-A +A
خالد الشلاحي ـ المدينة المنورة تصوير: عبدالمجيد الدويني
في الحلقة الماضية تحدثنا عن غياب دور الجهات الخيرية في قرى المهد وكيف أن أحد كبار السن لم يطرق بابه طوال ثلاثين عاما أي من مندوبي الجمعيات الخيرية أو الضمان الاجتماعي.. واليوم نضع اليد على معاناة أكثر من 80 ألفا من سكان قرى المهد مع شح المياه الذي أجبر سكان معظم قرية الضميرية على الرحيل، فيما حول الجفاف عشرات المزارع وأشجار النخيل إلى لون الصحراء بسبب ندرة المطر ونضوب الآبار.. وإذا كانت مهمة البحث عن الماء من المهام الصعبة لدى الأهالي في ظل موجة الجفاف التي تجتاح قرى محافظة مهد الذهب تظل الضميرية التي يسكنها خمسة آلاف أسرة الأشد تأثرا من أزمة نقص المياه نسبة إلى عدد سكانها الذي يفوق القرى الأخرى المجاورة لها. ليس صعبا وأنت تزور لأول مرة الضميرية -التي تقع على بعد 100 كلم شرق المدينة المنورة- أن ترى دلائل ومؤشرات هذا الجفاف ، فعشرات البيوت الشعبية هجرها سكانها وتحولت عشرات المزارع إلى أراض قاحلة إضافة إلى تلف الآلاف من أشجار النخيل والمحاصيل الأخرى.
يقول المتضررون: الضميرية تحولت في أقل من خمس سنوات إلى بقايا قرية فقد تبدلت فيها أحوال أكثر من أربعين مزرعة كانت عامرة بالخضرة والثمار قبل سنوات إلى مقابر لأشجار النخيل، وأصبحت القرية تعيش على الهامش وسكانها يعانون نقصا حادا في المياه حيث يلجأون إلى أماكن بعيدة لجلب المياه، ويصف نهار راضي الحربي الوضع بقوله: ليس أدل على النقص الحاد في مياه الشرب من هجرة الكثير من السكان خلال السنوات الخمس الماضية إلى أماكن غير معلومة فمنهم من يتجه إلى المدن وآخرون يلجأون إلى قرى تتوفر فيها المياه.

ويقول الحربي: نعاني كثيرا في الحصول على المياه العذبة فقد تحولت إلى مياه مالحة لاختلاطها بمياه آبار مالحة ومياه جوفية في باطن الأرض، وبالتالي هجرها السكان لأنها لم تعد صالحة للشرب، وقد أدى النقص الحاد في مصادر المياه إلى شلل تام في الإنتاج الزراعي وموت مزارع النخيل والأشجار والأعشاب والنباتات الأخرى في محيط القرية ..
فيما يقول عالي عواض: السكان يعتمدون على المياه بشكل أساسي في ري المزارع وسقيا الحيوانات ولكن مع نقصها تحولت المزارع إلى أراض بور، ولك أن تشاهد مواسير المياه داخل العديد من المزارع كيف تأثرت من الصدأ، كما أن العديد من آبار المياه داخل المزارع قام أصحابها بتغطيتها بالأحجار الكبيرة والأخشاب بعد نضوبها لكي لا تسقط فيها الحيوانات والإبل العطشى في رحلة بحثها عن الماء في محيط القرية.
وأضاف عالي: السكان بذلوا كل مالديهم في السابق من أجل استصلاح مزارعهم وحفر الآبار وتسوير المزارع ولكن عصب الحياة أصبح من الصعب الحصول عليه، ما جعل كافة معالم الحياة في القرية مهددة بالموت عطشا مالم يتم تدارك الأزمة بشكل عاجل ، مشيرا إلى أن آبار المياه العذبة في وادي الحجرية غالبا ما تزدحم بالسكان الذين يفدون إليها من عدة قرى مجاورة وتتحول مشاهد البحث عن الماء في الصباح الباكر إلى مشادات ومشاحنات بين السكان أحيانا بين من يريدون تعبئة بضعة جالونات أو الأشرعة بالمياه ومن يريد تعبئة سيارة كبيرة دينا أو وايت صغير بالمياه.. ويتابع : أحلامنا بسيطة ولكنها مسألة حياة أو موت وتتمثل في توفير مصادر المياه العذبة وحل أزمة نقص المياه في القرية التي أصبح مصير أكثر من 800 أسرة فيها معلقا بتوفير مياه الشرب.
