-A +A
بشرى فيصل السباعي
بما أنه تم في كل العالم بما في ذلك البلدان الإسلامية إقرار قوانين تعاقب على كل أشكال الاستعباد والاتجار بالبشر، ولم يعد هناك جيش يمارس سبي نساء وذرية الخصم، ولم تعد توجد أسواق نخاسة للاتجار بالبشر فما داعي تناول التراث الفقهي حول أحكام السبي والاستعباد التي تشوّه صورة الإسلام وتظهره كما ولو أن من غاياته الأساسية استعباد واغتصاب نساء الآخرين، بينما الحقيقة أنه لم يرد في القرآن ذكر السبي (أي استعباد وتملك نساء الطرف الخاسر)، وإنما ورد السبي في التوراة بالتفصيل، وتضمن قتل كل النساء المسنات والمتزوجات مع الرجال، والإبقاء فقط على العذارى الصغيرات واستعبادهن، والسؤال هو لماذا لا يتداولون حديث البخاري عن عظم جرم استعباد البشر والاتجار بهم؛ «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:.. ورجل باع حراً فأكل ثمنه». ولماذا لا يتناولون الغاية من جعل تحرير العبيد من الكفارات مما يبيّن غاية الإسلام في إنهاء العبودية، وأكثر المقاطع تداولاً في الحسابات المعادية للإسلام هي تلك التي يتحدث فيها المشايخ عن أحكام سبي واغتصاب واستعباد نساء وبنات الآخرين، ولذا من يحرص بحق على الإسلام لن يتناول التراث الفقهي المتعلق باستعباد واغتصاب النساء جماعياً، وقد قال الله (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا). فالمؤمن مأمور بالأخذ بأحسن الأحكام، والأحسن في قضية السبي والاستعباد والاغتصاب لنساء الآخرين هو إيقاف تعليمها وإيقاف تداولها في الخطب والدروس والبرامج وتأليف الكتب عنها، وبدلاً عنها تناول الحث على المثاليات العليا ومحاسن الأخلاق فهذا ما يستفيد منه الناس، بينما ما الفائدة التي تحصل للمستمع من الاستماع لتراث السبي والاغتصاب والاستعباد؟ وقد رأينا العواقب العملية للاستمرار في إحياء تراث السبي والاستعباد بما فعلته داعش وأضراره، حيث أدى لانتشار مرض الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً بسبب اغتصاب السبايا والاتجار بهن، ورأينا فظاعة وشناعة المعاناة والمآسي التي عاشتها الطفلات والنساء اللاتي استعبدتهن داعش والجماعات الإسلامية الأخرى مثل بوكوحرام في نيجيريا والجماعات الإرهابية بالجزائر في تسعينات القرن الماضي، فكيف هو شعور فتاة تم قتل كل أهلها ثم يقوم القاتل باغتصابها واستعبادها والاتجار بها؟ وكثيرات انتحرن أو حاولن قتل أسيادهن، وهذا سبب انتشار قتل الجواري لأسيادهن بالسم في التاريخ الإسلامي، فكيف يأمن شخص امرأة قتل أهلها واستعبدها واغتصبها؟ فالرغبة بالانتقام غريزة في كل إنسان، وداعش جعلت الآخرين يريدون الانتقام لبناتهم ونسائهم بأن يعاملوا نساء المسلمين بالمثل، أي اغتصابهن واستعبادهن، أي أن المسلمات هن بالنهاية من يدفعن ثمن نزوات السبي واستعباد نساء الآخرين، وهناك مجتهدون معاصرون تحدثوا في أن كامل التراث الفقهي للسبي والاستعباد كان يجب أن لا يكون لأنه غير وارد في القرآن، وبسبب ما فعلته داعش وغيرها من سبي صارت هناك وصمة على كل الجماعات الإسلامية بأنها تقوم باغتصاب النساء كما حصل أعقاب عملية 7 أكتوبر ضد إسرائيل وزعم المصادر الإعلامية الإسرائيلية أن أتباع حماس قاموا بالاعتداء على النساء اللاتي اختطفتهن واستعملت البيانات الإعلامية الإسرائيلية مصطلح «سبايا» لوصف المختطفات لربطهن بما فعلته داعش بالنساء، وكانت من نتيجة تلك المزاعم أن انتقم الجنود الإسرائيليون كما قالت الهيئات الدولية بالاعتداءات الجنسية على الفلسطينيين، فالمسلمون هم الطرف الأضعف في غالب الدول وتحت سطوة جيوش أجنبية، ولذا هم سيكونون أكبر المتضررين من عودة تراث السبي والنخاسة، ولذا من حسن حظ المسلمين أكثر من أي أحد أن هذا التراث تجاوزه الآخرون، وآن الأوان ليتجاوزه المسلمون.