقَ غزِيرةََ من قِرطِِ أو خاتمِِ أو حلقةِِ جِلدِيّةَِ أَنِسَتْ إلىٰ مِعصَمِها تَتدفّقُ من فمِِ أو شَعرِِ مَحروسِِ بِسَوادِهِ تَسقي أشجارَهم وتُشذّبُها، وهي ما هي عليهِ من الكثافةِ والتّفَتُّحِ، إذْ تَتركُ كَفّاََ يَنبُتُ وحدَهُ بِمفتاحِِ أو قدّاحةِِ لأن نجمَتها صارتْ أكثرَ بريقاََ ولأن خُطاها الوَئِيدَةَ تحتفظُ بِضَوئِها ويصيرُ عُشبُها أعلىٰ من نَبْرتِها حينَ تذهبُ إلىٰ آخرِ نظرتِها في الأغنِيةِ، وهي التي كثيراََ ما تَنشغِلُ بِعَبَقِها فتجعلُ المَمَرَّ خِصباََ بِاسمِها حينَ تكتبُ أجنِحَتَها بِخَطٍّ حَيِيٍّ وتُعيدُ كِتابتَها في قميصِِ بلونِ رُوحِها قميصِِ شَغَلتْهُ بِغفْلَةِ الغافلينَ الذين لَم يُدرِكُوا سَاعَتَها أنهم دَخلوا دونَ أنْ يَعلَمُوا إلىٰ أقصىٰ الزّجاجِ وتَلَوَّنوا بِهِ وأنّ قُمصانَهم سَتَطفُوا طويلاََ هناكَ فَوقَ مِياهِها أنهم سَيمْكُثون طويلاََ يَجْمَعون أَجْزاءَهم المُتفرِّقةَ والتّائِهةَ في رَنينِ اِسمِها الشّاسِع، وهي التي تُمْعِنُ وتَشِفُّ في زجاجِ روحِها فَلا تَحُدُّها كِتابَةٌ ولا تقفُ في وَلَهِِ، وهي التي عَرَفْنا أنّ البحرَ أَليفٌ يُحدِّثُنا ونُحدّثُهُ مُذْ عَرَفْناها في الزجاجِ وفي الزجاجِ

لَيتَنا يَا هِيَ قَبَضْنا قَبضةََ منكِ أوْ كُنّا فَطِنِينَ ولَم نَعُدْ منكِ إلا بِقَبَسِِ.