-A +A
غازي كشميم- جدة
اكد الفقيه الاصولي المنتدب لمجمع الفقه الاسلامي واحد المشرفين على "موسوعة القواعد الفقهية" الدكتور احمد الريسوني على اهمية ازالة العوائق السياسية التي تحجّم عمل المجامع الفقهية لافتا الى ان هنالك حكومات لا تريد اقامة مثل هذه المؤسسات الدينية واخرى تريدها ولكنها تكبح اندفاعها وتتحكم فيها مما يفقدها مصداقيتها ومواكبة العصر الذي نعيش فيه.
وقال في حديث أجراه معه "الدين والحياة" ان العالم المتمكن هو من يكون مقاصديا في اطار النصوص وايضا في اطار المقاصد وذلك من خلال استخدام المنهج السديد المتوازن مؤكدا في الوقت ذاته أن نعطي المجامع والجامعات قدرا واسعا من الحرية والاستقلالية وان تحظى بثقة السياسيين والممولين وغيرهم والى نص الحديث:
ثمانية مذاهب
بداية نود أن تعطينا فكرة عن مشروع "موسوعة القواعد الفقهية" ؟
- "معلمة القواعد الفقهية" مشروع قرره مجمع الفقه الإسلامي منذ أكثر من(15) سنة ومر بمراحل عديدة: المرحلة الأولى كان المجمع بنفسه يتولى الأمر بصفة كاملة مادياً وعلمياً ولكن إمكانيات المجمع المادية ضعيفة واستهلكت مما أثر على الإمكانيات العلمية، حتى كان في السابق الأمين العام للمجمع الشيخ محمد الحبيب بلخوجة بنفسه هو المشرف، وقد آل المشروع في السنوات الأولى إلى شبه توقف فتدخلت مؤسسة زايد للأعمال الخيرية ووقع اتفاق جديد على استئناف العمل على أن تتكفل مؤسسة زايد بتمويله ورعايته مادياً وعلمياً وأسندت رئاسة هذه المعلمة للدكتور عزالدين إبراهيم، وانطلق المشروع مرة أخرى قبل (5) سنوات بإمكانات أفضل وظروف أحسن ووجود مدير متفرغ وإدارة متفرغة ومقر مستقر، فاستمرت عملية استخراج القواعد الفقهية من كتب الفقه والتفسير والأصول وغيرها من كتب التراث كمرحلة من مراحل المشروع، ثم بعد ذلك القواعد الأصولية ثم بعد ذلك المقاصدية من مختلف كتب التراث الإسلامي ومن مختلف المذاهب؛ وبالتحديد من ثمانية مذاهب: المذاهب السنية الأربعة بالإضافة إلى الظاهري وهو أيضاً سني والمذهب الإمامي الجعفري والمذهب الإباضي والمذهب الزيدي، وطبعاً المذاهب السنية استحوذت على نحو 80%- 85% من حجم المعلمة وهذا شيء طبيعي نظراً لتمثيل هذه المذاهب من مجموع الأمة.
اختلاف القواعد
ألا يوجد تعارض واختلاف بين القواعد الفقهية السنية والشيعية مثلاً؟

- بلى، يوجد اختلاف لكن أولاً: الاختلاف في القواعد أقل مماهو في الفروع. ثانياً: القواعد في غالبها ضد الطابع المذهبي بمعنى أنك قد تجد مثلاً قاعدة اختلف فيها المالكية أنفسهم وهكذا في بقية المذاهب ورغم ذلك يبقى الاختلاف في القواعد أقل بكثير منه في الفروع والتطبيقات؛ ولذلك يرجى أن يكون من بين فوائد هذه الموسوعة أن تسهم بشكل كبير جداً في تقريب العقلية الاجتهادية والفكرية والأصولية بين المذاهب كافة.
هل نطمح أن يكون هذا المشروع خطوة في التقريب بين المذاهب؟


- التقريب وعدمه كلاهما قضية سياسية بالدرجة الأولى وتاريخية بالدرجة الثانية وعلمية بالدرجة الثالثة، فالموسوعة إسهام في الجانب العلمي، والمسألة العلمية لن تحل بهذه الموسوعة لكن تقدم خدمة تؤتي أكلها وآثارها عبر عقود وأجيال متعاقبة إن شاء الله.
موسوعة شاملة
ما حاجة الأمة إلى هذا المشروع الكبير؟

