نشأ النظام الاقتصادي العالمي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية وكان للدول المنتصرة في الحرب, خاصةً أمريكا وبريطانيا, دور كبير في بلورة الفلسفة الاقتصادية والمبادئ والأسس التي ينبغي للنظام الجديد أن يقوم عليها, وتم خلق المؤسسات العالمية التي يمكن لها أن تعزز من عمل واستقرر النظام. وكان الخلاف عميقاً بين بريطانيا وأمريكا خلال المناقشات التي تمت في بريتون وودز حول ماهية النظام النقدي الذي يجب أن يقام, وتم التوصل إلى حل وسط حول نظام سعر صرف ثابت, لكن يمكن تعديل سعر صرف العملة في إطار ضيق وتحت إشراف دولي. وكان الهدف من ذلك منع الدول من التلاعب بأسعار الصرف لصالحها مما قد يسفر عن عدم استقرار النظام النقدي والتأثير أيضاً على تدفقات التجارة الدولية لمصالح قومية ضيقة من خلال تخفيض العملة أو اتباع سياسات حمائية. كان الجميع مستفيداً من هذا النظام وكانت أمريكا قادرة على تحمل أعباء القيادة العالمية والتدخل عند الحاجة لأن الاقتصاد الأمريكي كان يمثل نحو 40 بالمئة من الاقتصاد العالمي آنذاك, وكان إعمار أوروبا من خلال خطة مارشال (وزير الخارجية الأمريكية) والبنك الدولي مهماً لدعم النمو الاقتصادي العالمي ومنع انتشار الشيوعية. لكن تبعات القيادة دائما جسيمة؛ وحاول الجميع الاستفادة من الحماس الأمريكي للقيادة والتضحية الاقتصادية باتباع سياسات قومية في بعض الأحيان أدت إلى التركيز على بناء الاقتصادات الوطنية في وجه المنافسة العالمية, والحصول على دعم مالي من أمريكا التي وجدت نفسها بدءاً من 1959م تعاني من عجز في ميزانها التجاري وحساب رأس المال أيضاً. أي أنها فائضها التجاري وأيضاً المالي بدأ يتآكل تدريجياً لكنها لأهداف سياسية وقيادية كانت تتحمل ذلك في ظل اشتعال الحرب الباردة والرغبة في حماية النظام الرأسمالي. في عام 1971 اضطر الرئيس نيكسون لإلغاء نظام سعر الصرف الثابت وتعويمه نتيجة التضخم الذي أصاب الدولار وتآكل احتياطيات أمريكا من الذهب ورفض الدول الأخرى, مثل المانيا, الوقوف إلى جانب أمريكا لتخفيف العبء على الدولار الذي زادت كمياته في الخارج وما يقابل ذلك من التزام أمريكي تحت قاعدة الصرف الثابت من تحويل الدولار إلى الذهب عند رغبة الدول الأخرى. إجراء الرئيس نيكسون هذا دق إسفيناً في نعش النظام الاقتصادي العالمي وكان بمثابة شهادة الوفاة لنظام بريتون وودز الذي اعتبر في حكم العدم عام 1973.
منذ ذلك الحين والاقتصاد العالمي يقوم على سعر الصرف المعوم/المرن ويعتمد على «قيادة جماعية غير محكمة» تحت مظلة إشراف أمريكي. لكن تزايد دور القوى الاقتصادي الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية جعل الثروة تتوزع حول العالم بشكل نسبي وبدأت هذه القوى الاقتصادية الناشئة تصبح قاطرة النمو الاقتصادي العالمي, وشكلت نسبة كبيرة من التعاملات الاقتصادية العالمية, مع هذا لايزال دورها في صياغة الأطر والأنظمة الاقتصادية العالمية ضعيفا, وحاولت أمريكا فرض وجهة نظرها حول عولمة الاقتصاد العالمي مستغلةً بذلك قوتها الاقتصادية والعسكرية منذ نهاية الحرب الباردة. وكان تركيزها على كيفية زيادة النمو والاستثمار وترك السوق يعمل وفقاً لمنطقة الخاص دون تدخل الدولة, وزاد جشع المؤسسات المالية وتلاعبت في دخول المواطنين من خلال قروض عالية المخاطرة ورقابة مالية مركزية شبه معدومة, مما أدى في ظل عدم استقرار سياسي عالمي وإنفاق حربي ضخم إلى مشاكل مالية ما لبثت أن انتقلت إلى الدول التي كان لها استثمارات ضخمة في السوق المالية الأمريكية المتأزمة.
قمة العشرين يجب أن لا تقتصر على مناقشة كيفية الخروج من الأزمة وتقديم الدعم المالي المطلوب لحفز النمو الاقتصادي العالمي, لكن أيضا محاولة المشاركة في وضع رؤية اقتصادية حول ما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي العالمي في المستقبل. ونقطة البداية تكون بإعادة صياغة ميثاق المؤسسات الدولية القائمة وأهمها صندوق النقد الدولي لتعكس فلسفة جماعية بعيدة عن الفلسفة الليبرالية المطلقة والتأثير الأمريكي الواضح, ووضع قواعد جديدة للنظام المالي العالمي أكثر صرامةً, لأنه يرتبط باستقراره استقرار الاقتصاد العالمي بشكل كبير. الأزمات العالمية هي فرص تاريخية لتقييم التجارب والانطلاق مجدداً, وإذا لم تستغلها القوى الاقتصادية الناشئة فإنها قد تضطر للانتظار طويلاً حتى تكون طرفاً فاعلاً في صياغة النظام الاقتصادي العالمي, خاصةً أن بعض الدول الأوروبية هي الأخرى ترى أهمية قراءة جديدة للنظام الاقتصادي العالمي.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة
منذ ذلك الحين والاقتصاد العالمي يقوم على سعر الصرف المعوم/المرن ويعتمد على «قيادة جماعية غير محكمة» تحت مظلة إشراف أمريكي. لكن تزايد دور القوى الاقتصادي الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية جعل الثروة تتوزع حول العالم بشكل نسبي وبدأت هذه القوى الاقتصادية الناشئة تصبح قاطرة النمو الاقتصادي العالمي, وشكلت نسبة كبيرة من التعاملات الاقتصادية العالمية, مع هذا لايزال دورها في صياغة الأطر والأنظمة الاقتصادية العالمية ضعيفا, وحاولت أمريكا فرض وجهة نظرها حول عولمة الاقتصاد العالمي مستغلةً بذلك قوتها الاقتصادية والعسكرية منذ نهاية الحرب الباردة. وكان تركيزها على كيفية زيادة النمو والاستثمار وترك السوق يعمل وفقاً لمنطقة الخاص دون تدخل الدولة, وزاد جشع المؤسسات المالية وتلاعبت في دخول المواطنين من خلال قروض عالية المخاطرة ورقابة مالية مركزية شبه معدومة, مما أدى في ظل عدم استقرار سياسي عالمي وإنفاق حربي ضخم إلى مشاكل مالية ما لبثت أن انتقلت إلى الدول التي كان لها استثمارات ضخمة في السوق المالية الأمريكية المتأزمة.
قمة العشرين يجب أن لا تقتصر على مناقشة كيفية الخروج من الأزمة وتقديم الدعم المالي المطلوب لحفز النمو الاقتصادي العالمي, لكن أيضا محاولة المشاركة في وضع رؤية اقتصادية حول ما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي العالمي في المستقبل. ونقطة البداية تكون بإعادة صياغة ميثاق المؤسسات الدولية القائمة وأهمها صندوق النقد الدولي لتعكس فلسفة جماعية بعيدة عن الفلسفة الليبرالية المطلقة والتأثير الأمريكي الواضح, ووضع قواعد جديدة للنظام المالي العالمي أكثر صرامةً, لأنه يرتبط باستقراره استقرار الاقتصاد العالمي بشكل كبير. الأزمات العالمية هي فرص تاريخية لتقييم التجارب والانطلاق مجدداً, وإذا لم تستغلها القوى الاقتصادية الناشئة فإنها قد تضطر للانتظار طويلاً حتى تكون طرفاً فاعلاً في صياغة النظام الاقتصادي العالمي, خاصةً أن بعض الدول الأوروبية هي الأخرى ترى أهمية قراءة جديدة للنظام الاقتصادي العالمي.
knhabbas@hotmail.com
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة