-A +A
حسين حجاجي - ابراهيم القربي - جدة، محمد المؤيد، قايد آل جعرة - نجران, ماجد عقيلي، عبده علواني - جازان، عبدالرحمن القرني - عسير.تصوير: محمد المالكي
المتابع لحركة السوق يجد ان هناك ارتفاعاً في أسعار السلع على مختلف انواعها..! والمتأمل في الحراك الاجتماعي يتوقف عند تزامن سفر الناس في العطلة الصيفية مع رمضان واحتياجاته ثم يعقبه العيد ومستلزماته لتتواصل هذه المواسم مجتمعة بعد عشرة ايام من العيد متمثلة في العودة الى المدارس ولوازمها ويشكل كل هذا هماً ليطرح السؤال: من اين لذوي الدخل المحدود تأمين كل هذه المصروفات مجتمعة، وماذا يفعلون لتدبير هذه المستلزمات؟
ما هو الدور الذي تضطلع به مؤسسات المجتمع الاجتماعية والخيرية في التخفيف من المعاناة عليهم. نظرة على الأسواق, تجد هناك من استدان لسد العجز في ميزانيته ومن يكد بسيارته لتوفير مصروفات رمضان والعيد, ومن يلجأ للبيع في بسطات وآخرين في اعداد المأكولات وبيع (البليلة) وغيرها فيما أسر كثيرة تعتمد على ما يجود به اهل الخير والجمعيات الخيرية في ظل وجود اعداد من الفقراء والمحتاجين والامثلة على ذلك كثيرة:

لا عيد في بيتنا
بقناعة العاجز لم يتردد حسين محمد المجرشي «54» عاما في الاعتراف بأنه لا يستطيع ان يوفر ولو احتياج طفلته الصغيرة خلافا عن بقية اخوتها الثمانية يقول: صدقني ما تمكنت من توفير افطار رمضان وتسألني انت عن العيد! كنت اذهب قبل عدة سنوات لأحد المساجد واحمل الافطار لأولادي منه إلا انهم في هذا العام قالوا لي ممنوع حمل الطعام الى البيت فقط الافطار يكون في المسجد فتركتهم ماذا تريدني ان افعل وانا اعمل في شركة لا يتبقى لي من مرتبي بعد حسم التأمينات إلا 1800 ريال تذهب منها 900 ريال اجرة السكن ومئة ريال كهرباء فهل تستطيع انت العيش بمبلغ 800 ريال؟
انا اتكلم عن اسرة تتكون من تسعة ابناء؟ كيف اتمكن من توفير متطلباتهم بهذا المبلغ اقسم لك بالله لن اتمكن من توفير اللوازم وسيظلان بهذا الوضع حيث سنلزم بيتنا ونقفل بابنا وندع ايام العيد تمر من جوار بابنا لكنها لن تدخل بيتنا!
سأبيع الجوال
الشاب (ثابت ناصر الكثيري) لم يكن قبل منتصف رمضان يواجه أية مشكلة وما كان يظن انه سيواجه ارباكا في الميزانية التي حددها لشراء احتياجات العيد يقول: كنت اعول كثيرا على مرتب شهر رمضان ولم يكن لدي أي التزام فيه لكن قبل يومين فوجئت ان خالي الوحيد هو بمثابة ابي تم القبض عليه بسبب مستحقات عليه تجاه آخرين واجبرت تبعا لذلك للاقتراض من اجل التسديد عنه وإطلاق سراحه ومن المؤكد انني اقترضت على أساس إعادة المبلغ من مرتب هذا الشهر.
والمشكلة ان تلك المستحقات تزيد عن مرتبي 1200 ريال بمعنى ان المرتب كاملا سوف يذهب لصاحب الدين.
وهذا أربك خطتي وميزانيتي, مما سيجعلني اواجه مشكلة في تسديد قيمة الثياب لدى الخياط لهذا فكرت في بيع جهاز الجوال فقط من اجل اخذ الثياب والباقي لم افكر في أي ترتيب له.
