-A +A
صالح عبدالرحمن المانع
أثار احتجاز السفينة السعودية (سيروس ستار) بالقرب من الشواطئ الكينية، التي تحمل مليوني برميل من النفط تقدر قيمتها بحوالى مائة مليون دولار، اهتمام الكثيرين، خاصة أن هذا الاختطاف يأتي عقب تزايد عمليات القرصنة البحرية من قبل القراصنة الصوماليين، والذين كانوا يقومون بعملياتهم في الغالب في مدخل مضيق عدن، وطالت أذرعهم اليوم لتصل إلى أعالي البحار.
ويعود تاريخ القرصنة إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حين كانت جزر البحر المتوسط القاحلة تستخدم كقواعد للإغارة على سفن التجارة التي كانت تعبر ذلك البحر، ناقلة للسلع بين موانئه المختلفة.

ولم تقتصر هذه العمليات على اليونانيين بل شاركت فيها قبائل وأفراد ينتمون إلى حضارات مختلفة، منهم الفينقيون والرومان والعرب وغيرهم من الشعوب والقبائل التي كانت تسكن على ضفاف هذا البحر. وكان معظم الأفراد الذين يتم خطفهم يباعون كرقيق في أسواق الإمبراطورية الرومانية. ولعل أهم شخصية تم اختطافها في التاريخ القديم هو (يوليوس قيصر) الذي اختطف بينما كان مبحراً في بحر الإدرياتيك حوالى سنة 75 قبل الميلاد.
وتزخر كتب التاريخ والأدب بأساطير متعددة عن هذه الأعمال وربما كان من أهمها في الأدب العربي رواية الأديب اللبناني أمين معلوف، التي خلد فيها عملية خطف عالم عربي أندلسي(ليون الأفريقي) واسترقاقه وبيعه إلى البابا، الذي اتخذه ابنا له.
وتمثل الحالة الماثلة أمامنا في اختطاف السفن على الشواطئ الإفريقية الشرقية، حالات مشابهة، وإن كان ذلك بدرجة أقل في مضائق (ملقا) بالقرب من شواطئ سنغافورة واندونيسيا وماليزيا، حيث يقوم القراصنة منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، باحتجاز السفن وطلب فدية من أصحابها.
وتختلف الأعمال التي يقوم بها القراصنة ضد السفن التجارية باختلاف قوة هؤلاء القراصنة العسكرية، والضعف المقابل للحرس الموجود في بعض الأحيان على ظهور هذه السفن.
فبعض القراصنة يكتفي بالإغارة على هذه السفن وأخذ الأموال من خزائنها الزاخرة بالنقود، التي يحتفظ بها القبطان لدفع مرتبات العاملين عليها، أو دفعها كأجور رسوّ في الموانئ. وربما يغادر هؤلاء القراصنة ظهور هذه السفن بعد حصولهم على هذه الغنائم. ولكن في حالة السفينة السعودية والسفن المشابهة الأخرى فإن طمع القراصنة هو في الاستحواذ على السفينة بأكملها مع حمولتها، حتى يتمكنوا من تحصيل فدية مالية ضخمة من الشركة المالكة، أو المؤمّنة على السفينة. لذلك فقد شهدت الشهور القليلة الماضية زيادة في أجور التأمين على السفن التي تعبر باب المندب.
ويصعب السيطرة على حركة السفن في أعالي البحار لأن حجم التجارة العالمية المحمول على هذه السفن هو حجم ضخم، ناهيك عن أن السفن المعتدية لا تظهر على صورتها الحقيقية بل تبحر في عرض البحر بجانب سفينة أم، وتتظاهر للسفن والأساطيل البحرية في المنطقة على أنها سفينة صيد بريئة، ولكن ما إن ترى ضحيتها حتى تنطلق من جوارها قوارب سريعة مجهزة بأحدث الأسلحة وأسرعها للانقضاض على فريستها.
ويتساءل الكثيرون عن إجراءات لكبح جماح هذه الظاهرة المستفحلة، ولعل الإجابة تكمن في توجه السفن عبر ممرات بحرية آمنة تتقاسم حمايتها عدد من الأساطيل البحرية للدول الكبرى والصغيرة وتشارك فيها عدد من السفن السعودية والخليجية، والتي ستستفيد حتماً من تأمين تجارتها وصادراتها للعالم الخارجي.
وفي نظر هذا الكاتب، فإن مثل هذه الظاهرة ستستمر معنا لفترة من الزمن، وأن تقلص انتشارها. ومكمن الخطر يقبع في ترك المجتمع الدولي لدول مثل الصومال لتصبح دولة فاشلة، وعدم مساعدتها على تكوين دولة جديدة تؤمن العمل النافع لأبنائها، وتضمن الأمن في أراضيها، وبالقرب من شواطئها.
وبدون إيجاد حل حذري لمشكلة الدول الفاشلة فإن المجتمع الدولي سيعاني من إشكاليتين رئيسيتين هما الإرهاب وتصديره، والقرصنة في أعالي البحار.
للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة