بسنيك مصطفاي يوقِّع أعماله في أحد معارض الكتب، أخيراً.
بسنيك مصطفاي يوقِّع أعماله في أحد معارض الكتب، أخيراً.




بسنيك مصطفاي في إحدى الفعاليات الثقافية.
بسنيك مصطفاي في إحدى الفعاليات الثقافية.
بسنيك مصطفاي
بسنيك مصطفاي
بسنيك مصطفاي
بسنيك مصطفاي
-A +A
حاوره: علي فايع alma33e@
الشاعر والروائي الألباني بسنيك مصطفاي، من مواليد 1958 في قرية تروبوجا بشمالي ألبانيا، مزج بين العمل الأدبي والنضال السياسي والعمل العام، تخرَّجَ مِن قسم اللغة الفرنسية وآدابها في جامعة تيرانا.

اشتغل في التعليم، ثم في صحيفة الحزب الشيوعي (صوت الشعب)، عمل مترجماً في (معهد الدراسات الماركسية اللينينية) خلال (1983 - 1988) وانتقل بعدها إلى اتحاد الكتّاب، وتولّى رئاسة تحرير (الجريدة الأدبية).


كان بسنيك مصطفى من أوائل المنضمّين إلى الحراك الديمقراطي في 1990، ومن مؤسّسي (الحزب الديمقراطي) الذي دعا إلى تفكيك الحكم الشمولي، ليصبح في عام 1991عضواً في أوّل برلمان ديمقراطي في البلاد، وفي 1992 أصبح أوّل سفير لألبانيا الديمقراطية في باريس. وفي 2005، أصبح وزيراً للخارجية ليستقيل في 2007 من الحكومة و(الحزب الديمقراطي).

صدر له العديد من الدواوين الشعرية والروايات، وحظيت بعض هذه الأعمال الأدبية بالترجمة إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية واليونانية والعربية.

من الأعمال التي ترجمت إلى العربية روايات (طبل من ورق) و(ملحمة صغيرة عن السجن) و(باسم الأم والابن) التي وقّعها، أخيراً، في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

هذا الحوار لـ«عكاظ» مع بسنيك مصطفاي كانت رحلته طويلة، لكنها سريعة، فقد مرّ بثلاث لغات، كتبتُه بالعربية، وترجمه مشكوراً إلى الفرنسية نائب سفير المملكة العربية السعودية في ألبانيا الأستاذ عبدالله بن سعد الشهري، وأجاب عنه باللغة الألبانية (لأسباب تكتشفها في هذا الحوار) بسنيك مصطفاي، وترجمه إلى العربية الألباني «الماز فيدا» مشكوراً.. فإلى نصّ الحوار:

• حدثنا، ابتداءً، عن الأدب في ألبانيا.

•• هو أدب بدئت كتابته في العصور الوسطى، في البداية باللغة اللاتينية مثل جميع الآداب الأوروبية في ذلك الوقت، وبعد ذلك، تمت الكتابة باللغة الألبانية. وبسبب احتلال الدولة العثمانية للبلاد، كان الكتّاب الألبان يكتبون وينشرون كتاباتهم، بشكل رئيسي، خارج الأراضي الألبانية. وبغض النظر عن المسافة، تظل أعمالهم ألبانية؛ لأن الموضوعات التي يطرحونها مقتبسة من الواقع الألباني.

ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، شهد الأدب الألباني تطوراً كبيراً، إذ اصطفّ المؤلفون في طليعة الحركة الوطنية للتحرر من الاحتلال العثماني وإقامة دولة ألبانية مستقلة، وبالتالي فإن أدبهم كان يعكس هذه التطلعات.

بعد إعلان الاستقلال في عام 1912، تنفّس الأدب الألباني أخيراً بحرية، وبدأ في الانضمام إلى المدارس الأدبية الأوروبية، لكنه ظل مرتبطاً بقوة بالهوية الثقافية والوطنية الألبانية وكذلك بالتاريخ السياسي للبلاد؛ الذي حدد إلى حدٍّ كبير اتجاه هذا الأدب، وأنا أتحدث هنا عن فترة الحكم الشيوعي (1990 - 1945).

على أي حال، يتعلق الأمر بأدب مكتوب بلغة صغيرة وغير معروفة خارج المناطق التي يعيش فيها الألبان، وهو مع ذلك غنيٌّ جداً بالشعر والنثر على حدٍّ سواء، ويستمر في التطور بديناميكية لا بأس به.

