-A +A
طالب بن محفوظ- المشاعر المقدسة
يشغل بال المرأة الراغبة في الحج أو العمرة عدة قضايا متعلقة بالإحرام ومحظوراته؛ سواء في لبس الثياب الملونة ولبس الحلي من الذهب والفضة، أو مس الطيب، أو تغطية الوجه أو عدمه.. الداعية د. عبدالله فدعق يؤصل في حديثه لـ”عكاظ” هذه المسائل ويوضح بعض هذه الإشكاليات التي تشغل بال المرأة المسلمة أثناء أداء حجها أو عمرتها من خلال النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، يوضح د. فدعق بداية عن محظورات الإحرام بالنسبة للمرأة المسلمة، وهل تختلف تلك المحظورات عن الرجل؟.. فأجاب قائلا:
يحظر على المحرمة لبس القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب (أي لبس الثياب المعطرة بالطيب)، والأصل في ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا، أو خزا أو حليا، أو سراويل، أو قميصا، أو خفا، وعن ابن عمر أيضا أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين. كما يباح للمحرمة أن تلبس الثياب المعصفرة؛ لأن العصفر لون وليس طيبا، وكانت عائشة رضي الله عنها تلبس مثل هذه الثياب، فقد جاء في صحيح البخاري: أن عائشة رضي الله عنها لبست الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت: لا نتلثم ولا نتبرقع ولا نلبس ثوبا بورس ولا زعفران. وروى البخاري أيضا: وقال جابر ـ رضي الله عنه: لا أرى العصفر طيبا. ولم تر عائشة بأسا بالحلي والثوب الأسود والمورد للمرأة المحرمة. وبناء على هذه الآثار، فقد أجمع الفقهاء على أن المحرمة تلبس المخيط، ومن المخيط ما ورد في حديث ابن عمر السابق، وفيه السراويل والقميص والخف، وهذه كلها مخيطة. وعلل الإمام الكاساني جواز لبس المخيط للمرأة المحرمة، بالإضافة إلى ورود هذا الجواز في الحديث الشريف، أن بدن المرأة عورة، وستر العورة بما ليس بمخيط متعذر فدعت الضرورة إلى لبس المخيط، سواء كان هذا المخيط حريرا أو غيره.

تغطية الوجه
* ماذا عن تغطية الوجه في الإحرام؟ وهل هناك اختلافات بين العلماء حول ذلك؟
يحرم على المرأة تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه في إحرامه، ولا خلاف في ذلك إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، والحجة لذلك الحديث النبوي الشريف: “المحرمة لا تتنقب ولا تلبس القفازين”، ولكن يجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس إلا بستر هذا الجزء من وجهها؛ لأنه اجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطية الوجه، ولا يمكن تغطية جميع الرأس إلا بتغطية جزء من الوجه، ولا شك أن تغطية جميع الرأس أولى، لأنه آكد؛ إذ هو عورة، ولا يختص تحريم كشفه بحالة الإحرام وكشف الوجه بخلافه.
* ومتى يجوز للمحرمة ـ إذن ـ تغطية الوجه؟
** يجوز للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها لتستتر به عن نظر الرجال، فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه، واستدل بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها إذا احتاجت لذلك لمرور الرجال قريبا منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها؛ لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقا، ولكن الشافعية اشترطوا أن يكون الثوب متجافيا عن وجهها بخشبة أو نحوها، وأجازوا لها هذا الإسدال لحاجة كحر أو برد أو خوف فتنة ونحوها ولغير حاجة، ولكن بهذا الشرط الذي ذكروه. واشترط القاضي الحنبلي أن يكون الثوب الذي تسدله على وجهها متجافيا عنه بحيث لا يصيب البشرة. وقال ابن قدامة عن هذا الشرط: لم أر هذا الشرط عن أحمد، ولا هو في الحديث مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبَيّن -أي لبيّنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك قال الشوكاني في رده على المشترطين هذا الشرط.
لبس الحلي
* ماذا عن لباس المحرمة؟ وهل يجوز لها لبس الحلي
** يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس الحلي، فلها أن تتحلى بأية حلية شاءت، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها ما كانت ترى بأسا في لبس الحلي للمحرمة. وجاء في المغني لابن قدامة الحنبلي: قال أحمد: عن نافع: كان نساء ابن عمر وبناته يلبسن الحلي، والمعصفر وهن محرمات لا ينكر ذلك عبد الله. وروى أحمد (كما جاء في المغني أيضا) عن عائشة أنها قالت: تلبس المرأة المحرمة ما تلبس وهي حلال من خزها وقزها وحليها. وظاهر مذهب أحمد الرخصة في لبس الحلي للمحرمة، فقد روي عنه في رواية ابن حنبل: تلبس المحرمة الحلي والمعصفر، وهذا مذهب الحنفية والمالكية محتجين أيضا ـ بالإضافة إلى الآثار المروية بالجواز ـ بأن لبس الحلي من باب التزين، والمرأة المحرمة غير ممنوعة من التزين.
فدية المرأة
* وهل تشمل الفدية المرأة المحرمة مثل الرجل؟
** المرأة المحرمة إذا لبست ما هو محظور عليها لبسه أو فعلت ما يتعلق باللباس بالنسبة لها وجبت عليها الفدية، ومن الفقهاء من صرح بذلك، ومنهم من اكتفى بذكر وجوب الفدية على المحرم إذا لبس ما هو محظور عليه باعتبار أن المحرمة مثله في الحكم إذا لبست ما هو محظور عليها. فمن الفقهاء الذين صرحوا بذلك المالكية، فقد قالوا: حرم بالإحرام على المرأة لبس مخيط بيديها نحو قفاز ـ وهو شيء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسه المرأة للبرد ونحوه ـ وستر وجهها أو بعضه إلا لستر عن أعين الناس، فلا يحرم بل يجب إن ظنت الفتنة بها حيث كان الستر بلا غرز بإبرة ونحوها، ولا ربط أي عقد، وإلا بأن فعلت شيئًا مما ذكرنا، بأن لبست قفازا أو سترت كفيها، أو وجهها أو بعضه لغير ستر أو غرزت أو عقدت ما سدلته على وجهها، ففدية إن طال الزمن. وأما لو فعلت شيئا مما ذكر، ثم أزالته عن قرب، فلا فدية؛ لأن شرطها الانتفاع من حر أو برد بما فعلته من ستر وجهها ويديها، وعند إزالة ما ذكر بالقرب (أي عاجلا) لم يحصل الانتفاع المذكور. وقال الشافعية: أما المرأة فالوجه في حقها كرأس الرجل، فيحرم ستره بكل ساتر، ولها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها، فإن وقفت الخشبة فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها، ورفعته في الحال فلا فدية، وإن كان عمدا أو استدامته لزمتها الفدية. وقال الشافعية ـ أيضا ـ في القفازين: وهل يحرم عليها لبس القفازين؟ فيه قولان مشهوران: (أصحهما): عند الجمهور تحريمه، وهو نصه ـ أي الإمام الشافعي ـ في الأم والإملاء ويجب فيه الفدية. والحنفية عندما تكلموا عما يجب في تغطية رأس المحرم قالوا: وكذلك إذا غطت المرأة ربع وجهها، فقد جاء في البدائع للكاساني: لو غطى ـ أي المحرم ـ ربع رأسه يوما فصاعدا فعليه دم ـ ذبح شاة ـ، وإن كان أقل من الربع فعليه صدقة، وعلى هذا إذا غطت المرأة ربع وجهها.