-A +A
علي الدميني
وأنا أتأمل مسودة مشروع «رابطة الأدباء والكتاب» بالمملكة، المطروحة هذه الأيام للمناقشة في مجلس الشورى، استذكرت لائحة الأندية الأدبية التي وضعت في حوالى عام 73م من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، أيام الأمير فيصل بن فهد، رحمه الله، والتي يعدها المثقفون واحدة من الخطوات الشجاعة المبكرة لمأسسة العمل الثقافي في بلادنا، حيث نصت صراحة على انتخاب مجلس إدارة النادي من قبل أدباء كل منطقة أو مدينة لمدة أربعة أعوام.
وقد عمل بهذا النظام في الفترة التأسيسية لكل من نادي جدة الثقافي، والنادي الأدبي بالرياض، إلا أنه جمّد بعد ذلك، وعدنا لما تمرنا عليه طويلاً من آليات تعيين مجلس الإدارة لمرة واحدة، وتركه يعمل حتى توافي رئيسه المنية أو العجز عن إدارة النادي.

وحيث لم أكن أعرف على وجه الدقة ما هي الأسباب التي شجعت الأمير الراحل على تجاوز مبدأ الانتخاب والعودة إلى سهولة التعيين، فقد اتصلت بأحد الأصدقاء المواكبين لهذا الشأن في الرياض، لأستجليه عن بعض ما خفي عليّ في هذا الأمر. وقد أفاض صاحبي في سرد ملابسات انتخابات النادي الأدبي بالرياض، وعدد لي أسماء الإدارة المنتخبة، ولكن صديقي أشار إلى أن تلك الإدارة ومثلها إدارة النادي الأدبي في جدة، لم تقم على أسس عملية لاختيار الرؤساء، بل كانت مجرد حفلة صغيرة تميل للترف أكثر مما تميل إلى الجدية، نتج عنها اختزال مهام إدارة النادي، وبرنامج عمله وأهدافه, وقراراته الإدارية والمالية بيد الرئيسين، مما أدى ببقية الأعضاء للانسحاب من المهد بهدوء طالبين السلامة أو باحثين عن ملايين الطفرة النفطية العظمى في تلك المرحلة.
وقد أشار صديقي إلى نقطة مهمة وهي أن رؤساء الأندية لا ينبغي أن يكونوا من الرموز المكرسة والتي قد بلغت من العمر عتيّاً، وإنما يجب أن ننظر لفاعلية الشباب المثقف وقدرته وجرأته على إدارة دفة مثل تلك المؤسسات، ولذا فقد انتهى النادي الأدبي بالرياض بالأديب والشاعر الكبير عبد الله بن خميس وهو يجلس وحيداً في مقر صغير استأجره للنادي، وكذاك الأمر قد حل برائد الحركة الأدبية التحديثية في بلادنا المرحوم الأستاذ محمد حسن عواد في ناديه بجدة.
وقال صديقي:من منا لا يحمل كل التقدير والمحبة لقامتين أدبيتين شامختين هما العواد وابن خميس، ولكن انشغالاتهما الأدبية وكبر سن كل منهما لم تمكنهما من تفعيل النادي ضمن الظروف المتاحة، بل صارا غائبين عن الساحة الثقافية، في الوقت الذي بدأت فيه جمعيات الثقافة والفنون، تمارس بعض الدور الثقافي في أوساط الأدباء والمثقفين، ولذا رأى الأمير فيصل إن الأجدى أن نعود إلى سياسة الاختيار إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
كنت قبل أن أقف على هذه المعلومة، ميالاً إلى الأجوبة الجاهزة – من التجربة المعاشة- بأن المؤسسات الرسمية، لا ترغب في إشاعة ثقافة الانتخاب، وآلياتها في الوسط الثقافي، ولذا ذهبت تلك المؤسسات إلى الخيار المتاح والأسهل والمضمون، وهو طريق التعيين المريح. وهنا تجلى الأمر في صورة تختلف عن ما رايته واضحاً كالشمس، مما دفعني للتساؤل: هل كان وسطنا الثقافي آنذاك عاجزاً بحكم تكوينه الثقافي والاجتماعي عن التعاطي الخلاّق مع متطلبات الانتخاب؟
قال لي صديقي: الأمر يبدو لي اعقد من ذلك، لأننا لم نتمرن على ثقافة الانتخاب في أي جزء من أجزاء حياتنا البسيطة، ناهيك عن القضايا الأكثر تعقيداً، وبالطبع لا يمكننا أن نحمل المثقفين وحدهم تبعات غياب ثقافة الانتخابات، ولكن على المؤسسات الرسمية أيضا أن تتحمل معهم حصتها، فالانتخابات يا صديقي ليست حفلاً للمجاملات واختيار الأسماء الكبيرة وحسب، ولكنها ثقافة تنهض على مفهوم العمل المؤسساتي، القائم على احترام الاختلاف والإيمان بالتعددية، وبمبدأ تداول سلطة القرار الإداري هنا، وبترسيخ مبدأ اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وبدور الجمعية العمومية في المراقبة والمحاسبة على أداء عضوين مجلس الإدارة، والاحتكام إلى النظام الداخلي أو إلى أعضاء الجمعية عندما يمر النادي بأية تحديات لا تشملها مدونة النظام الداخلي، وهذه أمور كانت غائبة عنا أو غيّبت عنا لمدد طويلة، مما أدى بأول تجربة ديمقراطية في اختيار أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية إلى الفشل.
ودعت صاحبي، وتذكرت أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب لم تستجب لطلب تقدم به عشرة أدباء من الشرقية، في عام 75م لإنشاء ناد أدبي في الشرقية، وكان من بينهم محمد العلي وجبير المليحان، ود.بكر عبد الله بن بكر، وخليل الفزيع، وكاتب هذه السطور، ولأسباب متعددة تم تعييني والأستاذ محمد العلي أعضاء في مجلس إدارة النادي الأدبي في الرياض بعد خمسة أعوام من مطالبتنا بناد في الشرقية!
وقد أمضينا مع زملائنا في مجلس الإدارة في الرياض قرابة العام نعد للائحة الداخلية للنادي وللبرامج المستقبلية، ولكننا مع الأسف لم نتوقف عند نقطة هامة وهي توصيف مؤهلات أو اشتراطات عضو النادي الذي يحق له في المستقبل المشاركة في الانتخابات، ورغم أهمية هذه النقطة إلا أنه وبحكم رأي الأغلبية لم يستمر البحث فيها. ولذا قررنا عندما رأينا ظهور بعض الخلافات الإدارية و المالية بين بعض الأعضاء الرئيسيين طرح فكرة تقديم استقالة جماعية والمطالبة بانتخابات جديدة وفق معايير وضوابط ملائمة. وقد وقع على خطاب الاستقالة ثمانية أعضاء من عشرة، وبذلك طويت أنا ومحمد العلي صفحة مهمة من تاريخ مشاركتنا في تطوير النوادي الأدبية، والحلم برابطة للأدباء، ولم يعد لدينا أدنى طموح للمشاركة في إداراتها من جديد، ولسان حالنا يردد مع الشاعر العربي:
أتى الزمان بنوه في شبيبتهم
فسرهم وأتيناه على كبرِ!!
بيد أنه سيحلو لنا دائما تأمل التجربة ونقدها بكثير من المحبة و الشفافية أيضاً.
لقد قتلت رمزية انتخاب الرموز الثقافية تجربة الانتخاب الأولى، مثلما قتلتها محددات تعيين أعضاء مجالس الإدارة، فأبطلت فعل الحراك والمنافسة، وفاعلية المراقبة والمحاسبة، حتى ظل رؤساء الأندية دهراً سئموا فيه من كل شيء، واكتسبوا خلالها شرعية المناعة ضد النقد، وشرعية الممانعة ضد التغيير.
و اليوم ونحن نشهد حدثين هامين ارتبطا بالحقل الأدبي والثقافي، حيث جرى تعيين بعض أعضاء مجالس الأندية الأدبية لمدة أربعة أعوام، ورغم عدم تقبلي لمبدأ التعيين، إلا أن غالبية من تم تعيينهم، وخاصة في الشرقية، يتمتعون بمواصفات الكفاءة والنزاهة والانتماء للحقل المعرفي الخاص بفضاء عمل النادي. وأما الحدث الثاني فهو دراسة مسودة رابطة الأدباء والكتاب من قبل مجلس الشورى، وهنا يجب أن نضع الفأس عند الجذع، وبدلاً من تبادل التهم أو ترميم المبررات ،لا بد من الإفادة من سلبيات تجربة النوادي الأدبية بشقيها الديمقراطي والبيروقراطي، و التوقف أمام اشتراطات عضوية رابطة الأدباء والكتاب، لنحدد وبوضوح من هو الأديب ومن هو الكاتب، وسوف أفصل في هذا الحديث غداً في الحلقة الثانية بإذن الله.