-A +A
كاظم الشبيب
أصبح التعامل مع الإرهاب في الغرب نمطياً. وأمسى تعامل الشرق معه اجتهادياً. فبينما توقف سقوط ضحايا الإرهاب عندهم، لا تزال جثثه تتردد لتملأ وتغادر ثلاجات الموتى عندنا. استطاع الغرب امتصاص واحتواء الهزات الارتدادية جراء الإرهاب ومواجهته منذ 11 سبتمبر 2001 حتى اليوم، بينما في الشرق لا تزال تبعاته تتوالى بلا توقف. نتائج الحدث وتموجات ضرباته عمت أرجاء المعمورة، لكن ضرباته الموجعة وقعت على رأس المدن والدول في جسد خارطة المشرق، من فلسطين إلى أفغانستان مروراً بالعراق ولبنان والمغرب العربي وباكستان والهند وتركيا.
لا يمكن الزعم بنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب. أما الادعاء بفشلها فهو أمر ممكن، بل ساهمت أمريكا في تحول بعض البلدان إلى بؤر ومراكز ينطلق منها الإرهاب نحو فضاء أوسع في محيطها وإقليمها كما هو الحال في باكستان نحو جنوب آسيا والهند، وكما هو الحال في العراق نحو دول الجوار... بل بات من الأمور الطبيعية جداً توالد أسماء جديدة للجماعات الإرهابية كل يوم، لم تكن معروفة سابقاً قبل 11 سبتمبر، من رحم جماعات سابقة. وهذه الأسماء والجماعات فاعلة ومُربكة بتوالدها بالطرق القيصرية الانشقاقية أو بالطرق الطبيعية. هذه الولادات مُثيرة للقلق والشكوك حول تمويلها وما تستهدفه سياسياً. قد برزت على سبيل المثال جماعة «عسكر طيبة» و«جماعة الدعوة» و«جيش محمد» في باكستان. وبرزت جماعة «السلفية الجهادية» في الأردن والمغرب، أما في العراق فالأمر الشاذ أن لا يولد اسم جديد كل يوم!!
تحولت مسألة الإرهاب في أمريكا وفي أغلب الدول الغربية إلى خطط وقائية وعمليات حماية لبلدانهم ومواطنيهم، أما بلدان الشرق فلا تزال تتلقى ضربات لا تفصلها عن الضربات اللاحقة سوى ضربات أخرى!. في الغرب تحول إلى قلق طبيعي يستهدف الوعي ويتبنى الحيطة، بينما في الشرق خوف وارتباك وسقوط ضحايا، ناهيك عن وجود حواضن اجتماعية وفكرية توفرهما بيئة الشرق الثقافية والتراثية. ربما يقول البعض منا: إن الحاضنة الاجتماعية للإرهاب في البلدان الغربية تُعد أقلية وبالتالي يسهل متابعتها وتوقع أفعالها. نقول: هذا القول فيه من الإدانة للمجتمع الشرقي أكثر منه دفاعاً عنه.
الأمر الأكثر خطورة على بلدان المشرق يكمن في الإجابة على أسئلة كثيرة، منها: متى ستتوقف فيروسات التوالد للإرهاب والإرهابيين عن النشاط؟ وهل في المنظور القريب ما يشير لتوقف متوقع؟ وهل تغيير إدارة البيت الأبيض ومجيء إدارة جديدة يساهم في ذلك؟... لذا ينبغي أولاً ألا نتفاءل كثيراً، لأن الواقع مرير بحيث يعجز العقلاء عن إعطاء رؤية لكيفية مواجهة واستئصال الشبكات المعقدة التشابك بين جماعات وخلايا الإرهاب في دول ومجتمعات الشرق. والأمر الأكثر تعقيداً هو صعوبة فك الارتباط بين قبول المجتمعات بالجهاد ورفضهم للإرهاب، لاسيما في نفوس وعقول عامة الناس الذين يتعاملون مع الإرهاب بشكل عفوي يخالطه فهم مغلوط للجهاد منبثق من معاناتهم الحياتية.
أما الإدارة الأمريكية الجديدة فلا تمتلك، حسب معطيات الواقع على الأرض، القدرة على التوجه نحو خيار آخر غير «إستراتيجية محاربة الإرهاب»، لأن تركة إدارة بوش قلصت حجم الخيارات المتاحة لإدارة أوباما. لذلك أكثر ما يستطيع أوباما القيام به هو محاولة فك وتقليص حدة التناقض بين السياسة الفعلية للدولة العظمى في العالم مقارنة بما تدعيه وتتبناه تجاه ملفات قضايا حقوق الإنسان في العالم. فهل تنجح أم تفشل؟ ننظر وتنظرون. والله من وراء القصد.
kshabib@hotmail.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة