-A +A
عبدالله صالح حبابي
الكتاب الذي تفضل الأستاذ الدبلوماسي المهنة الشاعر بالسليقة والطبيعة بإهدائي إياه عن الشاعر بالطبع والهوية بعنوان «حمزة شحاتة أيام معه» عن حقبة من عمره هي قصيرة في مداها ولكنها سخية في معانيها ووجدانياتها وكشف فيه جوانب خفية على كثير من الأجيال المعاصرة والراحلة لشاعر وأديب وشخصية في حجم وهامة الأستاذ حمزة شحاتة الذي رحل عن عالمنا في وقت نحن أحوج فيه إلى مثل هذه الشخصية علماً وأدباً وشعراً وفكراً متشعباً ومتنوعاً في مراميه ومداركه ومعانيه وأبعاده الفلسفية مما يضعه بأحقية في صف كبار الشعراء والمفكرين العالميين وليس فقط في صف الذين ينتمي لهويتهم ولغتهم.. هو مفكر عالمي النزعة، ويصل إلى صفوف أولئك المفكرين الذين اجتازوا حدود المحلية أياً كانت قدراتهم الفكرية والفلسفية وتأثر بحرقته ومعاناته من الحرمان الأسري واهتزازاته الصحية المزمنة والغائرة وما لقيه من قسوة الوحدة وحرمانه من الشعور الاستقراري والروحاني الذي يصادف هوى شاعر في مثل سنه ومرحلة عمره ونقاء سريرته وصفاء نفسه خاصة وهو يواجه أصعب مراحل عمره صحة وسناً، ولم يفقده ذلك رموز أستاذيته ورجولته وعمق فكره.
وكما أوضح أستاذ الرومانسية المعلم السيد عبدالله عبدالرحمن الجفري «إن الشاعر الفارس حمزة شحاتة لم يكن شاعراً عادياً ولا ناثراً مكرراً في مدرسة النثر بل كان مجدداً حقاً» وأي مجدد كان في وقت تكالبت عليه القسوة فقد كان سيئ الحظ في صداقاته مع أصفيائه ومحبيه من رموز الأدب في عصره وكانت صحته معتلة وفي وضع لا يلائم ما وصلت إليه من تعثر خاصة في نظره وتدهور سنين العمر وتعثر نفسي وروحاني بسبب كل ذلك، وكما قال الأستاذ الجفري (إن حمزة شحاتة كان شاعراً يولد الهزة في إنسانه القابع في أعماقه وفي قارئ شعره وكأنه ذلك الصامت/ الجارح). وقد أورد الأستاذ باخطمة ثلاثة مواقف انسابت دموع الأستاذ حمزة شحاتة فيها هي دموع الرجال والمواقف الإنسانية: الأول عندما اصطحبه إلى قصر القبة للسلام على الملك فيصل في حضور الرئيس عبدالناصر، وبعد السلام عليهما كانت كل الأماكن مشغولة بالحضور وكان السيد عمر السقاف يلمح هذا الموقف وصعوبة حصول الشاعر الكبير على مكان له فما كان منه إلا أن ينسحب إلى الخلف تاركاً مكانه في الصدارة للشاعر الكبير وهنا دمعت عيناه لهذا الموقف الشهم وردد (هؤلاء الرجال يعرفون كيف يطوقون المنن أعناق الرجال) لقد تنحى السيد عمر السقاف عن مكانه لرجل وأستاذ ورائد. أما المرة الثانية التي رآه الأستاذ باخطمة يرسل دمعته من عينيه لدى زيارة الشيخ حسن آل الشيخ لداره المتواخية في القاهرة فجأة لتسوية حقوق عند إدارة البعثات السعودية وردد مقولته (هؤلاء الرجال يعرفون كيف يطوقون المنن أعناق الرجال) وازداد على إثر ذلك تواصلهما هاتفياً وكتابة. أما المرة الثالثة فلدى تلقيه أمانة كان عليه دفعها لمحامٍ في قضية، وكانت هذه الأمانة من الشيخ محمد سرور الصبان الذي علم بمسار القضية لغير صالح الشاعر وما يجب عليه دفعه وردد مقولته (هؤلاء الرجال يعرفون كيف يقلدون المنن أعناق الرجال) والشيخ الصبان برجولته من نوادر هذا البلد الذين يقدرون الرجال ومكانتهم وذخائرهم وأوقات احتياجاتهم ويقدم عونه ومساعدته لهم في هدوء وتخفٍّ وكان من وجهاء البلاد ونجومهم الاجتماعية اللامعة وكان أديباً بارزاً ومشجعاً للأدباء بصدق ومصداقية، إضافة إلى منصبه الحكومي الرفيع المستوى. وللحديث عن الأستاذ المفكر والشاعر والإنسان حمزة شحاتة بقية، والأستاذ باخطمة يطرز كتاباته دبلوماسية شيقة إضافة إلى مبناها العلمي والفكري. والكتاب على صغر حجمه إلا أنه غني بالمواقف الدولية والإنسانية لهذا العملاق في كل خطوة من خطاه والشكر للأستاذ باخطمة على جرأته الدبلوماسية الغنية عن هذا العملاق السعودي.


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة