-A +A
حامد عمر العطاس- جدة
يقول خبير الأسهم والاستثمارات ومؤلف الكتاب المرشد في سوق الأسهم المحلية نبيل ميشة لـ «عكاظ» انه بعد عودة اللون الاخضر وتحسن السوق أن أمر سوق الأسهم بالسعودية لن يستقيم إلا بتخفيف حدة التوتر والضغط والعمل على إعادة وضبط التوازن النفسي لدى المتعاملين به وبث روح الطمأنينة والثقة بالاقتصاد الوطني ليخرجوا من دوامة الانهيار والابتعاد عن منطقة التقلبات السعرية العنيفة ، ودعا جميع المتعاملين بالسوق أن يخرجوا من دوامة الحيرة والتردد والعودة إلى الواقعية في التفكير الاستثماري ورمي شبح الخوف والهلع خلف ظهورهم والنظر نحو المستقبل بعين التفاؤل لأن سوقنا تماما كالأسواق العالمية جميعا معرضة للهبوط والصعود من خلال دورة كاملة وهي الآن تمر بآخر مراحل هذه الدورة، وحتى تكتمل الدورة بشكل صحيح ونخرج من عنق الزجاجة .
كما دعا إلى سرعة إطلاق أنظمة حوكمة الشركات الحبيسة الأدراج وطالب هيئة السوق المالية بالاهتمام والأخذ بالاعتبار العوامل النفسية للمتداولين خاصة خلال السنتين المقبلتين لأن الجراح عميقة وتحتاج لوقت حتى تلتئم كما يدعوها أيضا للعمل على الاستفادة من الخبرات الوطنية من قدامى المتعاملين بالسوق ممن يعرفون العمق الحقيقي للسوق وآلية ردة فعل المتعاملين نحو أي قرار جديد يمس آلية التداول والتعلم من أخطائها لتخفيف الضغط النفسي على المتداولين والحد من عملية الطرح الأولى لأي شركات مستقبلا وعدم استخدام عملية الطرح الأولى للشركات الجديدة كأداة لكبح جماح التضخم حيث لوحظ أن الهيئة تعلن عن طروحات بالجملة مع كل خفض للفائدة، كما عليها أيضا التفكير جيدا بأبعاد أي قرار يمس حركة التداول فهناك خطوط حمراء يعتبرها المتعامل بالسوق إنذار خطر ويصيبه بالخوف والهلع ومن ثم التسبب عن غير قصد بإنهيارات مماثلة، حيث أن إدارة الأسواق المالية تحتاج لخليط متجانس من العلم والفن وعادة ما تلعب فيه الخبرات المتراكمة وحسن التصرف والذكاء في اختيار التوقيت المناسب دورا كبيرا في تطوير مهارة المحافظة على الاتزان بين الكثير من العوامل والمتغيرات بالسوق وتعتبر بحق من أهم شروط استقرار السوق.

وأشار إلى أن المتتبع لمسيرة السوق في السنوات الأخيرة يجد أنه تم طرح العديد من أسهم الشركات الجديدة أو المتحولة التي تميز طرحها بكرم حاتمي في علاوات الإصدار حتى بلغ عدد الشركات المدرجة بمؤشر السوق أكثر من 125 شركة انطلاقا من 73 شركة خلال مدة زمنية قصيرة لا تتعدى 18 شهراً، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في امتصاص وتجفيف السيولة من يد معظم المتعاملين بالسوق ومرورا بضعف الرقابة على الشركات وتعديل فترة التداول وبقاء أنظمة حوكمة الشركات حبيسة الأدراج وسرعة إطلاقه دون تفعيل حقيقي لها وانتهاء بتعديلات وحدات تغير قيمة الأسهم بالتداول في توقيت عجيب لا نعرف مسبباته.
ومنذ استئناف نشاط السوق بعد إجازة عيد الفطر المبارك لعام 1429هـ وحتى السبت الماضي هوى مؤشر السوق بالنسب الدنيا وانهارت أسعار جميع الأسهم دون استثناء مكتسحة جميع نقاط الدعم السابقة والأسعار التاريخية حتى وصلت أسعار بعض منها أقل بكثير عن قيمتها الدفترية، بل قد وصلت أسعار بعض منها لأقل من قيمتها الاسمية ويتم تداولها بأقل من عشرة ريالات!
وقد ذكرتني الحالة التي تمر فيها السوق هذه الأيام بحال سوق الأسهم عام 1990م (أي قبل 18 عام) عندما كنا نبيع ونفرط في أسهمنا بأقل من قيمتها الاسمية ولكن هناك اختلافا كبيرا وجوهريا بين الانهيارين ففي انهيار عام1990 كنا نفعل ذلك بسبب الذعر والخوف والقلق وهو ذعر حقيقي له مسبباته المحسوسة والمشاهدة أمام أعيننا مما تسبب في إصابتنا بحالة خوف مرضية Panic Attack وبالتالي ظهور موجات بيع هستيرية للأسهم في تلك الأيام Selling under Hysterical Episode بعد أن تملكنا الرعب وأخذ منا كل مأخذ كنتيجة طبيعية لحادثة غزو الكويت وقرع طبول الحرب على أعتاب بيوتنا وضبابية الموقف العسكري والسياسي، ولكن اليوم الوضع مختلف تماما حيث تنعم الدولة حماها الله باستقرار أمني وسياسي واقتصادي ولا توجد مهددات حقيقية للاقتصاد الوطني .. صحيح أن هناك أزمة مالية وهزة اقتصادية عالمية مقلقة ولكنها في الحقيقة ليس لها تأثير مباشر وقوي علينا وذلك بشهادة جميع المسؤولين بقطاعات الدولة ذات العلاقة بالاقتصاد الوطني حيث أكد الجميع سلامة وضعنا المالي والاقتصادي، ولذلك ليس هناك سبب وجيه من وجهة نظري لحالة الذعر التي يعيشها المتعاملون في سوق الأسهم .
وبالنظر للوضع الحالي لسوق الأسهم السعودية، نجد أن عامل الحالة النفسية السيئة للمتداولين سواء كانوا مضاربين أم مستثمرين هي التي تتحكم في أداء السوق ووصولهم لمرحلة الخوف ومن ثم الهلع والبيع الهستيري للأسهم التي يملكونها ما هي إلا نتيجة لانهيار نفسي بالمقام الأول، وعلى الرغم من أننا شاهدنا يوم الاثنين الموافق لـ 13 أكتوبر صعودا قويا جدا بالنسبة العليا في جميع قطاعات المؤشر نتيجة لدخول محافظ ذكية لمستثمرين تحرروا من حالة الخوف والهلع وجهات استثمارية تقتنص مثل هذه الفرص الذهبية بعد الجهود التي بذلت من قبل الجهات المختصة والمتزامن مع الظهور الإعلامي لمن على قمة هرم المسؤولية في وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية إلا أنني أحذر من إمكانية أن يعاود المؤشر الاقتران باللون الأحمر طالما أننا لا نعمل على علاج الحالة المرضية المزمنة للسوق بشكل صحيح ونصر على حقن السوق بمسكنات الألم دون الاهتمام بالعلاج الذي يخلصنا من هذه الحالة المرضية، وقد يتسبب تكرار الحقن بمسكنات الألم إلى معاودة ظهور اللون الأحمر بشكل مؤلم مرة أخرى، الأمر الذي قد يتسبب في ظهور حالة قلق وشك بشأن سلامة وضع السوق مرة أخرى، وبالتالي تنامي الشعور بالإحباط بين فئات كبيرة والدخول مرة أخرى في دوامة الانهيار من جديد ، وفي هذه الحالة لن نتمكن من توقع ردود أفعالهم والتي قد تخرج عن حدود العقل والمنطق.