-A +A
حمود أبو طالب
معطيات كثيرة متتالية كانت تشير إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام ستكون من أندر وأخطر الانتخابات في التأريخ الأمريكي، لكن ربما لم يكن متوقعاً أن يكون الرصاص أحد أدواتها. حالة الاستقطاب السياسي والفكري الحاد التي يشهدها المجتمع الأمريكي منذ بداية فترة حكم بايدن زادت حدتها مع بداية الموسم الانتخابي الراهن. ومنذ الهجوم على مبنى الكابيتول في 2021 وأمريكا تمر بمشهد شديد التأزم سياسياً وغير مسبوق، وصل إلى الحديث في وقت ما عن نُذُر حرب أهلية. حالة من السيولة والانفلات في إدارة المشهد السياسي، ومواجهات عنيفة بين الحزبين استخدمت فيها أساليب غير معهودة، ومع بداية التنافس الانتخابي بين المرشحين الرئيس بايدن والرئيس السابق ترمب شاهدنا أغرب الفصول والأحداث. تهم جنائية خطيرة ومحاكمات وتصفية أخلاقية ومعنوية للرئيس السابق، والحالة الصحية للرئيس الحالي المنافس، بالإضافة إلى تهم فساد ومشاكل طالت ابنه، وعندما حدثت المناظرة الأولى بين الطرفين سمعنا أسوأ مناظرة مليئة بالشيطنة والتخوين في الوطنية والخطورة على الديموقراطية، بالإضافة إلى الولوغ في جوانب أخلاقية شخصية مقززة، دون استشعار لأهمية ورمزية الحديث إلى الشعب الأمريكي الذي سيحدد رئيسه القادم.

كل ما هو سيئ كان متوقعاً في المعركة الانتخابية إلا إطلاق الرصاص على مرشح. صحيح أن التأريخ الأمريكي تتخلله عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال رؤساء ومرشحي رئاسة منذ اغتيال الرئيس لينكولن في 1865 إلى محاولة اغتيال الرئيس ريجان عام 1981 إلا أن الاعتقاد كان بأن المرحلة الراهنة التي تمر بها أمريكا لا تحتمل مزيداً من التأزيم الذي قد يدخلها في نفق يصعب الخروج منه. كل الاحتمالات السيئة كانت ممكنة عدا محاولة اغتيال مرشح منافس للرئاسة في أسوأ انتخابات وخلال فترة من أسوأ الفترات السياسية تمر بها أمريكا.


ومثلما هناك يمين متطرف هناك يسار متطرف أيضاً في أمريكا، هذه الكتل المتطرفة تنشط عندما يمس الخطاب السياسي فكرها الراديكالي المتعصب، الذي قد يدفعها إلى التهور في التعبير عن مواقفها. لكن الحالة ليست هكذا دائماً، ففي بعض محاولات الاغتيال يكون منفذ العملية شخصاً مجهولاً ضحل الثقافة السياسية، وأحياناً ليس من النسيج الاجتماعي الأمريكي، وذلك ما يثير التساؤلات والشكوك ويضفي الغموض. راجعوا ملفات الاغتيالات السابقة ولن تجدوا قصة رسمية متماسكة منطقية لكثير منها، أو تفسيراً معقولاً لأسبابها وحيثياتها، وتبقى الحقيقة سراً محجوباً في أدراج أجهزة الأمن والاستخبارات.

ستكون ليلة 13 يوليو 2024 علامة فارقة جديدة في التأريخ السياسي الأمريكي، لكنها علامة سلبية ومؤشر مقلق لما سيحدث بعدها على المدى القصير والطويل. ربما يكون المستفيد الأكبر منها المرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترمب الذي واجه أصعب المواقف من منافسيه الديموقراطيين، وكاد أن يُزج به في السجن لولا دعم حزبه له والدفع به رسمياً كمرشح للجمهوريين. قد تحسم الرصاصة التي أصابته نتيجة الانتخابات مبكراً، فهو سيحصل على تعاطف وتأييد كبير ظهر بعد ساعات قليلة من محاولة اغتياله ووصل قرابة 70%، وعندما نضع في الاعتبار المأزق الكبير الذي يمر به بايدن بسبب اعتلال صحته ومطالبة شخصيات ديموقراطية مؤثرة ووسائل اعلام بتنحيه عن المنافسة، فإن رصاصة ترمب قد توصله إلى البيت الأبيض، ويكون يوم 13 يوليو للمرة الأولى هو توقيت إعلان النتيجة بين المرشحين بدلاً من يوم 5 نوفمبر.