01
تتفاوت رغبات سيّاح «المواقع الطبيعية»، فمنهم من يفضّل سياحة الصحارى المنبسطة، ومنهم من يفضل مغامرات صعود الجبال والمرتفعات، وآخرون يفضلون مغامرة الدخول في متاهات النفود والكثبان الرملية، ولا ننسى بالطبع الذين يحبون سياحة التنزه في الواحات بين مزارع النخيل والأشجار المتنوعة، وكذلك الذين يحبون اكتشاف آثار ونقوش قديمة محفورة على واجهات الجبال. وربما تمنى بعضهم أن يتوفر على اثنين من هذه الخيارات في موقعٍ واحد.
حسناً إليكم هذا الخبر؛ ففي مدينة (جُبّة) الصغيرة، تجتمع كل هذه الخيارات للسياحة الطبيعية، وليس اثنين فقط!
فمدينة جُبة (تبعد عن مدينة حائل 100 كم شمالاً)، تقع على الطرف الشمالي من صحراء نجد، وتحيط بها رمال النفود الكبير من كل جانب، لكنك من وسط هذه الرمال القفر ستلاحظ عن بعد نقطة خضراء تطل برأسها وسط ذلك الجفاف الممتد، تلك هي مزارع مدينة جبة التي تشكّل ما يشبه الواحة. وفي جوانبها تبرز من بين الطعوس الرملية جبالٌ فائقة الجمال في تكويناتها الصخرية، فليست كل الجبال جميلة. ويزيد جمال تلك الجبال آلاف النقوش الصخرية المحفورة عليها منذ 10 آلاف سنة، إبان العصر الحجري ثم العصر الثمودي فالعصر الإسلامي الأول. وهو ما منحها جدارة دخول لائحة التراث العالمي عام 2015. من بين الـ5431 نقشاً متنوعاً يوجد 1378 رسماً للجِمال بأشكال متنوعة تنبئ عن قِدم العلاقة بين الجمل والإنسان الغابر.
02
في شهر يوليو 2015 (رمضان 1436هـ)، تشرفت برئاسة الوفد السعودي (أ. د. علي الغبان، أ. خالد السيف، م. عبدالعزيز الصالح) المشارك في أعمال لجنة التراث العالمي بمدينة بون الألمانية، حيث تقدمت المملكة العربية السعودية بطلب تسجيل موقعي جبة والشويمس للرسوم الصخرية بمنطقة حائل لدخول لائحة التراث العالمي.
وبعد أيام من المساعي الدبلوماسية والإبانات الفنية (وسط نهارات رمضانية طويلة!)، أقرت الدول الأعضاء في اللجنة الدولية في يوم السبت 4 يوليو 2015 اعتماد تسجيل الموقع السعودي في لائحة التراث العالمي. أفطرنا «برخصة السفر» صباح ذلك اليوم المشهود (١٧ رمضان)، وجعلناه بمثابة يوم عيد، حتى قبل أن يأتي يوم العيد.
في ذلك اليوم التاريخي وُلدت (جبة) من جديد، بعد أن كاد يدفنها زحف الرمال، الناعم الذي لا يرحم!
بالأحرى، تحولت مدينة جبة من لافتة محلية زرقاء عابرة، إلى لافتة عالمية ذات لون بنّي داكن وجاذب للزوار والسياح والمهتمين والفضوليين وأصحاب المغامرات.
كنت سألقي كلمة أشكر فيها الدول الأعضاء على قرارهم، فإذا برئيسة اللجنة الدولية تسبقني فتشكر المملكة العربية السعودية على إهدائها للعالم هذا الموقع الإنساني التاريخي الفذ.
03
مرت الأيام والسنين، حتى تلقيت الأسبوع الماضي دعوة كريمة نبيلة من الدكتور جاسر الحربش رئيس هيئة التراث بوزارة الثقافة، للمشاركة في حفل (احتفاء وتفعيل موقع جبة والشويمس)، برعاية وتشريف أمير منطقة حائل، وحضور نخبة من المثقفين والآثاريين وذلك يوم الخميس 14 شوال الجاري، 4 مايو بمدينة جبة بمنطقة حائل.
سبقت الحفل المسائي زياراتٌ نهارية للمواقع «اليونسكية»، ومشاهدة الرسوم والنقوش الصخرية التي أبهرت الزوار وأبانت لهم الجمال المتعدد حقاً لمدينة جبة.
ثم أتمّ الحفلُ المسائي الأنيق جمالَ الرحلة والاحتفالية بترتيب أنيق وفقرات رشيقة، ختمها أمير المنطقة بكلمة ارتجالية تشبه الشعر في جمالية عباراتها وتغزّلها بحائل وكنوزها. لم تكن مجرد كلمة أمير منطقة، بل كلمة عاشق لها. وقد فاجأني فغمرني الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز بلفتة تكريمية من نوع خاص، سيبقى وقعها في نفسي وأسرتي زمناً طويلاً.
وقد أدركت حينها أن للكرم الحائلي الشهير مزيّتين:
الأولى: أنه ليس كرم الموائد فقط، بل وكرم المشاعر.
والأخرى: أن الكرم الحائلي لا يقتصر على أهل حائل الأصليين فقط، بل «يصيب» كل من عاشرهم أو ناسبهم أو خالطهم.
تتفاوت رغبات سيّاح «المواقع الطبيعية»، فمنهم من يفضّل سياحة الصحارى المنبسطة، ومنهم من يفضل مغامرات صعود الجبال والمرتفعات، وآخرون يفضلون مغامرة الدخول في متاهات النفود والكثبان الرملية، ولا ننسى بالطبع الذين يحبون سياحة التنزه في الواحات بين مزارع النخيل والأشجار المتنوعة، وكذلك الذين يحبون اكتشاف آثار ونقوش قديمة محفورة على واجهات الجبال. وربما تمنى بعضهم أن يتوفر على اثنين من هذه الخيارات في موقعٍ واحد.
حسناً إليكم هذا الخبر؛ ففي مدينة (جُبّة) الصغيرة، تجتمع كل هذه الخيارات للسياحة الطبيعية، وليس اثنين فقط!
فمدينة جُبة (تبعد عن مدينة حائل 100 كم شمالاً)، تقع على الطرف الشمالي من صحراء نجد، وتحيط بها رمال النفود الكبير من كل جانب، لكنك من وسط هذه الرمال القفر ستلاحظ عن بعد نقطة خضراء تطل برأسها وسط ذلك الجفاف الممتد، تلك هي مزارع مدينة جبة التي تشكّل ما يشبه الواحة. وفي جوانبها تبرز من بين الطعوس الرملية جبالٌ فائقة الجمال في تكويناتها الصخرية، فليست كل الجبال جميلة. ويزيد جمال تلك الجبال آلاف النقوش الصخرية المحفورة عليها منذ 10 آلاف سنة، إبان العصر الحجري ثم العصر الثمودي فالعصر الإسلامي الأول. وهو ما منحها جدارة دخول لائحة التراث العالمي عام 2015. من بين الـ5431 نقشاً متنوعاً يوجد 1378 رسماً للجِمال بأشكال متنوعة تنبئ عن قِدم العلاقة بين الجمل والإنسان الغابر.
02
في شهر يوليو 2015 (رمضان 1436هـ)، تشرفت برئاسة الوفد السعودي (أ. د. علي الغبان، أ. خالد السيف، م. عبدالعزيز الصالح) المشارك في أعمال لجنة التراث العالمي بمدينة بون الألمانية، حيث تقدمت المملكة العربية السعودية بطلب تسجيل موقعي جبة والشويمس للرسوم الصخرية بمنطقة حائل لدخول لائحة التراث العالمي.
وبعد أيام من المساعي الدبلوماسية والإبانات الفنية (وسط نهارات رمضانية طويلة!)، أقرت الدول الأعضاء في اللجنة الدولية في يوم السبت 4 يوليو 2015 اعتماد تسجيل الموقع السعودي في لائحة التراث العالمي. أفطرنا «برخصة السفر» صباح ذلك اليوم المشهود (١٧ رمضان)، وجعلناه بمثابة يوم عيد، حتى قبل أن يأتي يوم العيد.
في ذلك اليوم التاريخي وُلدت (جبة) من جديد، بعد أن كاد يدفنها زحف الرمال، الناعم الذي لا يرحم!
بالأحرى، تحولت مدينة جبة من لافتة محلية زرقاء عابرة، إلى لافتة عالمية ذات لون بنّي داكن وجاذب للزوار والسياح والمهتمين والفضوليين وأصحاب المغامرات.
كنت سألقي كلمة أشكر فيها الدول الأعضاء على قرارهم، فإذا برئيسة اللجنة الدولية تسبقني فتشكر المملكة العربية السعودية على إهدائها للعالم هذا الموقع الإنساني التاريخي الفذ.
03
مرت الأيام والسنين، حتى تلقيت الأسبوع الماضي دعوة كريمة نبيلة من الدكتور جاسر الحربش رئيس هيئة التراث بوزارة الثقافة، للمشاركة في حفل (احتفاء وتفعيل موقع جبة والشويمس)، برعاية وتشريف أمير منطقة حائل، وحضور نخبة من المثقفين والآثاريين وذلك يوم الخميس 14 شوال الجاري، 4 مايو بمدينة جبة بمنطقة حائل.
سبقت الحفل المسائي زياراتٌ نهارية للمواقع «اليونسكية»، ومشاهدة الرسوم والنقوش الصخرية التي أبهرت الزوار وأبانت لهم الجمال المتعدد حقاً لمدينة جبة.
ثم أتمّ الحفلُ المسائي الأنيق جمالَ الرحلة والاحتفالية بترتيب أنيق وفقرات رشيقة، ختمها أمير المنطقة بكلمة ارتجالية تشبه الشعر في جمالية عباراتها وتغزّلها بحائل وكنوزها. لم تكن مجرد كلمة أمير منطقة، بل كلمة عاشق لها. وقد فاجأني فغمرني الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز بلفتة تكريمية من نوع خاص، سيبقى وقعها في نفسي وأسرتي زمناً طويلاً.
وقد أدركت حينها أن للكرم الحائلي الشهير مزيّتين:
الأولى: أنه ليس كرم الموائد فقط، بل وكرم المشاعر.
والأخرى: أن الكرم الحائلي لا يقتصر على أهل حائل الأصليين فقط، بل «يصيب» كل من عاشرهم أو ناسبهم أو خالطهم.