-A +A
كاظم الشبيب
قلما تغيب عن وسائل الإعلام العربي, المقروء والمرئي والمسموع, وبمعدل يومي, الأخبار والمقالات والتحاليل التي تُصاغ بنفس طائفي. قد يكون بعضها بحسن نية, ولكن لا يمكن افتراض حسن النية عليها كلها, لاسيما في القضايا المرتبطة بالعراق ولبنان. وهذه الحالة لا شك تساهم في بقاء جذوة روح النزاعات والصراعات الطائفية متقدة ومتحفزة لاستقبال أي محاولة لإشعالها. بينما الأصح توجيه وتشذيب وسائلنا الإعلامية لتساهم في اخماد نيرانها ووقاية المنطقة ومجتمعاتها من دوافعها وفتنها مع العمل على تأسيس رؤية واقعية للتعامل مع هذا الملف الذي يسعى البعض لإبقائه ساخناً.
الأمثلة كثيرة, ولن يكون آخرها ما يحيط أحداث شمال لبنان في مدينة طرابلس ومحيطها. افتراض حسن النية ينبغي أن يرافقه التنبيه على مخاطر وارهاصات التوترات الطائفية, مع التفريق بين ما يصدر عن العالم أو عن الجاهل. إذا كان الثاني معذوراً, فالأول مُلام ومُعاتب, وما بينهما منزلة بين منزلتين يدور في رحاها الجهلة الذين يزعمون العلم. من هنا تضيع المدلولات حتى يتحول كل من ينتمي إلى طائفة, من أي دين أومذهب, ويعمل من أجل طائفته, يتحول إلى متهم يبحث عن براءته!

بيد أن مفردة «الطائفية» وهي مشتقة من الطائفة, وكما يقول النحويون في موسوعة قصة الإعراب, هي مصدر صناعي ينتهي بياء وتاء مربوطة ويصاغ من الأسماء الجامدة والمشتقة مثلما يصير الحر: حرية, ويصير الإنسان: إنسانية, وعالمي: عالمية. والطائفة: طائفية, فهي كالقومية نسبة إلى القوم وكالعروبة نسبة إلى العرب, وكالفارسية نسبة إلى الفُرس, وكالمسيحية نسبة إلى المسيح, وكالباكستانية نسبة إلى باكستان, وكالهندوسية نسبة إلى الهندوس...الخ.
هذا الاشتقاق لا يعني إضفاء مسحة سلبية على الطائفة المعنية أو اتهام جماعة ما بما هو معيب وقبيح, وإنما هو توصيف وتوكيد على الارتباط الطبيعي لأفراد جماعة ما ضمن دائرة مشتركة ما كالجنس والدين والمذهب واللغة والعرق.
العلاقة قائمة ما بين مصطلح الطائفية والجانب العقائدي لأهل الطوائف, لاسيما من الناحية السياسية للمصطلح, حيث اصطبغت دلالاته في هذا العصر بوجه سياسي صارخ « أكثر من كونه نتاجاً للتمايز الفقهي, الذي هو من طبيعة الشريعة القائمة على التعددية, والنسبة في النظر إلى النصوص» كما جاء في كتاب الطائفية الصادر عن مركز المسبار للدراسات ص14.
فكل طائفة دينية هي شريحة اجتماعية غير محددة بحدود جغرافية، ويشترك أصحابها بالإيمان بمذهب تابع للدين الأم الذي يُشكل المظلة الجامعة لجميع المذاهب النابعة منه، وتمتاز كل طائفة عن أخواتها ببعض الاختلافات في ممارسة التدين أو في ترجمته واقعياً في الحياة العملية والعلمية.
وللطائفية السلبية إرهاصات ونتائج لا تنحصر بإفرازاتها الآنية, بل تتعداها نحو التأثير على المستقبل القريب والبعيد للمجتمعات والدول. يكفي أنها «أحد أكبر المعوقات التي تعاني منها المجتمعات العربية, وأنها عقبة كؤود في وجه التحديث والمجتمعات المدنية, فالنظام الطائفي, ولا شك, غير مؤهل لأن يتصالح مع مقومات الدولة المدنية الحديثة, بحكم تركيبه الفكري والاجتماعي» كما ذكر كتاب المسبار السابق ص18. أما إذا تحولت الطائفية السلبية إلى نظام محاصصة بعنوان ضمان مشاركة الطوائف في الحكم أو ما أشبه, فهو اشتباه قد تدفع المجتمعات والدول ضريبة كبيرة ثمناً له. فـ « لا يمكن للطائفية ضمان مشاركة جميع الفئات بشكل متوازن في المنظومة السياسية الحاكمة, لأن التوازن المطلوب, لهكذا تمثيل, معرض بشكل دائم للفشل, في حال طغيان طائفة على أخرى, أو قامت أي طائفة باستغلال مركزها في الدولة, أو قدرتها الاقتصادية, أو حتى تمددها الديموغرافي».
ألا تكفي هكذا ويلات ترافق الطائفية السلبية من جعل رجال الاعلام من التفريق بين ما ينبغي نشره وبثه وحُسن توجيهه والآخر من الأخبار والتحليلات التي ينبغي الترفع عن الدخول في مهاتراتها ومتاهاتها؟. والله من وراء القصد.
kshabi@hotmail.com