-A +A
كاظم الشبيب
«حدث العاقلَ بما لا يليق, فإن صدق العاقلُ فلا عقل له». ينطبق هذا القول على المصدقين بأن أعمال القرصنة في خليج عدن يقف وراءها الصوماليون فقط, أو أن جذورها جنائية وإجرامية وأمنية فحسب, أو أنها لا تستبطن أبعاداً أخرى غير أمنية, سياسية واقتصادية مثلاً. لذا لا يمكن الزعم بأن من يقومون بها هم لصوص بحر أو مغامرون أو باحثون عن الثروة والغنى, وإن كانت الصورة الظاهرة تشي بذلك!
فحجم ونوع وطبيعة عمليات القرصنة الجارية قبالة سواحل الصومال, التي بدأت في الظهور والتنامي منذ أكثر من خمس سنوات, تبرز خطورة الأمر, حيث إنها تهدد واحدا من أهم الطرق البحرية في العالم. وأن ما يحدث أبعد بكثير من كونه مجرد عمليات قرصنة بحرية يقوم بها أفراد, لاسيما مع استمرارها في منطقة بالغة الحساسية سياسياً واقتصادياً, وهي خليج عدن.
يتحكم هذا الخليج بالمدخل الجنوبي لقناة السويس وهو واحد من أهم المحاور والممرات المائية في الملاحة البحرية في العالم. وتمر كل سنة حوالى 16 ألف سفينة وحوالى ثلاثين بالمئة من الانتاج النفطي العالمي عبر هذا الطريق. وأكدت ميدل ايست أونلاين, عن المكتب الدولي للملاحة البحرية, أن 61 هجوما لقراصنة صوماليين سجلت منذ مطلع العام الجاري. وهم يحتجزون حالياً أكثر من 12 سفينة، بينها واحدة اوكرانية تحمل 33 دبابة.
ينبغي استرجاع بعض المشاهد التاريخية لفهم وإدراك تداخل السياسي والاقتصادي فيما يتعلق بالقرصنة. فتحت عنوان وغطاء القضاء على القرصنة في البحر الأبيض المتوسط استولت القوات الفرنسية عام 1830م على قاعدة القرصنة في الجزائر, وهو الهدف المعلن, ولكن استمر الاستعمار الفرنسي بعدها سنوات طويلة حتى بعد انتهاء عهد القرصنة. وقد استمرت أعمال القرصنة 300 سنة في البحر الكاريبي عندما أدت المنافسة - السياسية والاقتصادية- بين أسبانيا والدول الأوروبية الأخرى في القرن السادس عشر الميلادي إلى استعمار الأمريك
تين المكتشفتين حديثاً, الشمالية والجنوبية, وقد أفضت أيضاً إلى حروب طويلة بين الدول الأوروبية.
لاحظ العالم اختفاء عمليات القرصنة البحرية على نطاق واسع منذ زمن طويل. ومع نهاية عام 1700م تقريباً اختفت تلك السفن التي تحمل علماً أحمر يسمى «الراية الدموية», بعضها كان يحمل أعلاماً تصور هياكل عظمية وسيوفاً ملتهبة وساعات رملية, وأكثر الاعلام شيوعاً العلم الذي كان عليه جمجمة وعظام بيضاء متقاطعة على خلفية سوداء.
في خلفية الصورة لموضوع القرصنة قبالة السواحل الصومالية, نجد أزمة سياسية متشعبة بين الصوماليين أنفسهم. وجود قوات أفريقية في العاصمة وبعض المدن الرئيسية. المطار الرئيس تتعرض بعض الطائرات فيه للقصف بين حين وآخر. نزاع على السلطة والموارد بين جبهتي رئيس الدولة ورئيس الوزراء. أما في أصل الصورة فنجد أن أمريكا تحاصر حالياً القراصنة بـ 6 قطع حربية بحرية من بينها المدمرة الأمريكية «يو أس أس هوارد» بالإضافة إلى قطع حربية فرنسية وأوروبية. وفي الصورة الأشمل نجد تنافساً عالمياً على القارة السمراء ومواردها من الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية مروراً بأوروبا.
وبينما تصبح الانسدادات في طرق المواصلات البحرية خطيرة جداً, حيث تهدد حياة الناس من تبعاتها, وتهدد الدول في مواردها وحركتها الاقتصادية, كما تهدد انسداد اوردة الجسد الإنسان بالموت, يبقى السؤال الأبرز: من يقف خلف «القراصنة الجدد», سواء بدوافع سياسية أو اقتصادية؟ ومَن يُساهم في هذا المستوى من التخطيط والتمويل والتنفيذ لعمليات القرصنة الحالية؟ وما هي أهدافهم السياسية والاقتصادية؟ نأمل أن تخبرنا الأشهر والأيام القادمة بالإجابات الوافية. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة