-A +A
عبدالرحمن الطريري
يونيو الماضي لم يكن أكثر ما يقلق الأوروبيين انتظار صيف حار قد يجلب حرائق في الغابات كما حصل في العام الذي سبقه، بل كانت نيران نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي بدت للأوروبيين، وخاصة في فرنسا وأوروبا، صادمة، خسرت كتلة «تجديد أوروبا»، التي تضم حزب «النهضة» بزعامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نحو 20 مقعداً، كذلك تعرّض الائتلاف الحاكم في ألمانيا بزعامة المستشار أولاف شولتز، لهزيمة قاسية في الانتخابات الأوروبية.

حيث حصل «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» بزعامة شولتز على أسوأ نتيجة له في التاريخ بنسبة 14%، وحتى «حزب الخضر»، شريك شولتز في الائتلاف الحكومي، فلم يحصل سوى على 12 إلى 12.5%، بينما حل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في المركز الثاني بعد حصوله على ما بين 16 و16.5%، رد الفعل تباين بين الزعيمين، حيث دعا الرئيس ماكرون إلى انتخابات مبكرة في نهاية يونيو، بينما كان رد الفعل الألماني متأنٍ، مكتفياً بالقول سنبحث عن الأخطاء المسببة لهذا التراجع.


بينما فاز اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية بقيادة جوردان بارديلا، وذلك بحصوله على نسبة تتراوح بين 31.5 و32.5% من الأصوات، حدثت بعد ذلك الانتخابات الفرنسية المبكرة، في موجتين أدتا بالمحصلة لحصول اليمين على المركز الثالث، وتجنّب تحقيق أي من اليمين أو اليسار أكثرية مقلقة.

وفي برلين بدأت الشرارة حين أقال المستشار الألماني وزير الداخلية كريستيان ليندنر، وهو زعيم الحزب الديمقراطي الحر، إثر خلاف اقتصادي، حيث رفض وزير المالية أي زيادات ضريبية أو تغييرات في القيود الصارمة التي فرضتها ألمانيا على نفسها بشأن تراكم الديون، والاقتصاد الألماني لديه تاريخ حذر كبير نحو رفع الدين العام.

هذا دعا المستشار الألماني لطرح الثقة في الحكومة في يناير المقبل، قبيل الموعد المجدول في سبتمبر 2025، مما يعني أن الانتخابات ستعقد بين شهري فبراير ومارس، أي بالتزامن مع الأسابيع الأولى للرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، والذي هنأه النواب اليمينيون في البرلمان الأوروبي بعد فوزه بالانتخابات الشهر الجاري.

وقد أقدم المستشار الألماني على هذه الخطوة التي أصبح لا محالة منها، نتيجة تراجع الاقتصاد الألماني خلال العامين الماضيين في أعقاب جائحة فايروس كورونا والحرب في أوكرانيا والمنافسة من الصين، ومن مؤشرات ذلك إعلان فولكس واجن إغلاق ثلاثة مصانع الشهر الماضي.

هذه المؤثرات الحالية، أما المؤثرات المستقبلية من فوز ترمب فلها تداعيات كبيرة إيجابية أو سلبية، أخذاً بالاعتبار أن 10% من صادرات ألمانيا تتوجه للولايات المتحدة، وبالتالي أي رفع للضرائب على الواردات الأوروبية سيؤثر سلباً، بينما رفع أو إبقاء الرسوم على واردات السيارات الكهربائية من الصين فسيكون إيجابياً للاقتصاد الألماني، والأهم هل سيبقى ترمب في الناتو، أم سيخرج أو يتطلب وجوده أثقالاً على كاهل الاقتصاد الأوروبي.

وربما حالة عدم اليقين هي التفسير الأوحد للاتصال الأول بين المستشار الألماني والرئيس فلاديمير بوتين منذ 2022، والذي كانت تستورد ألمانيا نصف غازها من بلاده، وامتد الاتصال لمدة ساعة، وبدا أن المستشار يسعى لإيقاف الحرب التي استنزفت كثيراً من الموارد، وأنهكت الاقتصاد الأكبر في أوروبا.

وبالطبع لم يكن في بيان الكرملين الذي لحق الاتصال أي جديد في مطالب بوتين، حيث دعا إلى احترام الواقع الجديد على الأرض، ومراعاة الهواجس الأمنية الروسية، وبالطبع تناسي فكرة انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

لا شك أنها مرحلة فاصلة في مسيرة المركب الألماني، من رياح واشنطن، إلى رياح موسكو، ولكن التحدي الكبير سيكون في الانتخابات القادمة، فوزير المالية جزء من رفضه رفع الضرائب هو قرار استراتيجي نحو الانتخابات، لكن الإعصار الحقيقي، سيكون تحقيق حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف كتلة وازنة في البرلمان.

حزب البديل الذي تأسس في 2013 لم يعد رقماً سهلاً وخاضعاً للمراقبة من الأجهزة الحكومية، فقد حقق هذا العام نتائج مذهلة، حيث حل أولاً في ولاية تورينغن، وثانياً في ولاية ساكسونيا، وفي نهاية اليوم قدر ألمانيا أن العملة المعدنية التي تسقط في برلين تُسمع في أبعد أذن أوروبية.