ذكّرنا رئيس الوزراء العراقي السيد جواد المالكي عندما أطل على الفضائيات أمس وأعلن مقتل الزرقاوي، بما فعله الحاكم المدني الأمريكي للعراق ( بول بريمر )، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، عندما أعلن القبض على الرئيس العراقي صدام حسين وقال كلمته المشهورة: نلنا من الرجل. إخراج إعلامي فيه الكثير من «البهرجة» الدعائية لحدث مهم، ولكن مغزاه السياسي يطغى على واقعية أثره وقيمته الحقيقية، في القضية التي يمثلها.
رئيس الوزراء العراقي حاول أن يُجير الحدث لعهده، وإن كان الدور الذي لعبته أجهزة الأمن العراقية، في إنجاز المهمة، يتوارى أمام الدور الذي قامت به القوات الأمريكية... بل وتلك التي قامت به أجهزة استخبارات أجنبية تعمل في العراق، لأسباب تختلف عن تلك التي يمكن أن تدفع الحكومة العراقية للقضاء على الزرقاوي. الأردنيون كانت لهم أهدافهم الخاصة، لأجندة خاصة بهم، تدفع للنيل من الزرقاوي، ليستفيد من الإنجاز، العراقيون، وبالذات حكومة رئيس الوزراء جواد المالكي.
الزرقاوي، كان يمثل ظاهرة أممية للإرهاب تعمل في مسرح عمليات خارج موطنها الأصلي... وهذا ينطبق، بصورة أكثر وضوحاً، على تنظيم «القاعدة»، الذي لا يعترف بحدود سيادية ينحصر نشاطه داخلها، وينظر إلى حركته الإرهابية من ناحية أممية عقيدته السياسية، التي تجعل من العالم بأسره، مسرحاً لعنف إرهابه. هذا من شأنه، على المسرح العراقي الأمني، أن يضع فاصلاً سياسياً وحركياً بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال. الزرقاوي وتنظيم «القاعدة» بصورة عامة كانت عقيدته الإرهابية تقوم على هدف سياسي محدد: محاربة المشروع الأمريكي في العراق، من خلال ليس فقط مقاومة ذلك الوجود، بل وإفشال مشروعه السياسي في ما يسمى: إعادة إعمار العراق سياسياً.
لذلك كان تنظيم الزرقاوي يعتمد على استراتيجية تكريس عدم الاستقرار على الساحة العراقية، ولو قاد الأمر إلى المجازفة بنشوب حرب أهلية. تنظيم الزرقاوي في العراق، كان يعمل على تناقضات الوضع الطائفي في العراق.. كان تنظيم الزرقاوي، يحارب الشيعة، بزعم أنهم «روافض».. ويحارب الأكراد بدعوى عمالتهم للأمريكيين.. ويحارب بعض العرب السنة، بدعوى ضعفهم... وأهم من كل ذلك يحارب كل من يتعاون من العراقيين. لذا نرى تنظيم «القاعدة» في أرض الرافدين، لا يتردد من مهاجمة العراقيين، حتى يتحقق هدفه السياسي في إفشال مشروع إعادة إعمار العراق سياسياً، الذي يتبناه الأمريكيون.
