-A +A
عبدالله يحيى بخاري
الغالبية العظمى من الأمريكيين، ومن ضمنهم نسبة كبيرة من الجمهوريين، يعترفون أن إدارة الرئيس بوش التي تطبق الفكر المحافظ للحزب الجمهوري هي من أكثر الإدارات فشلاً وكارثة في كل تاريخ أمريكا، على الصعيدين المحلي والدولي. احتاجوا إلى ثمانية أعوام ليكتشفوا جهل وفشل إدارة الرئيس بوش التي تصر على إنهاء عهدها بعد ثلاثة أشهر بإحياء الحرب الباردة والإقتراب بالعالم إلى حافة الحرب الساخنة.
الآن تستعد أمريكا لاختيار رئيس جديد من بين اثنين، جون ماكين مرشح الحزب الجمهوري، وباراك أوباما مرشح الحزب الديموقراطي.وهناك اختلاف واضح بين فكر كل من المرشحين وسياستهما في حالة الفوز بكرسي الرئاسة.

فالجمهوري جون ماكين، البالغ من العمر اثنين وسبعين عاماً، والذي عولج أربع مرات مختلفة من مرض السرطان، ماهو إلا إمتداد لسياسات ومبادئ إدارة الرئيس بوش الحالية، بكل فشلها وغطرستها وميلها للصدام وتحدي مشاعر الآخرين، وخاصة العرب والمسلمين. ومن المعروف أن هذا الرجل يفقد أعصابه بسهولة، ولا يقبل النقد وسريع الغضب.
فوق ذلك اختار ماكين السيدة سارة بالين (44 عاماً) كنائبة رئيس له. هذا الاختيار في حد ذاته يدل على قصور كبير في حكمه وتقديره للأمور وحصافته. فالسيدة بالين (أم لخمسة أبناء أصغرهم في الشهر الثالث) هي حاكمة ولاية ألاسكا منذ عامين فقط، وهي ولاية صغيرة جداً على حدود كندا. وكانت بالين قبلها رئيسة بلدية لمدينة صغيرة في ألاسكا لا يزيد عدد سكانها عن بضع مائة ساكن فقط. وهي إمرأة لاعلم لها ولادراية ولاخبرة في السياسة الدولية، ولم تحصل على جواز سفر إلا منذ عامين فقط (عام 2006) ولم تر من العالم شيئاً سوى كندا وألمانيا في زيارة خاصة والكويت ليوم واحد في زيارة لأفراد القوات الأمريكية من ولايتها. وقد اتضح أن هذه السيدة لم تقل كل الحقيقة عن تاريخها، بل أنها لوت عمداً الكثير من الحقائق لصالحها. ومع علمنا بأن جون ماكين (المرشح الجمهوري) يبلغ من العمر 72عاماً، وقد عولج من مرض السرطان أربع مرات، فاحتمال وفاته وهو على كرسي الرئاسة (إن فاز في الإنتخابات) هو أمر وارد جداً. هناك ثمانية رؤساء أمريكيون قضوا نحبهم سابقاً وهم على كرسي الرئاسة.
المخيف أن يصبح ماكين رئيساً وسارة بالين نائبته، ثم يتوفى ماكين وهو على كرسي الرئاسة فتصبح هذه السيدة رئيسة الولايات المتحدة. هذا يعني أن مصير ثلاثمائة مليون أمريكي ومصير العالم كله سيكون في يد هذه السيدة غير الناضجة التي تفتقد إلى الصراحة والخبرة والحنكة السياسية، وهو أمر كارثي بكل المقاييس.
الخطب التي سمعناها أثناء المؤتمر الجمهوري لترشيح ماكين كانت في معظمها تدعو إلى السخرية أو الدهشة أو كليهما، فجميعها كانت تهدف إلى تضليل الناخب الأمريكي.
جو ليبرمان، السناتور اليهودي الليكودي الصهيوني المتعصب، المحسوب إسماً على الحزب الديموقراطي والذي على وشك أن ينتقل إلى صفوف الجمهوريين المحافظين، امتدح حكمة ورؤية سارة بالين وهو في الواقع لم يقابلها إطلاقاً، وبالرغم من أن جميع أفكاره ومبادئه تتناقض مع أفكار سارة بالين.
أما المتحدثة كارلي فيورينا فقد وعدت الأمريكيين أن ماكين سوف يحقق لأمريكا الإكتفاء الذاتي في مجال الطاقة والبترول مع حلول عام 2013م. إن كان المتحدث مجنوناً فالمستمع عاقل. كيف يمكن اختيار رئيس أقوى دولة على أساس هذه الوعود الكاذبة المضللة ؟
هناك أيضاً ميت رومني، الرجل الذي فشل في الإنتخابات الأولية للحزب الجمهوري، وقف بكل بجاحة في مؤتمر الحزب الجمهوري ليقول للأمريكيين أن ماكين سوف يحارب العدو الأول لأمريكا، وهو الإسلام المتطرف. وتبعه أيضاً في نفس هذه النقطة رجل العصابات الصهيوني الأحمق رودي جولياني، عمدة نيويورك الأسبق والذي كان يصرف على عشيقته من ميزانية نيويورك. وهذا أيضاً رجل فشل في الإنتخابات الأولية، وجاءت كلمته مليئة بالأكاذيب والتبجح ضد الإسلام والمسلمين والعالم كله.
تحدث الجمهوريون، بما في ذلك ماكين نفسه، على أن ماكين سوف يغير سياسة واشنطن ويخلص البيت الأبيض من فشل الثمانية أعوام الماضية. ولكن يبدو أنهم قد نسوا أن رئيس البيت الأبيض الآن هو رئيس الحزب الجمهوري ويمثل قيم ومبادئ الحزب الجمهوري، نفس المبادئ والقيم التي يعتنقها ماكين نفسه. والغريب أنه لم يذكر أحد من المتحدثين في مؤتمر الحزب الجمهوري اسم جورج بوش ولا مرة واحدة، وكأنهم يحاولون إقناع الناخب الأمريكي أن من يقطن في البيت الأبيض لا علاقة له بالحزب الجمهوري !! ماكين يصرح بأنه إذا فاز بالرئاسة فسوف يغير واشنطن والبيت الأبيض. لا أعلم كيف سيفعل ذلك، علماً بأن جون ماكين يؤيد بوش في معظم قراراته وسياساته. ماكين أسوأ من بوش، وهو يكذب في كل مرة يفتح فيها فمه.
وانتهى السيرك الجمهوري، ولكن يبقى الإحساس بالعنصرية البغيضة والتمييز بين الأجناس والألوان والأديان مسيطراً على كلماتهم وأفكارهم. هذا ما سمعناه ولمسناه في حديث ميت رومني المتعصب، وجوليبرمان الصهيوني، وجولياني الفاسد، ولندساي جراهام السفيه، وغيرهم في مؤتمر الحزب الجمهوري المحافظ. أمور تدعو إلى السخرية، وإلى القلق أيضاً. فهؤلاء هم نفس الساسة الذين دعوا إلى غزو العراق وتدميره وسفك دماء أبنائه لأسباب ملفقة، وكذبوا على العالم وعلى الشعب الأمريكي لتحقيق أهدافهم اللئيمة، ودمروا الإقتصاد الأمريكي وأساءوا إلى صورة أمريكا. الخوف أن يخرج العالم من مصيبة بوش ليدخل في كارثة ماكين، ليعاني من ظاهرة «ماكبوش».