مبادرة زوجة
ويقول عثمان نصار المولد ان مسألة هذه اللوازم سواء كانت للعيد او حتى في موضوع العودة للمدارس كلها اعباء مالية لا ادري كيف يمكن ترتيبها, وبالذات في ظل الارتفاع المفاجئ للاسعار؟
من اين ابدأ وكيف؟ مهما تحاول لن تتمكن من تغطية كل تلك المطالب لكن سوف ابدأ بالمهم ثم الأهم كما ان زوجتي يعطيها الله ألف عافية قامت بمبادرة جميلة منها حينما استغنت عن ذهبها وقامت ببيعه لكي تتمكن من مساعدتي في تغطية بعض تلك التكاليف؟
تأخير القسط
وقام مرتضى منصور العتيبي بالتفاوض مع صاحب معرض للسيارات كيلا يطالبه بقسط السيارة خلال شهر رمضان فقال: أمام التكاليف التي تتطلبها الايام القادمة من لوازم العيد او حتى العودة للمدارس فقد اضطررت للذهاب لصاحب المعرض لكي يغض الطرف عن قسط رمضان فسمح لي بأخذ النصف فقط ولا بأس شيء احسن من لا شيء!
هذا النصف من قسط السيارة سيغطي شيئا كبيرا من تلك التكاليف بالرغم أنني قد خططت على البحث عن تلك المحلات التي لا تغالي في اسعارها وان كان موضوع هذا البحث مستحيلا فلا وجود لتلك المحلات التي تدعي التخفيض.
رزق البليلة
أبو شهاب محمد صديق عطاوي 44 عاما لم يجد من مخرج يبعده عن الاستدانة او الاقتراض سوى اللجوء الى عمل بسطة ولكن لبيع البليلة والكبدة قائلا: كنت في السابق أي قبل حوالى عشر سنوات اعمل هذه البسطة لكنني انقطعت عنها منذ تلك الفترة.
في منتصف شهر شعبان جلست افكر في كيفية التدبير لمواجهة ارتفاع الاسعار ولوازم رمضان وحتى العيد فوجدت انه من الضروري العودة لبسطة البليلة ونتيجة لضغط التكاليف تلك قررت اضافة الكبدة الجملي معها ولهذا أقمت هذه البسطة مع اول يوم من شهر رمضان متمنيا ان اجد منها ما يساعدني في فك هذا الخناق الذي يعاني منه الجميع.
سوبيا
احمد لقماني شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره اخذ على عاتقه مساعدة أسرته في شهر رمضان ونفقات عيد الفطر المبارك فلا تأتي الساعة الرابعة عصرا إلا ويخرج الى السوق لبيع السوبيا حول ذلك يقول احمد: ابدأ العمل منذ العصر وحتى اذان المغرب والهدف الأساسي هو مساعدة أسرتي وتوفير متطلبات العيد لهم في ظل ارتفاع الاسعار ولأنني اجيد عمل السوبيا بالطريقة الصحيحة فكرت في استثمارها لتوفير مصاريف العيد لأسرتي!
يبيعون الاحذية
عماد وبندر وعلي ثلاثة أخوة يفترشون ساحة احد الاسواق لبيع الاحذية الشبابية آخر موضة كما يسمونها يقول عماد: اعطانا والدي مبلغاً من المال هو عبارة عن عيدية مبكرة وهذا ما يفعله معنا كل عام فنقوم بشراء أي سلعة تتناسب مع المبلغ الذي معنا وهذه السنة والتي قبلها حاولنا ان نعمل في مجال الاحذية فهو لا يكلف الكثير وأرباحه معقولة تكفينا لتأمين متطلبات العيد.
احتياجات الأسرة
في هذا الخصوص يقول المحلل الاقتصادي فضل سعد البوعينين: انه مع قرب حلول عيد الفطر يبدأ الموظفون ومحدودو الدخل بالتفكير الجدي في توفير المصاريف اللازمة لمواجهة احتياجات الأسرة ومستلزمات العيد ومهما حاولت هذه الشريحة تخصيص راتب شهر رمضان لمشتريات العيد فإنهم سيواجهون عجزا ماليا لا يمكنهم التغلب عليه.
خصوصا اذا ما اخذنا في الاعتبار اقساط القروض وفواتير الكهرباء والهاتف والتي تستهلك مجتمعة 40% من رواتب الموظفين واذا ما اضفنا الى هذه الالتزامات الثابتة غلاء الاسعار وهو موجة عالمية لها مبرراتها فسنصل الى نهاية محزنة تنتظر بعض الموظفين ومحدودي الدخل.
واضاف: ان رواتب الموظفين في القطاع العام تصرف يوم 20 من الشهر الجاري ما يعني انهم سيواجهون اسابيع طويلة قبل ان يحصلوا على راتب شوال ثم بعد ذلك يدخلون من جديد في شراء مستلزمات المدارس وعيد الاضحى واحتياجات الأسر الملحة التي لن ينطفئ لهيبها براتب شهر ذي القعدة المحكوم عليه بالاستنزاف قبل استلامه. واضاف: ان هذه المشكلة تجعل بوصلة التفكير تتجه الى ايجاد بعض الحلول التي يمكن ان تساعدكي ذوي الدخل المحدود والموظفين في التغلب على مشاكلهم المادية الناجمة عن تتابع المواسم الدينية والاجتماعية.
ويرى ان الحل الامثل من وجهة نظره انه يجب التعامل مع المصروفات الثابتة والايرادات المالية ومن اهم المصروفات الثابتة لدى الموظفين اقساط البنوك الشهرية التي تستهلك 33% من مجمل الراتب على اقل تقدير لذا يقترح على البنوك اتخاذ سياسة تأجيل الاقساط الشهرية للمقترضين في موسم رمضان والاعياد دون تحميل المقترضين فوائد اضافية عند هذا التأجيل.
واضاف: فيما يخص راتب شهر رمضان الحالي الذي يتم استلامه مبكرا قبل موعده بإمكان البنوك ان تعكس قيود الاقساط الشهرية جميعها في حالة تبنيها هذا القرار المهم الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من اعمال الخير في شهر رمضان, اما فيما يتعلق بالايرادات المالية فالجميع يدرك تماما ان الموظفين يعتمدون في ايراداتهم المالية على رواتبهم الشهرية لذا اتمنى من الجهات المعنية ان تنظر في امكانية تخصيص دعم مادي في الاعياد الرسمية لمحدودي الدخل ولكل موظف يقل راتبه الصافي عن 4 آلاف ريال مساعدة لهم في مثل هذه الظروف وبذلك يمكن ان تخفف الاعباء على هذه الشريحة.
الرقابة على الاسعار
من وجهة نظر الاكاديمي والاقتصادي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عبدالوهاب القحطاني فإن الموضوع يتوقف على قيام الفرد والمعني به الموظف بأن يدير راتبه بطريقة ذكية تبعده عن اية احراجات وفي نفس الوقت تمكنه من تغطية الفترة الطويلة بين شهري رمضان وشوال وذلك من خلال اللجوء الى بعض مدخراته.
واضاف. ان هناك نقطة مهمة يجب ان نؤمن بها وهي بالرغم من ان المعيشة مرتفعة حتى وان حاول صاحب الدخل المحدود ترتيب اموره الا ان الفترة الفاصلة بين راتبي شهر شوال ورمضان تعتبر طويلة خصوصا مع التضخم في مستوى المعيشة والذي يلتهم من 40 - 60% من المدخرات لذا فمن الاهمية بمكان ان تقوم الجهة المعنية بحماية المستهلك بدور رقابي في متابعة الاسعار لمساعدة المستهلك البسيط الذي يتأثر بأي ارتفاع في الاسعار حتى وان كان طفيفا.
الاولوية للضروريات
ومن جهة نظر رئيس لجنة الشؤون المالية بمجلس الشورى الدكتور محمد احسان بوحليقة فإن على ذوي الدخل المحدود تقديم الضروريات على الكماليات وان يتجنبوا ما قد يؤثر على حياتهم المادية.
واضاف: انه طبقا للبيانات الرسمية فان هناك ضغوطا تضخمية اخذ تأثيرها منحى كبيرا عما كانت عليه في الاعوام الماضية.
واضاف.. يبقى امر من الاهمية معرفته وهو ان التضخم او أي شيء منه سيبقى ملازما للاقتصاد الوطني ما دام يحقق نموا متواصلا.
كما أن ارتفاع الاسعار بصورة عامة يعود الى زيادة الطلب على السلع والخدمات ما يدفع اسعارها الى الارتفاع.
وفي ذات السياق يرى عصام مصطفى خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي ان التوعية بترشيد الاستهلاك والتخطيط للفترات التي يتوقع فيها زيادة المصروفات مهمة جدا مشيراً الى ان تجنب زيادة المصروفات على الكماليات والمجاملات سيساهم في توازن ميزانية اسر ذوي الدخل المحدود وتجنب المشاكل الاسرية وملاحقة الدائنين والبنوك.
وتابع: هناك نوعان من ارباب الاسر فيما يتعلق بالتعامل مع مصروفات العيد, الاول يتعامل مع الميزانية بعقلانية واعتدال على ضوء المبلغ المتاح ويصرف النظر عن الكثير من الرغبات والطلبات التي لا تعتبر مهمة إلا انها تحرجهم من ابتسامة ابنائهم ايام العيد وهؤلاء يتمتعون بثقافة استهلاكية وآلية ويمكنهم التعايش مع مختلف الظروف بحكمة ودراية وتخطيط مدروس حسب امكاناتهم المادية.
اما النوع الثاني فيصرف بدون تدبير ولا يستطيع كبح جماح رغباته الشرائية معتمدين على سياسة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» وهؤلاء تخرج الميزانية عن سيطرتهم وغالبا ما يلجأون الى الاقتراض او استخدام البطاقات الائتمانية لتلبية احيتاجاتهم وبالتالي يدخلون في مشاكل وضغوط مالية واسرية تجعلهم في اوضاع نفسية سيئة.
استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حبيب الله محمد تركستاني يرى ان من الحلول التي يمكن بواسطتها تجاوز هذين الموسمين هو معالجة قضية الأسعار التي ارتفعت بشكل غير مبرر وأصبحت كالموضة اذا ارتفع شيء منها ارتفع الباقي مؤكداً ان لها تأثيراً مباشراً على الحياة الاجتماعية واضاف الدكتور التركستاني ان من الحلول لذلك تنشيط مؤسسات المجتمع المدني ووضع قنوات للمستهلك يستطيع من خلال ايصال صوته للمسؤول والتعبير عن رؤيته ومطالبه وقراراته وان يكون رشيدا في استهلاكه.
من جهته اوضح الشيخ ابراهيم بن علي العبيدان رئيس محاكم منطقة نجران ونائب رئيس الجمعية الخيرية بنجران ان الجمعية تعمل على مساعدة ذوي الدخل المحدود ومساعدتهم في طوال الاعوام وفي المناسبات الاخرى مثل شهر رمضان والاعياد في دعمهم ماديا وكسوتهم حيث ان الجمعية لديها سجل بكل اسرة وبحث متكامل عنها لمساعدتها وامدادها بكل ما تحتاجه من مصروفات مادية وعينية عن طريق الاخوة العاملين في الجمعية وايصالها الى منازلهم والبعض يقوم باستلامها.
وقال الشيخ ابراهيم ان الجمعية تتلقى تبرعات من كافة شرائح المجتمع واهالي وأعيان المنطقة والدوائر الحكومية حيث تعمل الجمعية على تقديم كافة المساعدات للأسر المحتاجة وتأهيل الاسر عن طريق الخدمات غير المباشرة واعانتهم على مواجهة ارتفاع الاسعار.
وتقوم الجمعية بتوزيع المساعدات العينية كل ثلاثة اشهر على الشرائح المستفيدة حيث بلغ مجموع ما تم توزيعه من اعانات اكثر من مليون ومئتي الف ريال استفادت منها اكثر 1900 اسرة. كما تم توزيع الحقائب المدرسية لابناء الاسر المحتاجة وكسوة العيد.
من جانبه قال مدير عام الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية بنجران خالد بن منصور النهدي ان الجمعية تعمل على ايصال المساعدات للاسر المحتاجة حيث تم توزيع المواد الغذائية على كافة الاسر المسجلة لديها مع بداية رمضان اضافة الى الاسر المتعففة وذلك عن طريق اهل الخير وايصالها لهم مشيرا الى ان الجمعية تقوم بإرسال رسائل الكترونية للاسر لاخبارهم بوجود المساعدات كاشفاً ان هناك 200 اسرة تمت مساعدتها عبر اشخاص من اهل الخير. واشار النهدي الى ان الجمعية ستقوم خلال العشر الاواخر من رمضان بتوزيع كسوة العيد خاصة للايتام والاسر الفقيرة ومساعدتهم بمساعدات مادية لمواجهة غلاء الاسعار حيث تم تجهيز كسوة العيد لأكثر من 600 شخص قبل نهاية رمضان.