سافر بنا ديوان (سيرة ذاتية لغيمة) للشاعر محمد خضر في رحلة على متن غيمة ماطرة؛ لاكتشاف عوالم الشاعر الحالمة التي تعكس مدى تماهيه مع الطبيعة، وامتزاجه بالحنين معها، فيذهلنا بإعادة خلقها مرة أخرى مزينة بثيمة المطر والغيم والسحب التي أغاثت أفئدتنا وروتها بقصائد ليست ببعيدة عن حياتنا اليومية. قصائد تُشبهنا، تتغلغل أحرفها في داخلنا؛ لتحيي فينا الحلم الضائع، والحب الفائت، والحنين الباهت، والشوق الخامد؛ لتوقظ فينا أسئلة الوجود والحياة من سباتها بكلمات لونت بريشتها أيامنا الرتيبة، وبثت الحياة في تفاصيل أيامنا العادية الباهتة، فمنحتها القدرة على الحركة؛ لتشكيل مشاهد مفعمة بالحيوية من خلال قدرة الشاعر على الابتكار بدءاً من العنوان الملفت (سيرة ذاتية لغيمة) وصولاً إلى الجزء الثاني (على هامش سيرة الغيم) فتنساب الدهشة انسياباً تلقائياً عند الانتقال بكل سلاسة ورقة من مقطوعة إلى أخرى.
فعلى سبيل المثال قصيدة (ولادة) التي استهلها الشاعر بقوله:
«يولد الغيم ناضجاً
مزدحماً بقصص الأقدار
ودعاء الفقراء والعشاق»..
من خلال هذه المشهدية العالية التي اصطبغت بها القصيدة -بل الديوان بأكمله تقريباً- يتبادرإلى الذهن (قزح) وكأن الغيم مولود ممتد منه ورث عنه قدرته على إضفاء تحولات كونية بمجرد هطوله على بلدة يتركها فيما بعد؛ ليمنحها فرصة اكتشاف نفسها من جديد:
«تولد غيمة.. تتكاثر مطراً على كل شيء
تملأ النصف الفارغ من العتمة
والفراغ الوشيك بين صخرتين
مطر يقول كل ما لديه ويمضي
تاركاً لهذه البلدة
أن تتعلم الدرس من جديد»..
وفي قصيدة (غيمة):
«.. من صغرها حين كانت فكرة
لرياح عاتية
وهي تدرك أن المعنى في البذرة
في شجرة على وشك الموت
في وردة مغلفة لحفل الميلاد»..
أظهر الشاعر العلاقة القوية إلى حدّ الالتحام بين الغيمة والفكرة من خلال سردية مدهشة تستدعي التأمل في أسئلة تبلورت منها: «هل الغيمة هي الفكرة؟ أم الفكرة هي الغيمة؟ هل هما شيئان مختلفان أم كلاهما شيء واحد؟...»
أما في قصيدة (قحط) كان للرمزية سحر أخاذ في الإشارة إلى الدلالات العميقة التي تحملها مفردة (القحط) وارتباطها بتأخر المطر وكسر قيد الانتظار والمقاومة بكل السبل في محاولة بحثٍ عن الحياة:
«قلنا لهم لو تأخر المطر أكثر
لو...
لكم أن تبدؤوا الصراخ
أن تبتكروا ضوءاً
وأن تهدموا النفق»..
وفي قصيدة (سحب) أبدع الشاعر بريشة كلماته وشاعريته المرهفة في رسم لوحاتٍ فنية زاخرة بالألوان بدقة وإتقان توشك أن تُلمس بالأنامل، وتُشاهد بالأعين، فقد أقام الشاعر في هذه القصيدة معرضه الفني الخاص به بكل أصالة:
«كانت تتشكل أوجهاً، وحيوانات، وشجراً
بيوتاً، وعيون أمهات، فرساناً قدماء، وفتيات
مراجيح، وابتسامات»..
وانفرد الشاعر في قصيدته (الضباب) بأسلوب التباين والتناقض، فقد بنيت القصيدة على أساس التضاد بين الوضوح والضباب؛ الذي يحمل بين طياته دلالة الحيرة والتردد والغموض:
«٢
الأعين الحزينة أوضح في الضباب
٣
يمسح نظارته جيداً كي يرى الضباب بوضوح»
«٦
يصل الضباب ولا يصل
في كل شيء وليس في شيء
يقضي عمره كاملاً في مماطلة غامضة»
ويستمر الشاعر في عزف سمفونية البحث عن الذات في منتصف طريق التيه والضياع وغربة النفس وضبابية الانتماء في ظل الأحلام بعيدة المنال في القصيدتين: (غبار) و(مطر ليس أكيداً).
فهذا الغبار الذي يسعى في أن يصبح غيمة زرقاء تحلق في السماء مفتشاً عن هوية جديدة ينتمي إليها وما يصحب ذلك من عثرات وخيبات:
«١
الغبار رغبة التراب أن يتحول إلى غيمة
٢
يعود الغبار إلى الأرض وفي ملامحه بقع زرقاء»
وذلك المطر الذي يبحث عند هطوله في كل مرة عن إجابات لأسئلة أعيته، ويسفر هذا البحث والتنقيب عن مزيد من الأسئلة:
«المطر سؤال لم يجد إجابة
في كل مرة تجيبه الأرض
بالمزيد من الأسئلة
فيعود»..
ويتخلل الجزء الثاني من الديوان (على هامش سيرة الغيم) عدد من القصائد القصيرة والومضات الشعرية التي التقطها الشاعر بعدسته المتفردة؛ ليصورها بأسلوب مكثف مختزل لمعانٍ عميقة، وأفكار مجردة يدغدغ بها الوجدان تحت سطوة التفكر في مواقف ممزوجة بالدهشة الخاطفة فهاهي الذكريات المصاحبة للشتاء والمطر في (شتاء):
«ليسألوك وهم في محاولة تذكر وجهك الأول:
كيف الحال؟»
وفي (ذاكرة الشتاء):
«تخرج المعاطف من الخزانة
تخرج عنوة
تذكرك بالقصص التي بذلت عمراً لنسيانها»
وفي (ذكرى):
«.. لم ننتبه إليه وهو يجمع الحكايات والأسرار والكلمات التي همسنا بها باللهجة الدارجة الصرفة»..
كما تلتقي الذكرى مع توأمها الوحدة؛ ليكملا مشوارهما سويّاً في عتمة صخب الحياة الممطرة في (خذلان):
«المطر الذي لا نجد أحداً نخبره بهطوله»..
وفي (رياح اللا أحد):
«.. للأشياء التي طالما كانت تذكرك بأنه:
لا أحد»..
وفي (جرد):
«آخر يوم في السنة
يجلس في المقهى
ليجرد الوحدة»..
إن كل قصيدة هنا هي ديوان شعري قائم بذاته بما تحويه من معانٍ فلسفية عميقة، وأسلوب متفرّد مبتكر يفتح آفاقاً لا حدود لها في عالم التجديد الشعري.
«وتذكّر دائماً في ليال القحط أن تقرأ شيئاً من هذا الديوان، ففي كل مرة تقرأ فيها بعضاً منه ستشعر بأن روحك تُمطر من جديد».
فعلى سبيل المثال قصيدة (ولادة) التي استهلها الشاعر بقوله:
«يولد الغيم ناضجاً
مزدحماً بقصص الأقدار
ودعاء الفقراء والعشاق»..
من خلال هذه المشهدية العالية التي اصطبغت بها القصيدة -بل الديوان بأكمله تقريباً- يتبادرإلى الذهن (قزح) وكأن الغيم مولود ممتد منه ورث عنه قدرته على إضفاء تحولات كونية بمجرد هطوله على بلدة يتركها فيما بعد؛ ليمنحها فرصة اكتشاف نفسها من جديد:
«تولد غيمة.. تتكاثر مطراً على كل شيء
تملأ النصف الفارغ من العتمة
والفراغ الوشيك بين صخرتين
مطر يقول كل ما لديه ويمضي
تاركاً لهذه البلدة
أن تتعلم الدرس من جديد»..
وفي قصيدة (غيمة):
«.. من صغرها حين كانت فكرة
لرياح عاتية
وهي تدرك أن المعنى في البذرة
في شجرة على وشك الموت
في وردة مغلفة لحفل الميلاد»..
أظهر الشاعر العلاقة القوية إلى حدّ الالتحام بين الغيمة والفكرة من خلال سردية مدهشة تستدعي التأمل في أسئلة تبلورت منها: «هل الغيمة هي الفكرة؟ أم الفكرة هي الغيمة؟ هل هما شيئان مختلفان أم كلاهما شيء واحد؟...»