- أنا اعتبر هذا النوع من العمل وهذا الإنجاز سيكون في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة، وستصبح الأهمية العلمية للأمة بعدهما هي: "معلمة القواعد الفقهية" لأن القواعد الفقهية موجودة أصلاً لكن جمعها في موسوعة واحدة شاملة هذا هو الجديد. ولماذا تأتي في المرتبة الثالثة؟ لأن الكتاب والسنة هذان أصلان ثابتان خالدان لاغبار عليهما، ماهو الشيء الثابت بعد الكتاب والسنة؟ هو القواعد. أما الفروع والاجتهادات الظرفية فمتغيرة جداً. فنحن اليوم بحاجة إلى القواعد التي وضعها الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة وغيرهم من السلف في القرون الماضية لكن فقه تلك القرون نستطيع أن نستغني عنه بنسبة كبيرة، ومن الممكن أن نستأنس به ونطلع عليه كمتخصصين لكن القواعد تظل ثابتة تصلح لكل الأجيال، ومن هنا تأتي أهميتها.
فوضى الإفتاء
نلحظ تأخر الفقه الإسلامي عن قضايا ومستجدات العصر هل هذا يعود إلى نقص في الفقهاء أم نحن بحاجة إلى ثورة اجتهادية؟

- أحياناً يُتحدث عن نقص المفتين والفقهاء والاجتهاد الفقهي كما تقول، وأحياناً يتحدث عن فوضى الإفتاء وكثرة المفتين، فما تقولون أنتم الإعلاميون؟! (ضاحكاً)، على كل حال فإنه من الناحية الكمية أنا أقول هناك وفرة متزايدة في هذا العصر، مع سهولة متزايدة أيضا في التواصل والتوصيل.
لكن قد نكون محتاجين إلى نوعية في الفقهاء؟
- نعم هذا صحيح لأن المجامع الفقهية ومنها هذا المجمع الذي نشتغل فيه عملها بطيء ومعاق لعدة أسباب إدارية وسياسية وغيرها، وهناك دول ليس بها مجامع أصلا، والعلماء الأفراد يجتهدون ويبذلون مجهوداتهم الفردية، أنا قلت غير مرة: إن معظم الدول والحكومات تشتكي من الفوضى والتسيب والفكر المتطرف وما إلى ذلك، لكن لا يريدون أن يجعلوا الساحة العلمية والفقهية تحت السيطرة كما يجعلون الساحة الأمنية والاجتماعية تحت السيطرة، وما معنى تحت السيطرة؟ أي بمثل ما تفكر به للأمن، أي بميزانية وجيش من العلماء ومؤسسات تكوين وفاعلية ووسائل عمل... فكذلك تفكر للفقه وللفتاوى الفقهية.
تجيير الفتاوى
لكن إذا تدخلت الدولة ألا يمكن أن تجير الفتاوى إلى فتاوى رسمية لمصلحة الدولة؟

- هذا مشكل آخر، لن تكون الأمور تحت السيطرة حينئذ. وهذا واقع. فعلاً تقع في ذلك بعض الحكومات، ولذلك قلت ان عمل المجامع الفقهية معاق لأسباب متعددة خذ هذا المجمع (مجمع الفقه الإسلامي بجدة)، تمثل فيه جميع الدول التي في منظمة المؤتمر الإسلامي وهي أكثر من (50) بمعنى أن هذا المجمع يجب أن يحسب حسابات لأكثر من (50) دولة حينما يصدر فتواه!! فهذه إعاقة. لذلك هذا المجمع المسكين لايكاد يعلم به أحد من الشعوب، فكيف تريد منه أن يكون فاعلاً؟! وكيف تريد منه أن يجعل الساحة العلمية تحت السيطرة؟! هذه المجامع والجامعات ينبغي أن تؤتى قدراً واسعا من الحرية والاستقلالية وأن تحظى بثقة من السياسيين والممولين، ويصبح لها فاعلية وتأثير، وبعد ذلك نتحدث عن تجيير الفتاوى أو عدم تجييرها.
عوائق كابحة
كأنك تتكلم عن عوائق تعيق مواكبة تلك المجامع والمؤسسات الفقهية العلمية لمستجدات العصر؟

- نعم هناك حكومات لا تريد مجامع فقهية أصلاً ،وهناك حكومات تريد مجامع لكن تعاملها بالكبح والتحكم، وهذا التحكم يفقدها المصداقية ويفقدها القدرة على المواكبة؛ لأن الذي يحسب حسابات سياسية، قد تكون المشكلة أمامه ولكنه ينتظر عشر سنوات قبل أن يؤذن له، أو يشار عليه لكي يتكلم فيها، وبذلك تبقى الفتوى الرسمية معاقة. وإذا بقيت معاقة يأتي الفائض من الفتاوى الأخرى. لذلك الآن المجهودات الفردية للعلماء في مؤلفاتهم وفي بعض المجلات وبعض البرامج تسد شيئاً من الفراغ وتغطي نقص كثير من المجامع، لأن المجامع بطيئة ومعاقة وتحسب حسابات، بينما العالم الفرد نسبياً أسرع وأكثر تحررا من العوائق .
حتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؟

- للأسف لم يأخذ المكانة المرجوة له بعد، لا في الإفتاء، ولا في الساحة العلمية والسياسية عموماً.
النجاح 1%
لكن هو لا يوجد في دولة عربية ولا إسلامية حتى تكون عليه عوائق سياسية؟

- الاتحاد العالمي عوائقه ليست سياسية بالدرجة الأولى. هو مسجل في أيرلندا، والاجتماع التأسيسي كان في لندن، والمقر الفعلي موزع بين الدوحة وبيروت والقاهرة، أما عائقه الأول فهو عدم التفرغ؛ العلماء الذين يسيرون الاتحاد لا يمكن أن ينجحوا هذا الاتحاد بِ 1% من وقتهم أو حتى ب5 %، مثل هذه المؤسسة يجب أن تعطى عشرات العلماء يعطونها كل وقتهم. الاتحاد الآن يشتغل بالوقت الرابع أو الخامس من أوقات العلماء، الذين لديهم مهنهم والتزاماتهم وأولوياتهم وهواياتهم، وما بقي مما بقي من وقتهم يعطى للاتحاد!!
يعني إعاقة المجامع سبب رئيس تراه في تأخر الفتوى والفقه عن مستجدات العصر؟

- نعم؛ لأننا نعول على المجامع الفقهية باعتبارها مؤسسات رشد وتوازن ونضج، ولكنها تنقصها المبادرة والفاعلية والحرية والمصداقية، مما يؤدي في النهاية إلى نقصان وضعف في إنتاجها فيبقى الفراغ، فيملؤه من استطاع إلى ذلك سبيلا.
فتاوى الفضائيات
دكتور عرجت على فتاوى الفضائيات هل تراها ظاهرة إيجابية حيث بدأ الناس يربطون تحركاتهم بأحكام الدين أم هو إغراق في جزئيات شخصية يلهي عن قضايا الأمة الكبرى والقضايا المصيرية؟

- المعالجة الفقهية نوعان: هناك فقه يأتي العالم فيقدمه، سواء طلبته أم لم تطلبه. ففي هذا النوع يستطيع العالم أن يركز على ما يراه ذا أهمية وذا أولوية، لكن الفتاوى التي تصدر بناء على طلب من المشاهدين تستجيب للسائل إذا أراد أن يسأل عن التيمم أو الطلاق أو غيره.
لكن هناك استجابة متزايدة من المشايخ والفضائيات تولد عنها اندفاع كثير من المشاهدين ليسأل حتى في قضايا شخصية قد لا تحتاج إلى استفتاء شيخ وإنما تحتاج لشيء من التفكير وإعمال "استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك"؟

- نحن لا يمكن أن نحاسب الجمهور، الجمهور فيه جميع الأصناف وفيه جميع الاهتمامات الجيدة والتافهة والرئيسة والثانوية، وإنما نحاسب الشيخ كيف يجيب؟الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه أعرابي وسأله: "متى الساعة؟" هذا سؤال العاطلين والفضوليين!! فأجابه الرسول "وماذا أعددت لها؟"، قلب له القضية. فالمفتي قد يتلقى سؤالاً فيعيد توجيهه؛ يأتي شخص إلى المفتي ويسأله: أنا تشاجرت مع زوجتي وضربتها وطلقتها وأريد أن أرجعها...ما الحكم؟ كيف أفعل؟ ينبغي على المفتي أن يسأله أولاً: لم ضربتها؟ لم فعلت كذا وكذا؟ هو يسأل عن الطلاق والرجعة، لكن قبل ذلك يجب أن نسأله عن جوهر القضية وسببها. لذلك مع العلماء والمفتين يمكن أن نتلاوم، لكن الجمهور يعرض كل ما يعن له، لذلك لا نطلب منه أن يفكر وينتقي، نطلب من العالم أن يفكر ويسدد ويرشد السائلين.
فقه المقاصد
هل الاهتمام بفقه الأحكام الظاهرة يعيق نمو الفقه المقاصدي والتمسك بروح الإسلام لا بمظاهره؟

- المشكل هو في نوعية ومستوى العلماء، حينما يكون لدينا علماء ومفتون بالمستوى المطلوب فلن نحتاج أن نقول لهم أنتم تهتمون بفقه الظاهر أو فقه المقاصد أو فقه كذا وكذا، العالم المتمكن بطبيعته يسلك ما يجب أن يسلكه، وما يجب أن يسلكه هو أن يكون مقاصدياً في إطار النصوص، ونصياً في إطار المقاصد. المنهج السديد المتوازن والذي قال عنه الشاطبي: "أمه أكثر علماء الأمة هو المنهج المقاصدي في إطار النصوص" فهناك مقاصديون - يزعمون- يتجاوزون النصوص، وهناك نصيون يسقطون المقاصد لكن المنهج السديد يحتاج إلى علماء راسخين والذين بطبيعتهم يتحركون في إطار النصوص ومقاصدها، وبطبيعة الحال فقهنا القديم في القرون الأخيرة غلب عليه النزعة الظاهرية والصورية، ولكن هذه الأمور بدأ تجاوزها الآن أو على الأقل تمت خلخلتها منذ خمسين أو ستين سنة، والأمور تتغير فالآن نحتاج إلى فقه متوازن وهو الذي يجمع بين الظاهر والمقاصد والنص والمعنى.
الحركة الفقهية
حركة التجديد كيف تقيمونها؟

- طبعاً هناك حركة تجديد كما أشرت منذ سبعين أو ثمانين سنة والجهود تبذل في مختلف الأقطار الإسلامية في المغرب وفي مصر وفي الجزيرة العربية وخاصة المملكة العربية السعودية وفي الهند وغيرها من الدول لكن المشكل في الحركة الفقهية والحركة الدعوية فعلاً هو أننا الآن في عصر المؤسسات وفي عصر انتشرت فيه الحرية بشكل لم يسبق لهامثيل .
أنت تنادي لأن يتحرك العلماء والحكام لضبط هذه الفوضى.

- نعم إذا لم تتظافر الجهود والإمكانيات ولم يعط العلماء الفرصة لا يمكن معالجة هذا الوضع.
ألا يمكن أن نخشى أن تنتقل الفتاوى إلى مربع الكبت بدل الضبط؟

- أنا أطمئنك أن هذا لا مكان له اليوم ولا مستقبل له، وأنا أعرف أن الحكومات تضبط وتكبح قدر ما تستطيع وأكثر مما تستطيع لكنها في النهاية تفقد هذه المؤسسات وهؤلاء العلماء المتعاونين معهم مصداقيتهم فيتقدم وينجح الآخرون المناوئون، فهي إذاً معادلة لا بد من مراعاتها، لابد أن تعطى الحرية والمصداقية للعلماء المتزنين المتعاونين مع المسئولين والحكام والحكومات حتى نحفظ لهم مصداقيتهم العلمية، ومصداقية العالم العلمية تكمن في أن يعرف الناس أنه يصدر من نفسه، أو يصدر بأمر؟ فإذا عرفوا أن هذا يتكلم إذا قيل له وكما قيل له تركوه، وإذا عرفوا أنه يتكلم متى أراد ويتكلم بما بدا له صدقوه واتبعوا كلامه.
التنسيق والتلاحم
يعني ينبغي على العلماء والساسة التنسيق حتى يتاح للعلماء كامل الحرية في أن يجتهدوا ويفتوا؟

