تحدّثت في مقال سابق بعنوان الوثنية الحديثة التي تبناها الغرب والمشكلة التي يعاني منها الفكر الإسلامي، حيث إنه يعيش تجربة غير تجربته وفكراً غير فكره أو يعيش الماضي ومفاهيمه وآلياته البعيدة عن هذا العصر وعلومه ومنتجاته. وإلى ضرورة أن تكون للعالم الإسلامي منظومة فكرية حديثة دون هذه المنظومة لن تستطيع الدولة وضع برامج مترابطة متكاملة من خلال القنوات المؤثرة للدولة، ولن نستطيع النهوض من السبات العميق الذي كان ناتج قرون من التخلف والاستعمار وركود الفكر الإسلامي.
تعتبر المنظومة الفكريّة أو الرؤية الفلسفيّة التي يحملها الإنسان من أهمّ دعائم شخصيّته وتميّزه البشري، «فهي التي تحدّد مساره السلوكيّ وطبيعة تعاطيه مع محيطه ونمط الحياة التي يعيشها، بل هي ما يحدّد مصيره الوجودي بأكمله، هذا على صعيد الفرد، وأمّا على صعيد المجتمع فإن المنظومة الفكريّة العقديّة تحدّد طبيعة العلاقات والتعاملات بين أفراده من جهةٍ، وبينه وبين سائر المجتمعات من جهةٍ أخرى، وهي ما يحدّد نوع النظم (السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة) التي تحكم تلك العلاقات والتعاملات، فهي بالتالي ما يحدّد مكانة هذا المجتمع في سلّم المجتمعات البشريّة».
المنظومة الفكرية أكبر وأوسع وأشمل من مذهب فكري أو ديني يظن بعض الأفاضل من العلماء أنه قادر على الإتيان به؛ لأن هذا المذهب في واقعه سيكون مرتبطاً بمنظومة فكرية تمّت صياغتها بداية تكوّن الدولة العباسية حتى يتسنى لهذه الإمبراطورية أن تدير وتحكم الدولة. لهذا فشل كل المجددين في جهدهم المشكور مثل الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد رشيد رضا، وأبو الأعلى المودودي، وإسماعيل الدهلوي، وأحمد البريلوي وغيرهم. الفشل الذي كان من نصيب كل المحاولات يرجع إلى أنّ المنظومة الفكرية التي رعتها الدولة العباسية في بداياتها غير قادرة على مواكبة الثورة الصناعية والفكرية وعصر النهضة وما يسمى بعصر التنوير والحداثة وما بعد الحداثة. كما أن هناك انحرافاً شديداً في الأصوليّة الفقهيّة التراثية نتج عنها الفرقة والمذهبية والطائفية والاختلاف بين المسلمين بسبب المدارس الأصولية بخلاف هدف الدين في التقارب والاتحاد والألفة قال تعالى: «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها». كما أن القاعدة الأخلاقية لم تبحث عنها الأصولية وإنما بحثت عن الفروع.
إن العمل على إيجاد منظومة فكرية حديثة بعيدة عن الأصولية التراثية وآلياتها وأدواتها ومفاهيمها يجب أن تتبناه الدولة. علماً أن هذه المنظومة تحتاج إلى عمل مؤسسي وجهود جماعية يساهم فيها مفكرو وفلاسفة العالم الإسلامي وعلماؤه في كل فروع المعرفة. إن هذا العمل الجبار يحتاج لنهضة فكرية وثقافية تنطلق من خطوط عريضة بعيد عن المشروع التحديثي الغربي الذي يسعى كما قال الدكتور عبدالوهاب المسيري إلى «فرض الواحدية المادية على العالم بحيث لا تُوجَد كليات من أي نوع، مادية أو روحية، ولا يوجد مبدأ واحد نهائي يمنح العالم التماسك والوحدة. والمشروع ما بعد الحداثي بهذا المعنى هو التحقق النهائي لمشروع الحداثة في محاولته القضاء على خرافة الميتافيزيقا وعلى أوهام الفلسفة الإنسانية الهيومانية بشكل كامل عن طريق القضاء على خرافة الحقيقة الكلية، فمثل هذه الحقيقة الكلية تستدعي عالماً متماسكاً متجاوزاً لعالمنا المادي المتبعثر».
التأريخ سيكتبه من يؤسس ويقود الطريق لهذه المنظومة الفكرية الحديثة التي ستعيد عالمنا الإسلامي للصدارة والقيادة والتحكم في الاقتصاد والعلوم والمعرفة.
تعتبر المنظومة الفكريّة أو الرؤية الفلسفيّة التي يحملها الإنسان من أهمّ دعائم شخصيّته وتميّزه البشري، «فهي التي تحدّد مساره السلوكيّ وطبيعة تعاطيه مع محيطه ونمط الحياة التي يعيشها، بل هي ما يحدّد مصيره الوجودي بأكمله، هذا على صعيد الفرد، وأمّا على صعيد المجتمع فإن المنظومة الفكريّة العقديّة تحدّد طبيعة العلاقات والتعاملات بين أفراده من جهةٍ، وبينه وبين سائر المجتمعات من جهةٍ أخرى، وهي ما يحدّد نوع النظم (السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة) التي تحكم تلك العلاقات والتعاملات، فهي بالتالي ما يحدّد مكانة هذا المجتمع في سلّم المجتمعات البشريّة».
المنظومة الفكرية أكبر وأوسع وأشمل من مذهب فكري أو ديني يظن بعض الأفاضل من العلماء أنه قادر على الإتيان به؛ لأن هذا المذهب في واقعه سيكون مرتبطاً بمنظومة فكرية تمّت صياغتها بداية تكوّن الدولة العباسية حتى يتسنى لهذه الإمبراطورية أن تدير وتحكم الدولة. لهذا فشل كل المجددين في جهدهم المشكور مثل الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد رشيد رضا، وأبو الأعلى المودودي، وإسماعيل الدهلوي، وأحمد البريلوي وغيرهم. الفشل الذي كان من نصيب كل المحاولات يرجع إلى أنّ المنظومة الفكرية التي رعتها الدولة العباسية في بداياتها غير قادرة على مواكبة الثورة الصناعية والفكرية وعصر النهضة وما يسمى بعصر التنوير والحداثة وما بعد الحداثة. كما أن هناك انحرافاً شديداً في الأصوليّة الفقهيّة التراثية نتج عنها الفرقة والمذهبية والطائفية والاختلاف بين المسلمين بسبب المدارس الأصولية بخلاف هدف الدين في التقارب والاتحاد والألفة قال تعالى: «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها». كما أن القاعدة الأخلاقية لم تبحث عنها الأصولية وإنما بحثت عن الفروع.
إن العمل على إيجاد منظومة فكرية حديثة بعيدة عن الأصولية التراثية وآلياتها وأدواتها ومفاهيمها يجب أن تتبناه الدولة. علماً أن هذه المنظومة تحتاج إلى عمل مؤسسي وجهود جماعية يساهم فيها مفكرو وفلاسفة العالم الإسلامي وعلماؤه في كل فروع المعرفة. إن هذا العمل الجبار يحتاج لنهضة فكرية وثقافية تنطلق من خطوط عريضة بعيد عن المشروع التحديثي الغربي الذي يسعى كما قال الدكتور عبدالوهاب المسيري إلى «فرض الواحدية المادية على العالم بحيث لا تُوجَد كليات من أي نوع، مادية أو روحية، ولا يوجد مبدأ واحد نهائي يمنح العالم التماسك والوحدة. والمشروع ما بعد الحداثي بهذا المعنى هو التحقق النهائي لمشروع الحداثة في محاولته القضاء على خرافة الميتافيزيقا وعلى أوهام الفلسفة الإنسانية الهيومانية بشكل كامل عن طريق القضاء على خرافة الحقيقة الكلية، فمثل هذه الحقيقة الكلية تستدعي عالماً متماسكاً متجاوزاً لعالمنا المادي المتبعثر».
التأريخ سيكتبه من يؤسس ويقود الطريق لهذه المنظومة الفكرية الحديثة التي ستعيد عالمنا الإسلامي للصدارة والقيادة والتحكم في الاقتصاد والعلوم والمعرفة.