-A +A
جعفر عباس
ما من صحيفة، إلا ونقلت حكاية المستشفى الايطالي الذي تم وضع حجر الأساس له في عام 1958، وكان من المفترض ان يتألف من 150 غرفة تتسع لنحو 900 من المرضى الداخليين، وجاء عام 2008، وها هو يلملم أشياءه استعدادا للرحيل، دون ان يتم تشييد غرفة واحدة في مستشفى مدينة بينفينتو.. خمسون سنة لم تكن كافية لبناء مستشفى في بلد عضو في مجموعة جي. 7 (الدول الهوامير السبع الكبرى، وضموا مؤخرا روسيا فصارت جي 8).. ولكن ما استفزني هو ان الصحف العربية نقلت الخبر وأضافت اليه كمية من بهارات التهكم، ووددت لو كان هناك خط هاتفي ساخن يوصل القارئ بكل تلك الصحف كي أصيح فيها: اختشوا على دمكم.. وتحلوا بالقدر الأدنى من الحياء.. أستطيع أن أؤلف كتاباً من سبعة مجلدات عن المشاريع الفاشلة في العالم العربي على مدى خمسين سنة.. فاشلة إما لأنها لم تكتمل، او اكتملت بأساليب الكلفتة المعتادة.. دعك من المشاريع.. في العالم العربي هناك على الأقل أربع دول فاشلة لكونها عاجزة عن توفير الأمن والضروريات لمواطنيها، ومقتضيات التضامن العربي وميثاق الشرف الصحفي العربي تمنعني من إيراد أسمائها (ميثاق الشرف الصحفي العربي ينص صراحة على: استرني واسترك.. واذكروا محاسن موتاكم «الأحياء»)
إيطاليا فشلت طوال 50 سنة في إكمال بناء مستشفى، وعندنا حكومات فشلت طوال 80 سنة في إكمال بناء أجهزة الدولة.. الاستعمار البريطاني والفرنسي ترك لنا أوطانا ذات حدود معلومة (وأحيانا ملغومة)، وجاءت الحكومات الوطنية ولم يعد المواطنون يعرفون حدود بلدانهم: الحتة دي تبعكم وللا تبعنا؟ أحيانا تتسم حكوماتنا بالكفاءة وتنجز طريقا طوله عشرة كيلومترات في زمن قياسي لا يتعدى العشر سنوات، ولكن الطريق يظل على مدى خمسين سنة يخضع لعمليات جراحية لاستئصال الزوائد الدودية والفتق المتكرر، ثم يأتي جراح أجنبي ويقول ان الشارع يعاني من موت سريري من بعد ميلاده بشهرين، وإكرام الميت دفنه، فيتم حفر قبر للطريق في نفس موقعه، والشروع في بديل له في نفس الموقع.. هل تذكرون النهر العظيم في ليبيا؟ قالوا إنه سيكون أحد عجائب الدنيا السبع وأن المياه الجوفية ستتدفق منه وعندما تصب في البحر الأبيض ستتعرض مالطا وكريت للغرق.. ابتلع هذا النهر قرابة 30 مليار دولار ولم نسمع عنه شيئا طوال السنوات السبع الأخيرة
في السودان شُرع في تنفيذ طريق اسمه «الإنقاذ الغربي» لربط وسط السودان بغربه ثم بدول غرب أفريقيا.. بعد رصف كيلومتر واحد منه اختفت المبالغ المرصودة له، ووجهوا الاتهام لوزير انقلب الى معارض للحكومة فقال: افتحوا ملفات الطريق ليعرف الشعب من سرق مخصصات الطريق.. ولأن السودان ملتزم بميثاق الجامعة العربية الذي يجعل الوزراء فوق المحاسبة فإن الملف لم يفتح والعمل جار في الطريق باستخدام السلاحف لأننا نعرف أن في العجلة الندامة.
لا تتهكموا على إيطاليا.. لأن المافيا الإيطالية أكثر تنظيما وكفاءة من الكثير من حكوماتنا!! هل تعلم ان المافيا وهي منظمة إجرامية تمول سنويا مشاريع خيرية بمليارات الدولارات، وأن ميثاقها يحرم الاعتداء على النساء حتى لو أفشين أسرار المنظمة؟


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم
88548 تبدأ بالرمز 151 مسافة ثم الرسالة