-A +A
عبده خال
هل نحن كائنات ناقصة تسعى إلى مساندة أي نقص يقيّم أوتاد ذواتنا؟

حسناً، لنشرح أو نقترب من هذه الحالة أو الظاهرة اللفظية أو الفعلية، منطلقاً من مواقفنا اتجاه الفنون الباحثة عن الكمال.


والدخول إلى سراديب الرواية -مثلاً- أثناء الكتابة، هو حالة لا يمكن الحديث عنها كتفاصيل، سواء كانت مشاهد أو كلمات، ربما الثابت في مخيلة الروائي هو الأفكار من حيث البناء والنقض، فالشخصيات الروائية المتعددة تمكّن الروائي من خلط الأفكار، وانحياز كل شخصية لأفكارها بحيث لا يكون العمل مؤدلجاً، فالأفكار المؤدلجة تكون صلدة ولا تقبل ما ينقضها، وفي هذه الحالة يتم إيجاد الحجج من قبل شخصيات مقابلة لتعرية ما لم يسقط بالحوار.

والذي يدخلك في سجال مع ذاتك ومع القارئ، ما يحدث بعد النشر، فأنت ككاتب تقف على مشاهد كُتبت بصورة مذهلة تدهشك، حتى يمكن أن تقول: كيف استطعت كتابة هذا المشهد، وفي نفس الوقت، يقف القارئ على نفس المشهد مسفهاً تلك المشهدية، وعلى الطرفين يجد الكاتب مساندين لرأيه، وكذلك القارئ.

كنت قد وضعت تغريدة من رواية أنفس، هذا نصها:

..... وعندما تضع كائناً في جوفك يكون هو كمال نقصك، ويصبح النداء عليه كلما ابتعد هو الشعور بفراغ روحك منه.

واضعاً هذا السؤال:

«فهل ثنوى رابط كل هذه النفوس المتقافزة في الصدر وكأنها حبات فشار لا تستقر إلا بعد أن تفسق».

وبين السؤال والمحتوى، تنافرت المداخلات بحيث لم يستقر أي من المتداخلين على طرفي معادلة القارئ والكاتب.

فوجدت أن المنطقة الوسطى هي التي استقطبت الأعداد الكبيرة، وهي منطقة تأمن للفرد البراءة من أي تهمة.

إلا أن الوقوف في هذه الوسطية يجعل الأمر مختلطاً بين ثقة الكاتب وتعالي القارئ في عدم الانسياق لما استشعر به الكاتب بعد الكتابة، بمعنى آخر نقض الاتفاق، فبين الكاتب والقارئ اتفاق ضمني، بأن الكاتب هو المسير للعمل، وعندما يتدخل القارئ في النقض يكون موقفه إخلالاً ببنود العقد.

وهذا يعلل موقف القارئ من أي عمل روائي مهما كانت روعته، وهذا النقض نلحظه جميعاً، من خلال انفلات كلمة (لكن)، فمهما كان الروائي مجوداً إلا أننا نجد المدح مقترناً بالاستدراك، فيقال لك: العمل جميل ولكن...

و(لكن) هذه هي التي تقف في حنجرة كل منا إزاء أي عمل إبداعي متقدم، لا لشيء وإنما الانتصار للذات حيال الكمال، ولأننا ناقصون ننجذب إلى انتقاص ما هو كامل أو مقترب من ذلك الكمال.

وهذه نقطة جوهرية في تفهم الاعتراض على أي عمل تجاوز اللافت، وهي نزعة إنسانية تقترب بنا من حدود الانتقاص لكل ما يشعرنا بنقصنا.. فعلاً، نحن نعمد إلى إحداث التشظي لكل عمل لا نقدر على فعله عجزاً أو ارتقاءً، ويكون التشظي متسللاً من قولنا:

«جميل ولكن».