انقطاع الكهرباء
وعن الكهرباء يقول عامر المطيري: إن معاناة السكان من انقطاع الكهرباء في القرية لاتقل حدة وخنقة عن أزمة نقص المياه حيث لا يكاد يمضي يوم أو يومان إلا وتنقطع الكهرباء عن البيوت والمحلات التجارية في القرية ، ويواصل: ولم يكد يفرح الأهالي بوداع مواتير الكهرباء التي تعمل بالديزل حتى بدأت معاناة السكان مع الانقطاعات المتوالية للكهرباء وعندما تتم مخاطبة قسم الطوارئ في فرع الشركة بالمدينة المنورة لانجد إجابة بشكل فوري وعندما تتكرر الاتصالات والشكاوى يتم إيفاد فرقة الطوارئ لإصلاح الأعطال بعد عدة ساعات من انقطاع التيار بعد تلف البضائع في المحال التجارية، وتحمل مئات الأسر تداعيات ونتائج انقطاع التيار، وأضاف : في إحدى حالات انقطاع الكهرباء تلفت كميات كبيرة من اللحوم والخضار في مستودع الضميرية الخيري الذي تعول عليه عشرات الأسر الفقيرة داخل القرية، فمن يتحمل هذه الخسائر؟.. وقد تمت مخاطبة مركز القرية الذي يبذل جهودا في إيصال شكوانا للجهات المعنية لكن دون أي حلول تذكر.. متسائلا عن السبب وراء هذه الانقطاعات هل يكون أشخاص مجهولون يتعمدون قطع التيار أم أن زيادة الأحمال تسبب عطلا في المولدات في القرية.
جهود ذاتية لإطفاء الحرائق
ويطالب سكان الضميرية بمركز للدفاع المدني مشيرين إلى أن عمليات إطفاء الحرائق تتم «بالفزعة» والجهود الذاتية، ولفت نهار الحربي إلى أن بعض أصحاب المزارع يشعلون النيران في أشجار النخيل التالفة والأجزاء المتساقطة من الأشجار فتندلع الحرائق ويعجز صاحب المزرعة والعمال عن إخمادها وبالتالي تنتقل النيران بسرعة بسبب الهواء إلى نواح أخرى ، لتبدأ بعدها معاناة توفير المياه من كل بيت في القرية من أجل إخماد النيران.
مركز صحي بحاجة للعلاج
وبالقرب من مدخل القرية يوجد مبنى متهالك يتألف من ثلاث غرف وشباك صغير تم اتخاذه مقرا لمركز صحي الضميرية ، وبجواره تقف سيارة إسعاف تتم الاستعانة بها في الحالات الحرجة، ولا يوجد في المركز سوى طبيبين وممرض وممرضة للإشراف على الحالات الصحية العادية أما معاناة السكان مع الحالات الطارئة فيحكيها محمد الجابري قائلا: كثيرا ما تحدث حالات مرضية يتعذر على الكادر الطبي في مركز صحي الضميرية علاجها، من بينها العمليات الجراحية الطارئة التي تنتج عن حوادث السير في القرية أو على الطريق السريع (المدينة ـ المهد) من كسور أو حالات فقدان للوعي، كما يفتقد المركز لجهاز إنعاش القلب وأجهزة ضرورية أخرى فضلا عن اضطرار الأهالي للانتقال إلى المدينة المنورة لصرف أو شراء أدوية لا تتجاوز أسعارها بضعة ريالات لاتتوفر في بعض الأحيان في صيدلية المركز الصحي المتهالك ، كما أن هناك مرضى الكلى في القرية يضطرون للتنقل باستمرار بين الضميرية ومركز علاج الكلى بالمدينة المنورة بمسافة تزيد عن 100 كلم على سيارات متهالكة عبر طرقات صحراوية وصولا للخط السريع ما يزيد من آلامهم ومعاناتهم ، وتستمر معاناة هؤلاء المرضى ممن لم يستطيعوا الإقامة والسكن في المدينة المنورة ، في الوقت الذي يمكن حل معاناتهم بتوفير جهاز غسيل كلوي في المركز الصحي.