• هل تجاوزت ألبانيا اليوم العزلة التي فرضتها عليها الشيوعية؟

•• أقصر إجابة هي «لا».. إن الحكم الشيوعي في ألبانيا كان حُكماً دكتاتورياً قاسياً، واستخدم القمع الأمني والقمع الثقافي إلى أقصى الحدود، وألحق ذلك ضرراً شديداً بعقلية المواطن الألباني. إن ثلاثة أو أربعة أجيال ولدت وترعرعت في ظل هذا القمع المزدوج، دون أي مرجعية سياسية أو ثقافية أخرى. ولكيلا أطيل في الوصف، دعوني أحكي لكم عن مقطع فيديو رأيته قبل أيام على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تم تصوير دب اسمه (إينا) في رومانيا. أمضى هذا الدب 20 عاماً محبوساً في حديقة الحيوانات. قبل سبع سنوات أطلق نشطاء حقوق الحيوان سراحه ونقلوه إلى الغابة. ورغم أن الدب (إينا) أصبح حراً وسط الغابة، إلا أنه استمر لمدة سبع سنوات في الدوران حول مساحة عدة أمتار مربعة، كما كان يفعل وهو داخل القفص. إنه لم يكن يعرف كيف يجري بشكل مستقيم، ولم يعرف كيف يتصرف في الحرية، ولم يعرف الأفق البعيد. وبشكلٍ ما، لا يزال المجتمع الألباني اليوم، مثل ذلك الدب الروماني، الذي يدور حول نفسه، غير قادر على التمتع بالحرية.

• الانفتاح الفوضوي الذي جاء بعد العزلة المفروضة عليكم في ألبانيا، هل تمّ تجاوزه؟•• دعوني أقول لكم إن ألبانيا، حالياً، دخلت في مرحلة متقدمة جدّاً من الانفتاح على العالم، وإنها ليست مرحلة فوضوية كما كانت في السنوات الأولى بعد انهيار الدكتاتورية. إن بلادنا تمكنت من عضوية مجلس أوروبا، وعضوية حلف شمال الأطلسي، وهي مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن الطبقة السياسية والإدارة العامة تعلمت قواعد التفاوض مع شركائنا في هذا العالم المنفتح. وبالمثل، تعلَّم المواطنون أنه لا يوجد طريق آخر للذهاب إلى بلدان أخرى سوى عبر احترام بعض القواعد والقوانين، التي لم يتم وضعها في تيرانا، ولكن في عواصم أخرى.

الشيء الرئيسي هو أن نهج المواطن الألباني تجاه بقية العالم قد تغيّر بشكل جذري، إذ كان يُنظر في زمن العزلة إلى بقية العالم على أنه العدو، بينما يُنظر إليه الآن كصديق، ولا يمكنك أن تصادق أحداً بطريقة فوضوية، بل بالتفاهم واحترام القواعد والقوانين. ولا يزال القلق الكبير اليوم هو انتشار وباء الرغبة في الهجرة بين الألبان. وهذا يعني أن الروابط الروحية للألبان مع وطنهم قد فترت، وإذا استمر ذلك، فسيتم إفراغ البلاد من القوى الحيوية، وتحويلها إلى دار رعاية لكبار السن فقط.

• بصفتك سياسيّاً وأديباً، ما الرسالة التي تسعى لإبرازها في أعمالك الإبداعية؟•• بصفتي سياسياً خلال السنوات العشرين الماضية، بذلت جهدي أن أوصل رسالة مفادها أن الديمقراطية، كما قال ونستون تشرشل، نظام سيئ، لكن البشرية لم تخترع بعد نظاماً أفضل لرفاهية الإنسان. ومع ذلك، فإن بناء الديمقراطية هو عملية يجب على جميع المواطنين أن يشاركوا فيها، بوعي سياسي وطول نفس.

تشمل أعمالي الأدبية القصائد والنثر والقصص القصيرة. تمّت كتابتها خلال ما يقرب من خمسين عاماً من الإبداع. تتحد كل كتاباتي الأدبية من خلال محاولتي إظهار العلاقة الدرامية التي كانت تربط الإنسان الألباني مع التاريخ الجماعي، خصوصاً في العصر الحديث، وهي علاقات تم توجيهها دائماً من قبل الأغلبية السياسية الحاكمة. إن المواطن الألباني كفرد كان ضحية هذا التاريخ، وقد كان عاجزاً عن اختيار مصيره.

• ماذا قدم لك العمل السياسي، وماذا أخذ منك؟

•• إن الخبرة في العمل السياسي منحتني الفرصة لأرى من الداخل كيف تعمل آلية السلطة ومدى قسوتها، وبالتالي، فهمت بشكل أفضل لماذا يبدو الإنسان صغيراً وضعيفاً أمام هذه الآلية. وبهذا المعنى فإن التجربة في السياسة في مستوياتها الرفيعة خدمتني وما زالت تخدمني بشكل كبير لجعل الأدب الذي أكتبه أكثر صدقاً وواقعية.

ومن ناحية أخرى، فإن الانخراط في السياسة سلب مني منذ ما يقرب من عقدين من الزمن أهم شيء بالنسبة للكاتب، وهو الوقت للتفرغ للكتابة. لسوء الحظ، لقد خسرت هذا الوقت ولن أتمكن من استعادته أبداً. لم أكن سياسياً يكتب، لكن كنت كاتباً يزاول العمل السياسي. هذا الوعي بأولوية الكتابة داخل شخصيتي كان يحميني طوال الوقت من الإغراءات والامتيازات التي تمنحها عادة السلطة.

• تجيد اللغة الفرنسية ولا تكتب أعمالك الأدبية إلاّ باللغة الألبانية.. لماذا؟

•• إنه سؤال طرحه عليّ أحد الصحفيين قبل سنوات خلال مقابلة أجريتها مع إحدى القنوات الفرنسية بمناسبة صدور روايتي (طبل من ورق) في فرنسا، وسأجيبك بالإجابة نفسها التي أجبته بها:

بغض النظر عن مدى معرفتي باللغة الفرنسية، فإنها تظل لغة تعلمتها في المدرسة، وغريبة بالنسبة لي، وبناء عليه لن تكون كافية للتعبير عن نفسي بحرية. لغتي الأم هي فقط التي تمنحني حرية التعبير غير المحدودة؛ علاوة على ذلك، فإن جميع مواضيع كتبي تحكي عن تاريخ وحياة ألبانيا والمواطنين الألبان. أنا مقتنع بأن وصف هذا الواقع بالقاموس الذي أعرفه من اللغة الفرنسية، سيكون ضعيفاً ومبسطاً مقارنة بالوصف باللغة الألبانية، إذ لدي بشكل غريزي كل الكلمات التي أحتاجها. ولأكون صريحا، هذه هي الحرية غير المحدودة التي تمنحني إياها لغتي الأم؛ أي الألبانية. اللغة هي المادة الخام لإبراز الهوية العميقة للمؤلف، وهويتي ككاتب هي الهوية الألبانية 100%.

• ماذا عن علاقتك بالأدب العربي والسعودي تحديداً؟

•• يعتبر الأدب العربي من أروع كنوز الأدب الإنساني. أنا معجب جدّاً بكتاب (ألف ليلة وليلة)، وأنا من أشد المعجبين بشعر جبران خليل جبران، خصوصاً روايته التي تحمل اسم (النبي)، إلى جانب إعجابي بروايات نجيب محفوظ. أعتقد أن أحد أعظم شعراء العرب في القرن العشرين هو محمود درويش. ومن أهم الشعراء المعاصرين يمكنني ذكر أدونيس السوري، محمود درويش الفلسطيني، وعبداللطيف اللعبي من المغرب؛ لكن هذه الأعمال وغيرها قرأتها مترجمة إلى لغة ثالثة، وأنا لا أعرف العربية، وهذا يفسر سبب معرفتي المحدودة جدّاً بالأدب السعودي. قرأت، أخيراً، كتاب (الحزام) لأحمد أبو دهمان باللغة الفرنسية، وهو كتاب رائع وقد أوصيت الناشر الألباني بنشره باللغة الألبانية.

• لماذا اعتزلت السياسة وعدت إلى الأدب؟

•• كان الأدب والسياسة بالنسبة لي حبّين عظيمين، وعندما اقتنعت أن هذين الحبّين لا يمكن أن يتعايشا بانسجام بداخلي، تعيّن عليّ الاحتفاظ بحب واحد فقط، وهو الأكثر أهمية بالنسبة لي، وأن أكرس كامل طاقتي له. وحظي الأدب بأولويتي، وقد مر 18 عاماً منذ أن اتخذت هذا القرار، وما زلت أعتقد تماماً أنني اتخذت القرار الصحيح.

• لماذا تنصح قراءك الجدد بقراءة روايتك (ملحمة صغيرة عن السجن) دون بقية أعمالك؟

•• ترتبط هذه الرواية ارتباطاً وثيقاً بتاريخ ألبانيا خلال القرن العشرين، الذي يتزامن أيضاً مع الفترة التي أصبحت فيها ألبانيا دولة مستقلة وبنت دولتها الخاصة. ومن خلال مصير عائلتين حاولت إثارة مسألة ما إذا كانت هذه هي الدولة التي حلم بها الألبان عندما كانوا يقاتلون من أجل الحياة أو الموت ضد الغزاة العثمانيين. وقد أعطيت جوابي بصفتي كاتباً. إنها رواية كتبتها في شبابي، ولم أكن قد بلغت الثلاثين من عمري، تنبأت هذه الرواية بجميع الأعمال الأدبية التي سأكتبها في المستقبل؛ لذا تبدو لي رواية مناسبة لجذب انتباه القارئ الذي لم يطّلع بعد على أعمالي الأدبية عموماً. تُرجمت هذه الرواية إلى بعض اللغات الرئيسية في العالم، ومن بينها اللغة العربية، وقد أثارت فضولاً جيداً، ما مهد الطريق لترجمة روايات أخرى.

• ما الحلم الذي تنتظره ليتحقق في هذا العالم؟

•• في مثل سنّي، ليس لدي سوى حلم واحد مهم: أن تمنحني الحياة الوقت والصحة لكتابة موضوعات الكتب التي رسمتها في دفاتري.