أما في قصيدة (قحط) كان للرمزية سحر أخاذ في الإشارة إلى الدلالات العميقة التي تحملها مفردة (القحط) وارتباطها بتأخر المطر وكسر قيد الانتظار والمقاومة بكل السبل في محاولة بحثٍ عن الحياة:
«قلنا لهم لو تأخر المطر أكثر
لو...
لكم أن تبدؤوا الصراخ
أن تبتكروا ضوءاً
وأن تهدموا النفق»..
وفي قصيدة (سحب) أبدع الشاعر بريشة كلماته وشاعريته المرهفة في رسم لوحاتٍ فنية زاخرة بالألوان بدقة وإتقان توشك أن تُلمس بالأنامل، وتُشاهد بالأعين، فقد أقام الشاعر في هذه القصيدة معرضه الفني الخاص به بكل أصالة:
«كانت تتشكل أوجهاً، وحيوانات، وشجراً
بيوتاً، وعيون أمهات، فرساناً قدماء، وفتيات
مراجيح، وابتسامات»..
وانفرد الشاعر في قصيدته (الضباب) بأسلوب التباين والتناقض، فقد بنيت القصيدة على أساس التضاد بين الوضوح والضباب؛ الذي يحمل بين طياته دلالة الحيرة والتردد والغموض:
«٢
الأعين الحزينة أوضح في الضباب
٣
يمسح نظارته جيداً كي يرى الضباب بوضوح»
«٦
يصل الضباب ولا يصل
في كل شيء وليس في شيء
يقضي عمره كاملاً في مماطلة غامضة»
ويستمر الشاعر في عزف سمفونية البحث عن الذات في منتصف طريق التيه والضياع وغربة النفس وضبابية الانتماء في ظل الأحلام بعيدة المنال في القصيدتين: (غبار) و(مطر ليس أكيداً).
فهذا الغبار الذي يسعى في أن يصبح غيمة زرقاء تحلق في السماء مفتشاً عن هوية جديدة ينتمي إليها وما يصحب ذلك من عثرات وخيبات:
«١
الغبار رغبة التراب أن يتحول إلى غيمة
٢
يعود الغبار إلى الأرض وفي ملامحه بقع زرقاء»
وذلك المطر الذي يبحث عند هطوله في كل مرة عن إجابات لأسئلة أعيته، ويسفر هذا البحث والتنقيب عن مزيد من الأسئلة:
«المطر سؤال لم يجد إجابة
في كل مرة تجيبه الأرض
بالمزيد من الأسئلة
فيعود»..
ويتخلل الجزء الثاني من الديوان (على هامش سيرة الغيم) عدد من القصائد القصيرة والومضات الشعرية التي التقطها الشاعر بعدسته المتفردة؛ ليصورها بأسلوب مكثف مختزل لمعانٍ عميقة، وأفكار مجردة يدغدغ بها الوجدان تحت سطوة التفكر في مواقف ممزوجة بالدهشة الخاطفة فهاهي الذكريات المصاحبة للشتاء والمطر في (شتاء):
«ليسألوك وهم في محاولة تذكر وجهك الأول:
كيف الحال؟»
وفي (ذاكرة الشتاء):
«تخرج المعاطف من الخزانة
تخرج عنوة
تذكرك بالقصص التي بذلت عمراً لنسيانها»
وفي (ذكرى):
«.. لم ننتبه إليه وهو يجمع الحكايات والأسرار والكلمات التي همسنا بها باللهجة الدارجة الصرفة»..
كما تلتقي الذكرى مع توأمها الوحدة؛ ليكملا مشوارهما سويّاً في عتمة صخب الحياة الممطرة في (خذلان):
«المطر الذي لا نجد أحداً نخبره بهطوله»..
وفي (رياح اللا أحد):
«.. للأشياء التي طالما كانت تذكرك بأنه:
لا أحد»..
وفي (جرد):
«آخر يوم في السنة
يجلس في المقهى
ليجرد الوحدة»..
إن كل قصيدة هنا هي ديوان شعري قائم بذاته بما تحويه من معانٍ فلسفية عميقة، وأسلوب متفرّد مبتكر يفتح آفاقاً لا حدود لها في عالم التجديد الشعري.
«وتذكّر دائماً في ليال القحط أن تقرأ شيئاً من هذا الديوان، ففي كل مرة تقرأ فيها بعضاً منه ستشعر بأن روحك تُمطر من جديد».