لا شك أن مقتل الزرقاوي سيمثل مادة سياسية ودعائية للإدارة الأمريكية لدعم جهودها في مكافحة ما تسميه الإرهاب. أخيراً، سوف يتباهى الرئيس الأمريكي وإدارته، بأن استراتيجيتهم في الحرب على الإرهاب، تحقق نجاحات وانتصارات متوالية... وهذا، إلى حد ما، سوف يرفع عن كاهلهم، إلى أجل، الضغط الداخلي والدولي ضد استراتيجية التوسع القتالية. سوف يتباهى الرئيس الأمريكي بتأكيد فرضيته القائلة: بأن رموز الإرهاب بإمكانهم أن يهربوا، ولكن ليس بإمكانهم أن يظلوا هاربين طويلاً... سرعان ما تتصيدهم أعين الـ ( سي أي إيه ).. وتطالهم يد أمريكا الطويلة.!!؟
عراقياً: لا شك أن هذا الإنجاز، سيدعم حكومة الرئيس جواد المالكي.. ويشدد من قبضة الائتلاف العراقي الموحد، في مواجهة القوى العراقية الأخرى، التي تتشكل منها المعارضة للحكومة، وخاصة تلك التي تمثل العرب السنة. ربما هذا يقود الحكومة العراقية، إلى المضي في مشروع الفيدرالية إلى حدود المجازفة بوحدة العراق.. وسوف يقود تشديد قبضة الحكومة العراقية على المناوئين والمعارضين، وخاصة في بين العرب السنة، بحجة تعقب فلول تنظيم القاعدة، بهدف القضاء على قوى مقاومة الاحتلال، بدعوى أنها قوى إرهابية. وإذا ما اعتبرنا أن الزرقاوي كان يمثل دعماً غير مباشرٍ لقضايا العرب السنة في العراق، وهذا غير صحيح على إطلاقه، فإن مقتل الزرقاوي ربما يقود إلى إمعان الحكومة العراقية في عدم التجاوب مع مطالب العرب السنة... مما يشجع المليشيات الخاصة بالتكتلات الحزبية الأخرى على مهاجمة العرب السنة.. والمضي في سياسة التطهير العِرقي، تمهيداً لفرض الفيدرالية.
وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار علاقة الحكومة العراقية الجديدة بإيران، الذي اعتبرها مرشد الثورة في خطاب له منذ أيام، نكسة للأمريكيين، نستطيع أن نتلمس مدى الارتياح الذي يسود إيران بإعلان مقتل الزرقاوي. إيران، مثل حكومة السيد المالكي، سوف تنظر للحدث من زاوية اقترابهم من تحقيق أهدافهم السياسية، في مستقبل العراق. إذا ما فسرت الحكومة العراقية: غياب الزرقاوي خطأ، على أنه اقتراب نحو تحقيق الفيدرالية، وبالتالي الاقتراب أكثر من إيران.. والابتعاد عن خلفية العراق العربية، فإن هذا من شأنه أن تمعن الحكومة العراقية في تجاهل مطالب العرب السنة في الحفاظ على وحدة العراق.. ومواصلة العمل على مشروع فصل الجنوب عن العراق، ليلتقي مع أحلام طهران في التوسع جنوب العراق، لتحقق إيران ـ في النهاية ـ أهم أهدافها التوسعية، التي أعلنتها عقب قيام الثورة... هذه المرة ليس بالحرب، كما حدث في فترة حرب الخليج الأولى، ولكن بفعل تطور سياسي حدث في العراق ساهم في خلقه ( الشيطان الأكبر )...!؟
«سيناريوهات» مختلفة متوقعٌ تطورها، من قبل عناصر وقوىً دولية وإقليمية وعراقية في الأمد المنظور، نتيجةً لقتل الزرقاوي.. جميعها تنطلق من فرضية: استراتيجية النيل من رمز مهم من رموز الإرهاب في العراق، مثل أبي مصعب الزرقاوي. ولكن جميع هذه «السيناريوهات» تعتمد على قراءة خاطئة لأهمية ومكانة الزرقاوي، في ما يحدث من عدم استقرار في العراق.. وفي الخلط بين حركتين مختلفتين للعنف، هما: الإرهاب والمقاومة.
في الأمد القصير، قد تحدث ربكة في مؤسسات وآليات و «تكتيكات» الإرهاب، الذي كان يمثله الزرقاوي. هذا يعتمد على من قضى مع الزرقاوي في تلك الغارة الأمريكية التي أودت بحياته، وحياة سبعة من رفاقه، إذا كان من قضى مع الزرقاوي، في تلك الغارة، من قادة ورموز تنظيم القاعدة الكِبار، فإن هذه ستكون خسارة كبيرة للتنظيم، ولكن زمن الغارة.. وطبيعة الإجراءات الأمنية التي عادةً ما تتخذها قيادات التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة، تجعلنا نشكك في أن من قضى مع الزرقاوي في تلك الغارة، من رموز التنظيم الكِبار. وإن كان هذا هو الحال، سرعان ما يرتب التنظيم صفوفه من جديد، ليعاود نشاطه، قريباً. على أي حال، مهما كان الوضع، فإن من المتوقع أن تعلن القاعدة عن خليفة جديد للزرقاوي... بل وتسارع ـ قريبا ً ـ إلى عمل كبير، في حجم خسارة الزرقاوي، لتثبت أن التنظيم متماسك.
هناك احتمال أن تعلن القاعدة عن خليفة الزرقاوي.. واحتمال كبير، أن تكون هذه الشخصية عراقية. على أي حال فإن مقتل الزرقاوي مهما كانت طبيعة وهوية ومستوى خليفته، إلا أنها، بلا شك، ستغيب و «تكتيك» الزرقاوي المثير للجدل... والذي خلط، بين المقاومة المشروعة للاحتلال.. والإرهاب. غياب الزرقاوي، سيكون عنصراُ إيجابياً، ليس من قبل من يحتفلون اليوم بانتصارهم في النيل منه.. ولكن أيضاً، لاولئك، الذي يقودنا تحليلنا في الأمد القصير، لنعدهم من المتضررين لغياب الزرقاوي، بالرغم من عدم وجود رابطة بين عملهم وإرهابه.. وأهدافهم السياسية وأهدافه. إذا ما قرأت الحكومة العراقية خطأً إنجاز غياب الزرقاوي، فإنها ستندفع تجاه التنكر لمطالب المعارضة العراقية، وخاصة العرب السنة، الذين لهم موقف من الاحتلال يختلف عن موقف الحكومة العراقية ومعظم الكتل السياسية المشاركة لها في الحكم. غياب الزرقاوي، سيمثل فرصة ذهبية للمقاومة العراقية في أن تعبر عن نبل مقاومتها للاحتلال الذي كان مع وجود الزرقاوي عادةً ما يتم الخلط بينه وبين الأعمال الإرهابية التي كان يقوم بها تنظيم القاعدة في أرض الرافدين. إذا كان هناك، بالفعل، أثرٌ مباشر على تنظيم القاعدة في العراق بغياب الزرقاوي، سوف نلاحظ اختلافاً نوعياً في حركة العنف على المسرح العراقي، تقوم به المقاومة العراقية، يتجنب استهداف العراقيين، ويصب جام غضبه على القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها من ما يسمى بقوات التحالف... مع استهداف بعض عناصر الحكومة العراقية، دون التعرض لكل مَنْ يعمل في أجهزة الأمن.
في النهاية كان من الأفضل القبض من الزرقاوي، بدلاً من قتله. بقتل الزرقاوي، أهدر الأمريكيون كنزاً من المعلومات، ليس على مستوى تنظيم القاعدة في العراق، بل على مستوى تنظيم القاعدة في العالم. إذا كان صحيحاً أنه قضى مع الزرقاوي ستة أو سبعة أشخاص، ألم يكن من الأجدى القبض عليهم،..!؟ ترى أين تقع مصلحة الأمريكيين، هنا: في القبض عليه أم قتله..!؟ نشك في أن الأمريكيين تعمدوا قتله، لأن ذلك يصب في استراتيجيتهم البعيدة المدى،
في النهاية، لنا أن نتساءل: هل من مصلحة الأمريكيين القضاء على الإرهاب..!؟ لا نعتقد ذلك لأن عداوة الإرهاب لابد أن تكون متقدة فهي بمثابة الوقود الذي يدفع آلة حربهم الجهنمية للسيطرة على العالم... فإذا أعلنوا انتصارهم على الإرهاب، فإن ذلك بمثابة النهاية لتطلعاتهم للهيمنة على العالم. الإرهاب ربما يظل يهدد أمن وسلام البشرية، ليس لأن الإرهاب يتمتع بقوىً خارقة.. ولكن، لأنه ضرورة لازمة لفرض هيمنة أمريكا على العالم.
أمريكا لا تريد أن تكرر خطأ الحرب الكونية الثانية، عندما أعلنت استسلام اليابان وألمانيا، ليقتسم العالم معها عدوٌ جديد ( الاتحاد السوفيتي ). الولايات المتحدة تريد أن تفرض هيمنتها على العالم برعب الإرهاب... ومن هنا ليس من مصلحتها أن تهزمه. إذا غاب الزرقاوي، فهناك من يخلفه.. وإذا غاب بن لادن فهناك من يخلفه. خاصة اذا كانت أمريكا تنظر الى ان مصلحتها في أن يظل الإرهاب حياً... ببقاء الإرهاب، بقاء مبرراً طموحها للهيمنة على العالم.
في النهاية: هل من فرق كبير بين الإرهاب وأمريكا.
رئيس الوزراء العراقي حاول أن يُجير الحدث لعهده، وإن كان الدور الذي لعبته أجهزة الأمن العراقية، في إنجاز المهمة، يتوارى أمام الدور الذي قامت به القوات الأمريكية... بل وتلك التي قامت به أجهزة استخبارات أجنبية تعمل في العراق، لأسباب تختلف عن تلك التي يمكن أن تدفع الحكومة العراقية للقضاء على الزرقاوي. الأردنيون كانت لهم أهدافهم الخاصة، لأجندة خاصة بهم، تدفع للنيل من الزرقاوي، ليستفيد من الإنجاز، العراقيون، وبالذات حكومة رئيس الوزراء جواد المالكي.
الزرقاوي، كان يمثل ظاهرة أممية للإرهاب تعمل في مسرح عمليات خارج موطنها الأصلي... وهذا ينطبق، بصورة أكثر وضوحاً، على تنظيم «القاعدة»، الذي لا يعترف بحدود سيادية ينحصر نشاطه داخلها، وينظر إلى حركته الإرهابية من ناحية أممية عقيدته السياسية، التي تجعل من العالم بأسره، مسرحاً لعنف إرهابه. هذا من شأنه، على المسرح العراقي الأمني، أن يضع فاصلاً سياسياً وحركياً بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال. الزرقاوي وتنظيم «القاعدة» بصورة عامة كانت عقيدته الإرهابية تقوم على هدف سياسي محدد: محاربة المشروع الأمريكي في العراق، من خلال ليس فقط مقاومة ذلك الوجود، بل وإفشال مشروعه السياسي في ما يسمى: إعادة إعمار العراق سياسياً.
لذلك كان تنظيم الزرقاوي يعتمد على استراتيجية تكريس عدم الاستقرار على الساحة العراقية، ولو قاد الأمر إلى المجازفة بنشوب حرب أهلية. تنظيم الزرقاوي في العراق، كان يعمل على تناقضات الوضع الطائفي في العراق.. كان تنظيم الزرقاوي، يحارب الشيعة، بزعم أنهم «روافض».. ويحارب الأكراد بدعوى عمالتهم للأمريكيين.. ويحارب بعض العرب السنة، بدعوى ضعفهم... وأهم من كل ذلك يحارب كل من يتعاون من العراقيين. لذا نرى تنظيم «القاعدة» في أرض الرافدين، لا يتردد من مهاجمة العراقيين، حتى يتحقق هدفه السياسي في إفشال مشروع إعادة إعمار العراق سياسياً، الذي يتبناه الأمريكيون.
لا شك أن مقتل الزرقاوي سيمثل مادة سياسية ودعائية للإدارة الأمريكية لدعم جهودها في مكافحة ما تسميه الإرهاب. أخيراً، سوف يتباهى الرئيس الأمريكي وإدارته، بأن استراتيجيتهم في الحرب على الإرهاب، تحقق نجاحات وانتصارات متوالية... وهذا، إلى حد ما، سوف يرفع عن كاهلهم، إلى أجل، الضغط الداخلي والدولي ضد استراتيجية التوسع القتالية. سوف يتباهى الرئيس الأمريكي بتأكيد فرضيته القائلة: بأن رموز الإرهاب بإمكانهم أن يهربوا، ولكن ليس بإمكانهم أن يظلوا هاربين طويلاً... سرعان ما تتصيدهم أعين الـ ( سي أي إيه ).. وتطالهم يد أمريكا الطويلة.!!؟
عراقياً: لا شك أن هذا الإنجاز، سيدعم حكومة الرئيس جواد المالكي.. ويشدد من قبضة الائتلاف العراقي الموحد، في مواجهة القوى العراقية الأخرى، التي تتشكل منها المعارضة للحكومة، وخاصة تلك التي تمثل العرب السنة. ربما هذا يقود الحكومة العراقية، إلى المضي في مشروع الفيدرالية إلى حدود المجازفة بوحدة العراق.. وسوف يقود تشديد قبضة الحكومة العراقية على المناوئين والمعارضين، وخاصة في بين العرب السنة، بحجة تعقب فلول تنظيم القاعدة، بهدف القضاء على قوى مقاومة الاحتلال، بدعوى أنها قوى إرهابية. وإذا ما اعتبرنا أن الزرقاوي كان يمثل دعماً غير مباشرٍ لقضايا العرب السنة في العراق، وهذا غير صحيح على إطلاقه، فإن مقتل الزرقاوي ربما يقود إلى إمعان الحكومة العراقية في عدم التجاوب مع مطالب العرب السنة... مما يشجع المليشيات الخاصة بالتكتلات الحزبية الأخرى على مهاجمة العرب السنة.. والمضي في سياسة التطهير العِرقي، تمهيداً لفرض الفيدرالية.
وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار علاقة الحكومة العراقية الجديدة بإيران، الذي اعتبرها مرشد الثورة في خطاب له منذ أيام، نكسة للأمريكيين، نستطيع أن نتلمس مدى الارتياح الذي يسود إيران بإعلان مقتل الزرقاوي. إيران، مثل حكومة السيد المالكي، سوف تنظر للحدث من زاوية اقترابهم من تحقيق أهدافهم السياسية، في مستقبل العراق. إذا ما فسرت الحكومة العراقية: غياب الزرقاوي خطأ، على أنه اقتراب نحو تحقيق الفيدرالية، وبالتالي الاقتراب أكثر من إيران.. والابتعاد عن خلفية العراق العربية، فإن هذا من شأنه أن تمعن الحكومة العراقية في تجاهل مطالب العرب السنة في الحفاظ على وحدة العراق.. ومواصلة العمل على مشروع فصل الجنوب عن العراق، ليلتقي مع أحلام طهران في التوسع جنوب العراق، لتحقق إيران ـ في النهاية ـ أهم أهدافها التوسعية، التي أعلنتها عقب قيام الثورة... هذه المرة ليس بالحرب، كما حدث في فترة حرب الخليج الأولى، ولكن بفعل تطور سياسي حدث في العراق ساهم في خلقه ( الشيطان الأكبر )...!؟
«سيناريوهات» مختلفة متوقعٌ تطورها، من قبل عناصر وقوىً دولية وإقليمية وعراقية في الأمد المنظور، نتيجةً لقتل الزرقاوي.. جميعها تنطلق من فرضية: استراتيجية النيل من رمز مهم من رموز الإرهاب في العراق، مثل أبي مصعب الزرقاوي. ولكن جميع هذه «السيناريوهات» تعتمد على قراءة خاطئة لأهمية ومكانة الزرقاوي، في ما يحدث من عدم استقرار في العراق.. وفي الخلط بين حركتين مختلفتين للعنف، هما: الإرهاب والمقاومة.
في الأمد القصير، قد تحدث ربكة في مؤسسات وآليات و «تكتيكات» الإرهاب، الذي كان يمثله الزرقاوي. هذا يعتمد على من قضى مع الزرقاوي في تلك الغارة الأمريكية التي أودت بحياته، وحياة سبعة من رفاقه، إذا كان من قضى مع الزرقاوي، في تلك الغارة، من قادة ورموز تنظيم القاعدة الكِبار، فإن هذه ستكون خسارة كبيرة للتنظيم، ولكن زمن الغارة.. وطبيعة الإجراءات الأمنية التي عادةً ما تتخذها قيادات التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة، تجعلنا نشكك في أن من قضى مع الزرقاوي في تلك الغارة، من رموز التنظيم الكِبار. وإن كان هذا هو الحال، سرعان ما يرتب التنظيم صفوفه من جديد، ليعاود نشاطه، قريباً. على أي حال، مهما كان الوضع، فإن من المتوقع أن تعلن القاعدة عن خليفة جديد للزرقاوي... بل وتسارع ـ قريبا ً ـ إلى عمل كبير، في حجم خسارة الزرقاوي، لتثبت أن التنظيم متماسك.
هناك احتمال أن تعلن القاعدة عن خليفة الزرقاوي.. واحتمال كبير، أن تكون هذه الشخصية عراقية. على أي حال فإن مقتل الزرقاوي مهما كانت طبيعة وهوية ومستوى خليفته، إلا أنها، بلا شك، ستغيب و «تكتيك» الزرقاوي المثير للجدل... والذي خلط، بين المقاومة المشروعة للاحتلال.. والإرهاب. غياب الزرقاوي، سيكون عنصراُ إيجابياً، ليس من قبل من يحتفلون اليوم بانتصارهم في النيل منه.. ولكن أيضاً، لاولئك، الذي يقودنا تحليلنا في الأمد القصير، لنعدهم من المتضررين لغياب الزرقاوي، بالرغم من عدم وجود رابطة بين عملهم وإرهابه.. وأهدافهم السياسية وأهدافه. إذا ما قرأت الحكومة العراقية خطأً إنجاز غياب الزرقاوي، فإنها ستندفع تجاه التنكر لمطالب المعارضة العراقية، وخاصة العرب السنة، الذين لهم موقف من الاحتلال يختلف عن موقف الحكومة العراقية ومعظم الكتل السياسية المشاركة لها في الحكم. غياب الزرقاوي، سيمثل فرصة ذهبية للمقاومة العراقية في أن تعبر عن نبل مقاومتها للاحتلال الذي كان مع وجود الزرقاوي عادةً ما يتم الخلط بينه وبين الأعمال الإرهابية التي كان يقوم بها تنظيم القاعدة في أرض الرافدين. إذا كان هناك، بالفعل، أثرٌ مباشر على تنظيم القاعدة في العراق بغياب الزرقاوي، سوف نلاحظ اختلافاً نوعياً في حركة العنف على المسرح العراقي، تقوم به المقاومة العراقية، يتجنب استهداف العراقيين، ويصب جام غضبه على القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها من ما يسمى بقوات التحالف... مع استهداف بعض عناصر الحكومة العراقية، دون التعرض لكل مَنْ يعمل في أجهزة الأمن.
في النهاية كان من الأفضل القبض من الزرقاوي، بدلاً من قتله. بقتل الزرقاوي، أهدر الأمريكيون كنزاً من المعلومات، ليس على مستوى تنظيم القاعدة في العراق، بل على مستوى تنظيم القاعدة في العالم. إذا كان صحيحاً أنه قضى مع الزرقاوي ستة أو سبعة أشخاص، ألم يكن من الأجدى القبض عليهم،..!؟ ترى أين تقع مصلحة الأمريكيين، هنا: في القبض عليه أم قتله..!؟ نشك في أن الأمريكيين تعمدوا قتله، لأن ذلك يصب في استراتيجيتهم البعيدة المدى،
في النهاية، لنا أن نتساءل: هل من مصلحة الأمريكيين القضاء على الإرهاب..!؟ لا نعتقد ذلك لأن عداوة الإرهاب لابد أن تكون متقدة فهي بمثابة الوقود الذي يدفع آلة حربهم الجهنمية للسيطرة على العالم... فإذا أعلنوا انتصارهم على الإرهاب، فإن ذلك بمثابة النهاية لتطلعاتهم للهيمنة على العالم. الإرهاب ربما يظل يهدد أمن وسلام البشرية، ليس لأن الإرهاب يتمتع بقوىً خارقة.. ولكن، لأنه ضرورة لازمة لفرض هيمنة أمريكا على العالم.
أمريكا لا تريد أن تكرر خطأ الحرب الكونية الثانية، عندما أعلنت استسلام اليابان وألمانيا، ليقتسم العالم معها عدوٌ جديد ( الاتحاد السوفيتي ). الولايات المتحدة تريد أن تفرض هيمنتها على العالم برعب الإرهاب... ومن هنا ليس من مصلحتها أن تهزمه. إذا غاب الزرقاوي، فهناك من يخلفه.. وإذا غاب بن لادن فهناك من يخلفه. خاصة اذا كانت أمريكا تنظر الى ان مصلحتها في أن يظل الإرهاب حياً... ببقاء الإرهاب، بقاء مبرراً طموحها للهيمنة على العالم.
في النهاية: هل من فرق كبير بين الإرهاب وأمريكا.