- العلماء هم أرشد الناس في الأمة أو من أرشد الناس فيها ويجب أن يعاملوا على هذا الأساس فضلاً على كرامتهم الإنسانية ومكانتهم العلمية، فالسياسي يجب أن ينسق ويتفاهم معهم فيندمجوا في التدبير الجماعي لا أن تصدر إليهم التعليمات وأحياناً التوبيخات، هذا فعلا يفقدهم الدور الذي يجب أن يؤدوه للدولة. فإذاً العلماء يعاملون بكافة الاحترام لآرائهم وليس فقط لأشخاصهم، ويتشاور معهم ويؤخذ بآرائهم، ويأخذون هم بآراء السياسيين كذلك؛ لأن العلماء في كثير من الأحيان يكونون بأمس الحاجة إلى السياسي وإلى الحاكم ليشرح لهم معطيات الواقع، والعلماء إذا بقوا في مكتباتهم ومكاتبهم أيضاً يقعون في بعد وضعف شديدين في ما ينبغي عليهم معرفته حتى يفتي العالم في شيء والشيء على خلاف ما يظن، فلا بد من التنسيق والتلاحم بين العلماء والسياسيين، الآن هم يتحدثون عن السلطات الثلاث وبعضهم يضيف السلطة الرابعة - صاحبة الجلالة- وأنا أقول السلطة الأولى أو الثانية هي السلطة العلمية، بل في الإسلام إما أن تكون السلطة هي نفسها علمية سياسية فإن لم تكن فالسلطة العلمية والسياسية ندان؛ ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم" فـئتان من أمتي إذا صلحتا صلحت الأمة وإذا فسدتا فسدت الأمة: العلماء والأمراء" فهاتان الفئتان يجب أن تكونا على قدم المساواة في التدبير الفكري والعلمي والثقافي. في السياسة طبعاً الأمير يتقدم وفي العلم الخالص العالم يتقدم لكن فيما هو تدبير مشترك في قضايا الأمة يجب أن يكون هؤلاء وهؤلاء جنباً إلى جنب، فإن افترق الصنفان أو تباعدا أو تجافيا فسدت الأمور ولا شك.
لكن هذا بالتأكيد لن يعجب العلمانيين والليبراليين؟

- هذا من أول الزمان لا يعجبهم. ليسوا هؤلاء جديدين في المجتمع، دائماً كان عندنا القرامطة وإخوان الصفا وغيرهم، نحن ندبر ما ينبغي وأظن حينما يتم إحكام الأمور والسيطرة كما ذكرنا حتى هؤلاء سيتفهمون الأمور بشكل أفضل.
هم يخشون من تدخل الدين في كثير من جزئيات الحياة وأن يكون كابحاً لجماح كثير من التجديد والتطور.
- الجميع ينادي بالتجديد والتطور لكن أي تجديد وأي تطور؟ فهناك من يذهب بعيداً، فالتطور بالنسبة إليه هو العري والدعارة وحرية الخمور وحرية الرقص في الشوارع؛ يعني أن تستباح جميع المحرمات، وأن تكون الدولة من ألفها إلى يائها دولة ربوية ودولة ليبرالية، هذا شيء لكن هناك من يدعو إلى تجديد بالحريات والعمران والعلم والأخلاق والانضباط ومحاسبة الناس على الأموال العامة ويدعو إلى نصرة الأمة وانتخابات نزيهة... وإلخ إذا كان هذا هو التقدم في نظرهم فهذا هو التقدم المشترك المتفق عليه، أما المختلف فيه فقد يكون في المسائل الأخلاقية، أو قد يختلفون في نظام العقوبات أو غيره فهذا لا ينبني عليه تقدم ولا تأخر فليست هناك دولة تقدمت لأنها لم تطبق حد السرقة، تقدمت لأسباب أخرى لا علاقة لها بحد السرقة وليست هناك دولة تخلفت لأنها طبقت حد السرقة أو لأنها تطبق الزكاة قبل الضريبة أو العكس. التقدم له أسبابه المعروفة .